مقالات مختارة

نتنياهو مصمم على استمرار الحرب ليحمي نفسه والسنوار لن يبدي أي مرونة | عاموس هرئيل

 

 

 

كان هذا أُسبوعاً آخر للأخبار العاصفة، حيث سيطرت فيه التقارير عن الحرب في معظم أيامه على العناوين الرئيسة. ففي فجر الأحد، تم التشويش على هجوم الثأر لـ"حزب الله"، وبعد بضع ساعات تم رفع حالة الطوارئ في مركز البلاد. يوم الثلاثاء، تم إنقاذ مخطوف، فرحان القاضي، من التجمع البدوي في رهط، والذي كان محتجزا لدى "حماس" في نفق في جنوب قطاع غزة. في اليوم التالي، تم انتشال جثة لجندي مخطوف في منطقة أخرى في القطاع. في أحداث مختلفة خلال الأسبوع، قتل اربعة جنود من الجيش الإسرائيلي، ثلاثة في القطاع وجندي في الشمال. ولكن الأحداث الصعبة والعاصفة هذه لم تغير أي شيء في الصورة الاستراتيجية بعد أن تمت إزالة خطر التصعيد الإقليمي، الواضح والفوري، الذي كنا نتعرض له نتيجة الهجوم الذي خطط له "حزب الله". تواصل القتال في لبنان وفي القطاع، والمفاوضات حول صفقة التبادل عالقة، رغم لقاءات طواقم العمل من اسرائيل و"حماس" ودول الوساطة، واشتدت ضائقة سكان الجليل وهضبة الجولان، والضفة الغربية تقترب من نقطة الغليان.
مثلما في كل أسبوع، يجب علينا التحذير من التنبؤات المتفائلة التي يصمم بعض المراسلين لسبب ما على شرائها من دول الوساطة، وأحيانا يتم شراؤها بشكل مباشر من المستوى السياسي في اسرائيل. الاتصالات التي تجري حول الصفقة تراوح مكانها لأن عقدها، الآن، لا يتساوق مع مصالح الأطراف، سواء رئيس "حماس" يحيى السنوار أو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ومن يكتبون مرة تلو الأخرى عن تقدم المفاوضات يقعون في أسر التفاصيل المايكروتكتيكية ويتجاهلون صورة الوضع الاستراتيجي.
تقول الخطوط العامة، إن "حماس" قامت بتنفيذ الهجوم "الإرهابي" في 7 تشرين الأول لتحقيق هدفين رئيسين وهما إعادة القضية الفلسطينية إلى رأس جدول الأعمال الدولي (بوساطة النضال المسلح ضد اسرائيل) والتشويش على التحالف الأميركي – السني في المنطقة الذي كانت الولايات المتحدة تنوي ضم اسرائيل إليه من خلال اتفاق التطبيع المخطط له مع السعودية. أرادت "حماس" احتلال فرقة غزة والاحتفاظ بالمنطقة إلى أن يتم طردها، وبعد ذلك الانسحاب مع عشرات المخطوفين. نجحت العملية أكثر مما هو متوقع كما يبدو بسبب إخفاق الاستخبارات والاستعدادات الدفاعية الضعيفة للجيش الإسرائيلي؛ فقد عاد المهاجمون إلى القطاع ومعهم أكثر من 250 مخطوفا.
في صفقة التبادل الأولى، التي انطلقت في بداية تشرين الثاني، أرادت "حماس" التخلص من "الذخر" الذي أصبح عبئا عليها، 100 امرأة وفتى وطفل، ممن أثار اختطافهم انتقادا دوليا كبيرا ضدها، إضافة إلى توثيق أعمال القتل في البلدات وفي حفلة "نوفا". وافقت "حماس" على إطلاق سراحهم مقابل شيء ليست له أي قيمة بالنسبة لها (300 من السجناء الفلسطينيين الذين يعتبرون في معظمهم سجناء عاديين)، لأنها كانت على قناعة بأنها نجحت في دفع اسرائيل إلى الفوضى: ستستمر المفاوضات، وسيتم التوصل إلى صفقة أخرى حسب شروط أفضل، وفي هذه الأثناء ستتوقف الحرب، ولن يستمر الجيش في احتلال جنوب القطاع (في المرحلة ذاتها، تم احتلال شمال القطاع فقط). عملياً، تفجرت المفاوضات عندما حاولت "حماس" في اليوم الأخير للصفقة الأولى الانحراف عن الشروط. استأنفت اسرائيل القتال في بداية كانون الأول، وهاجم الجيش الإسرائيلي بريا خان يونس، وبعد ذلك في أيار، قام بمهاجمة رفح بريا.
عندما تم استئناف المفاوضات عرضت "حماس" ثلاث طلبات رئيسة بالترتيب: إنهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي بالكامل وتحرير آلاف السجناء الفلسطينيين. أظهرت "حماس" بالتدريج هامش مرونة معينا في صياغة الاتفاق وفي هامش المسائل الرئيسة. ووافقت على أن تجري الصفقة على مراحل، وكذلك انسحاب الجيش الإسرائيلي. ولكن المفاوضات لم يتم استكمالها خلال نصف سنة. بعد ذلك، بعد موافقة نتنياهو، كما يبدو لفترة قصيرة، على الاستجابة لاقتراح الوساطة الأميركي (بعد ذلك تراجع) كانت "حماس" هي التي تشددت في مواقفها.
بتوصية من دول الوساطة، تناقش طواقم المفاوضات الآن أيضا تفاصيل إطلاق سراح السجناء (عدد السجناء مقابل كل مخطوف)، هوية من سيتم إطلاق سراحهم، وقدرة اسرائيل على فرض الفيتو على بعض الأسماء. عملياً، هذه خدعة تجري بناء على طلب من الأميركيين المعنيين بالحفاظ على انطباع متفائل حول التقدم بدون أي صلة بما يحدث في الواقع. يبدو أن "حماس" لا تنوي إظهار مرونة أكبر لأنها تدير معركة بقاء، وبالنسبة لها فإنه من المحظور عليها منح اسرائيل القدرة على فصلها عن جهاز الأكسجين الخارجي. في حين أنه لا يوجد لنتنياهو أي نية للتنازل كجزء من الجهود المبذولة للحفاظ على بقاء حكمه.
لذلك، في كل مرة يبدو فيها أنه يوجد تقدم، يهتم رئيس الحكومة بأن يبث لـ"حماس" بأنه لا يوجد وبحق ما يمكن التحدث حوله. ستستأنف اسرائيل القتال بعد استكمال الجزء الإنساني في الصفقة، الذي فيه سيتم إطلاق سراح النساء وكبار السن والمرضى، ولن ينسحب الجيش الإسرائيلي من ممر نتساريم في وسط القطاع ومن محور فيلادلفيا على الحدود بين القطاع ومصر. قال يارون أبراهام، الأربعاء الماضي، في "أخبار 12"، إن نتنياهو فحص عقد جلسة خاصة للحكومة في ناقلة جنود (!) في محور فيلادلفيا، وهو المكان الذي خصص له التفكير والعمل المحدود جدا في الـ 15 سنة الأخيرة. رئيس "الشاباك"، رونين بار، فرض الفيتو على هذه الفكرة لاعتبارات أمنية، وربما كان هذا الهدف مسبقا.
الشركاء من اليمين في الائتلاف أكثر تصلباً من رئيس الحكومة. يوضح وزيرا "الصهيونية الدينية" و"قوة يهودية" في كل مناسبة بأنهما سيعارضان إطلاق سراح سجناء فلسطينيين بشكل جماعي، بينهم الكثير من "القتلة" (تطلب "حماس" الآن إطلاق سراح حوالي 200 سجين مقابل كل مخطوف عمره أقل من 50 سنة). عندما تتحدث منتديات آباء المخطوفين ومنتديات الآباء الثكالى من اليمين مثل "البطولة والأمل"، عن تحرير "الجميع مقابل الجميع" في صفقة تنفذ، مرة واحدة، هم يعرفون أن هذا الأمر ليست له أي فرصة للتحقق؛ لأنه يعني إطلاق سراح آلاف السجناء الفلسطينيين.
يحدث كل ذلك على خلفية التصعيد الواضح في الضفة الغربية. فبعد محاولة تنفيذ العملية "الانتحارية" الفاشلة في تل أبيب في منتصف الشهر، دعا خالد مشعل، أحد قادة "حماس" الكبار، هذا الأسبوع، نشطاء المنظمة في الضفة إلى استئناف زخم العمليات "الانتحارية"، وهو النموذج الذي امتنعت "حماس" عنه تماما خلال الـ 15 سنة الأخيرة. ومثلما في موضوع الحرم فإنه لا يوجد هنا خضوع قسري من قبل رئيس الحكومة لحلفائه المتطرفين. يفشل نتنياهو بدقة كبيرة أي محاولة للتقدم. في هذا، يوجد له شريك في الطرف الآخر، السنوار الذي يعمل لاعتباراته الخاصة. في هذه الأثناء، يبدو نتنياهو كمن يهتم بالحرب الأبدية، وهو يأمل بفوز ترامب في الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني القادم، ويأمل بوجود ذريعة تمكنه من تأجيل تقديم شهادته في المحكمة في كانون الثاني، وعيونه تشخص إلى انتخابات الكنيست التي يفضل إجراؤها في موعدها الأصلي، أي تشرين الثاني 2026. حتى ذلك الحين سيستخدم كل مناورة تأجيل تبقيه في الحكم، وسيفشل الخطط للتحقيق في إخفاقات الحرب بوساطة لجنة تحقيق رسمية. أيضا الصراع السياسي المتجدد على هوية رئيس المحكمة العليا، المخول بتحديد تشكيلة هذه اللجنة يتعلق بهذا الأمر.
في الطريق إلى الانتخابات بعد سنتين تقريبا، نتنياهو معني بالحفاظ على نار الحرب مشتعلة في غزة. في الوقت الحالي، يبدو أنه يفضل الامتناع عن تصعيد كبير مع إيران و"حزب الله" في الشمال. في كل ما يتعلق بالمخطوفين ما زال ساري المفعول ما حاول قوله في حينه حول التحقيقات الجنائية ضده: لن يكون هناك أي شيء لأنه لا يوجد أي شيء. إذا كانت هناك أداة ضغط على نتنياهو فهي توجد لدى الإدارة الأميركية التي تحذر حتى الآن في الاتصالات مع اسرائيل. الرئيس الأميركي، جو بايدن، لا يريد إحباطا لنائبته كمالا هاريس في السباق نحو الرئاسة، ويبدو أنه يخشى تصادما مباشرا بين واشنطن والقدس، يمكن أن يسرع الحرب الإقليمية بين اسرائيل وبين المحور الشيعي، التي ستؤثر سلبا على أسعار النفط. ولكن في تشرين الثاني ستبدأ لعبة جديدة، سواء فازت هاريس أو ترامب فإنه سيبقى لبايدن شهران ونصف الشهر كي يفعل فيها، بقدر معين، ما يريده.
هذه ستكون الفترة التي يمكن فيها للإدارة الديمقراطية أن تقرر هل ستصعد خطواتها، من عقوبات ضد الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وحتى التهديد بعدم فرض الفيتو على قرارات مناوئة لإسرائيل في مجلس الأمن. العقوبات التي تم التحدث عنها، هذا الأسبوع، ضد المستوطنين المتطرفين فقط تلامس هامش الاحتمالية الحقيقية للإدارة الأميركية.

مجموعة التمرد - 2
حقيقة أن الحرب مستمرة والمفاوضات عالقة لا تعني أن الوضع الإقليمي مستقر. حتى الآن هناك مكان ننحدر إليه. من يحرص على إلقاء المزيد من القش في النار، طوال الوقت، هو وزير الأمن الوطني. التحريض هو مهنته: يصعب التقرير أين يتسبب بن غفير بضرر أكبر. 
ليس عبثا أن أرسل مؤخرا رونين بار رسالة شديدة حذر فيها من خطوات الوزير. يملي بن غفير ما يحدث في الحرم بوساطة سيطرته على قيادة الشرطة في لواء القدس، التي تسعى لتلائم طموحاته. في كل اللقاءات الأخيرة بين بار وجهات أخرى في جهاز الأمن وبين رؤساء ورجال امن في دول عربية صديقة، طلب الأخيرون من المستضيفين فتح نقاش للحصول على تفسيرات من اسرائيل حول خطوات بن غفير في الحرم.
في جهاز الأمن، ينظرون بقلق إلى ألاعيب الوزير الأخيرة، الذي يعتبر نفسه عضوا سابقا في "كاخ"، ويركزون على الشبه بينها وبين بيان "زمرة التمرد"، مجموعة اليمين المتطرف برئاسة مائير اتنغر، حفيد مائير كهانا، التي تم إرسال أعضاء فيها إلى الاعتقال الإداري في 2015. نشاطات أعضاء المجموعة تم الكشف عنها على خلفية التحقيق في قتل أبناء عائلة دوابشة في قرية دوما. في هذا الأسبوع، كتب يهوشع براينر في "هآرتس" بأن اتباع بن غفير في قيادة وزارته وفي قيادة مصلحة السجون زاروا القاتل في دوما، عميرام بن أولئيل في السجن (أول من أمس، تمت معرفة أن "الشاباك" وافق على تخفيف ظروف حبسه: سيتم نقله من القسم المحمي إلى القسم العادي).
قبل عقد، ناقش أعضاء التمرد خطة لإسقاط النظام في اسرائيل. في الوثيقة التي قاموا بصياغتها كتب: "يوجد في دولة اسرائيل نقاط ضعف كثيرة. المواضيع التي نسير فيها على طرف الأصابع كي لا نثير الفوضى. ما نقوم بفعله هو ببساطة إشعال هذه البراميل المتفجرة دون الخوف من النتائج". أحد توجهات العمل الرئيسة يتناول الحرم – الاحتكاك المتعمد مع المصلين المسلمين، وتشويش الصلاة في الحرم، واقتحام وتحصن اليهود قرب المساجد، ومواجهات مع الشرطة. على الأقل، النقطة الأخيرة أصبحت لا حاجة إليها. فالشرطة، الآن، توجد تحت سيطرة أحد اتباع كهانا بشكل كامل (سابقا).
في زياراته المستمرة في الحرم وفي تصريحاته الاستفزازية فإن بن غفير يقوم بتصعيد التوتر هناك. يجدر التذكر بأن إطلاق الصواريخ نحو القدس في عملية "حارس الأسوار" في 2021 وفي الهجوم "الإرهابي" في تشرين الأول الماضي، عملت "حماس" أيضا على خلفية خوف الفلسطينيين من خطوات لا يمكن التراجع عنها، ستسمح بها حكومات نتنياهو في الحرم بضغط من اليمين المتطرف. يتساذج نتنياهو عندما يقوم بتوبيخ وزير الأمن الوطني بشكل خفيف ويطلب منه ضبط النفس. عمليا، يبدو أن الخطوات منسقة تماما. ومثلما أمام وزير العدل، ياريف لفين، في مسألة الانقلاب النظامي، فإن نتنياهو يسمح لبن غفير في السير إلى الأمام في الوقت الذي يحافظ فيه على مسافة آمنة منه من اجل إبقاء هامش إنكار لنفسه. يعمل وزراء اليمين المتطرف ظاهريا بشكل مستقل كي لا يورط رئيس الحكومة نفسه. هكذا كان الأمر أيضا عندما قام بن غفير باقتحام الحرم في 9 آب (العبري) وبعد ذلك تبين أن العملية تم تنسيقها مسبقا مع سكرتير الحكومة، يوسي فوكس.
ليس فقط بن غفير هو الذي يتصرف وكأن 7 تشرين الأول لم يحدث أبدا، بل عاد لفين أيضا بكامل قوته للدفع قدما بقوانين الانقلاب. تفعل الأحزاب الحريدية كل ما في استطاعتها للتشويش حتى على تجنيد قليل للشباب في أوساط ناخبيها في الوقت الذي لا تحاول فيه الحكومة تقديم أي حل، رغم قرارات حكم المحكمة العليا. في حين أن الوزيرة، ميري ريغف، تستمر في تنظيم احتفال الذكرى السنوية الأولى لكارثة 7 تشرين الأول، الذي له هدفان واضحان، السماح لنتنياهو بالسيطرة على الرواية الوطنية حول المذبحة (هكذا إلقاء المسؤولية عن الإخفاقات على الجميع باستثناء نفسه)، والتشديد مجددا على الشرخ القديم بين المعسكرات في اسرائيل – "أوفكيم" ضد "نير عوز".
في بعض الحالات، لم يصدر مكتب نتنياهو أي بيان مشاركة في الحزن. وتوقعاتنا كمواطنين متدنية أصلا، لكن تولد الانطباع بالتدريج أنهم في الحكومة يحاولون تأسيس ديكتاتورية هنا على مراحل، فيها نظام الحكم يمكنه أن يفعل كل ما يخطر بباله (سيتغلبون على عائق الانتخابات الحرة والمتساوية فيما بعد).

 

عن "هآرتس"

 

 

 

 

Loading...