سياسات اليمين الإسرائيلي تقتضي إعادة النظر في التطبيع

 

 

 

لم يكن التطبيع في صالح القضية حتى وإن تم تبريره هكذا، إذ أن تطبيعاً لم يفضي إلى وقف الإبادة الجماعية ولا حتى إلى إدخال الغذاء والماء والدواء إلى غزة، لا يمكن أن يكون في صالح الشعب الفلسطيني، حيث أن قراءةً متأنيةً لسياسة إسرائيل التي يمثلها نتنياهو، والواردة بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ في الفصل التاسع من كتاب "مكان بين الأمم" تضع العرب ممن طبعوا أمام خيارٍ وحيد يكمن في إعادة النظر في علاقاتهم بإسرائيل، الفصل المذكور في أربعين صفحة من أصل قرابة أربعمائة وخمسة عشر صفحة يتكون منها كتاب "مكان بين الأمم.. إسرائيل والعالم" بنسخته القديمة والذي ألّفه منتصف تسعينات القرن الماضي.

تسلط هذه القراءة الضوء على التصورات الخاصة التي يطرحها اليمين الإسرائيلي بما يخص مسألة السلام مع الفلسطينيين، كما وردت في الكتاب، وخطابات وتصريحات خاصة في السنوات الأخيرة في أكثر من مكان وفي ظروف أقلُ ما يقال عنها أنها كانت مواتية للسلام.

فيما يخص فلسطين المحتلة عام 1967 يخلط نتنياهو بين أحقية إسرائيل وبين حاجة إسرائيل إلى التمسك بهذه الأرض، فهو حيناً يعزو التشبث بهذه الأراضي إلى أحقيةٍ مُنحت لليهود وفقا لمؤتمر فرساي الذي أعطى الحق لليهود بإقامة وطن قومي يمتد من النهر إلى البحر، حيث يقول في كتابه: "لقد تم في فرساي، التعهد لليهود بإقامة دولة في فلسطين، وشمل الوطن القومي آنذاك ضفتي نهر الأردن، وتارة يعزوها لأسباب أمنية وامتلاك عمق جغرافي بدونه ستكون إسرائيل عُرضة للإبادة من قِبل جيرانها الطامحين في إزالتها عن الوجود.

 يدّعي نتنياهو أن معظم الجمهور الإسرائيلي يؤمن بأن إسرائيل لا تستطيع العودة إلى حدود حزيران 1967، دون أن تعرّض وجودها للخطر، وأنه لا يحق لها التفريط بالسيطرة الاستراتيجية على الجولان، ومناطق الضفة الغربية بغض النظر إلى أي معسكر ينتمي.

يرى نتنياهو أن مسألة اللاجئين خلقها العرب، وحلها يتم في الدول العربية، أي خارج حدود إسرائيل، إذ يقول إن "الدول العربية قادرة وبسهولة على تمويل عملية توطين اللاجئين بقدرتها الذاتية، الدول العربية هي التي خلقت مشكلة اللاجئين منذ البداية، وهي المسؤولة أيضا عن عدم حلها حتى اليوم". بمعنى أن عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين أجبرتهم العصابات الصهيونية على المغادرة تحت وقع الجرائم قبل ما يقارب ثمانية عقود مرفوضة وأن العالم الغربي ملزم بأن يعلن بصورة لا تقبل التأويل، أن قرارات الأمم المتحدة، التي مضى وقتها، والمتعلقة باللاجئين، أصبحت مُلغاة بينما عودة اليهود الذين يقول أنهم هجروا قبل أكثر من ألفي عام لم يمضِ وقتها ولم تُلغى.

يرى نتنياهو أن الظروف تتغير مع الزمن، ويجب على العرب أن يدركوا بأنه لا يمكنهم إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء كلما أرادوا ذلك فهو يطالب بحق اليهود الممتد لآلاف السنين (حسب رواية غير مثبتة) في العودة إلى فلسطين، ويدّعي في الوقت نفسه أن على العرب أن يدركوا أن عليهم القبول بشروطه ويبرر كل تناقضاته بأن نهضة شعب إسرائيل هي على أي حال أحد الرموز الكبرى للإنسانية، فهذه ليست قصة اليهود فقط، إنما هي روح الإنسان التي ترفض بإصرار وعناد الاستسلام لحكم التاريخ، أمّا الفلسطينيين فربما نزع عنهم صفة الإنسانية وإن بشكل غير مباشر.

يرى أن الأقلية الفلسطينية تطالب بما لم يطالب به أحد من قبل، وهو إقامة دولة لأقلية، والمثير للسخرية أنه يضيف إلى ذلك تبريراً لاضطهاد كل أقلية تطالب بكيان يمثلها بل وإبادتها، وهذا يفتح الباب على مصراعيه لإبادة الأقليات في دول العالم عندما تتعارض مصالحها مع الأكثرية.".

نتنياهو يقول إن هنالك نوعين من السلام؛ سلام بين دول ديمقراطية، وسلام مع دول دكتاتورية. وهو ينظر إلى السلام مع العرب والفلسطينيين، باعتباره سلاماً مع دول دكتاتورية والذي بالضرورة يجب أن ينضوي تحت مسمى سلام الردع بمعنى أن على الأنظمة العربية التي تملك مساحات كبيرة من الأرض تبلغ 500 ضعف مساحة إسرائيل، تقديم تنازل ضئيل يكمن في دولة فلسطينية شرق النهر وهي في الواقع موجودة مقابل التنازلات الكبيرة التي قدمها اليهود والمتمثلة في القبول بدولتهم غرب النهر ويضيف أن قيام كيان فلسطيني غرب النهر يشكل وصفة سحرية لاستمرار الصراع، ويضيف أن على الفلسطينيين الذين يختاروا البقاء في الضفة القبول بالبقاء كأقلية تحت حكم الأكثرية اليهودية.

رغم كل ما سلف فقد طبّعت العديد من الدول العربية بما فيها البعيدة جغرافياً مع صاحب هذه الرؤيا، وأقامت معه علاقات لم تفضي إلى أي انجاز يخص الشعبي الفلسطيني حسب المبررات التي طرحها المطبعون لتبرير تطبيعهم، بل على العكس من ذلك تماماً فمنذ ما يزيد على عشرة أشهر ونتنياهو يمارس الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني دون أن ينجح المطبعين في الاسهام في التخفيف عن غزة كما أسلفنا في المقدمة.

Loading...