التقى بنيامين نتنياهو وعقيلته، يوم الجمعة من الأسبوع الماضي، مخطوفات عدن من أسر "حماس". ثمة اقتباسات واسعة وتسجيلات عن الحديث نشرت في القناة 12. بدا انغلاق الحس والنرجسية لدى الزوجين علماً أسود باعثاً على الاشمئزاز من خلال الحديث الذي شبه به نتنياهو المعاناة التي تمر بها المخطوفات بمسلسل الأسر الذي اجتازه في الجيش فيما اشتكت عقيلته من "الأكاذيب التي يروونها عنها"، منذ تزوجت خيار قلبها.
اجتذب عيني بالذات سطر آخر قاله نتنياهو في ذاك الحديث، "الأمر الأكبر الذي تبين لي، ولكم أيضا انه توجد حولنا خطة إبادة إيرانية تأتي لإبادتنا. تأتي لإبادتنا، لاحتلال الدولة، ولإمطارنا بنار لظى ولإبادتنا".
"الأمر الأكبر الذي تبين لنا، ولكم أيضا"، قال. لو لم يكن النشر مسنودا بتسجيل واضح ما كنت لأصدق أنه قال هذا. إذاً، يا نتنياهو، تبين هذا لك الآن؟ فجأة اكتشفت بأن إيران تخطط لإبادتنا؟ فقد قلت "تبين لنا، وكذا لكم". إذاً، في سياقنا، انت مخطئ. تبين هذا لنا منذ زمن بعيد. قبل عشرين سنة تقريبا. تعرف متى بدأ هذا يتبين لنا؟ عندما بدأت تخطب عن هذا. خطابات لا نهاية لها، مليئة بالتفاصيل، وبالتوصيفات الرسومية. يتبين لنا هذا منذ سنين، حين كنت واحدا من أكبر مَن بيّن هذا الأمر لنا. أسلافك أيضا تحدثوا عن هذا، والقليلون ممن حلوا محلك زمنا قصيرا منذ أصبحت رئيس الوزراء. كل من مر هنا ربع ساعة عرف هذا. الحزام الناري والطوق الذي بنته إيران حولنا على مدى سنوات معروف لنا جميعا. ما لم يتبين لنا حتى الآن هو ما الذي فعلته كي تمنع هذا؟ أي خطوات اتخذت كي تزيل التهديد؟ لا، أنا لا اقصد الخطابات، بل اقصد الخطوات الحقيقية. لم اكن في اللقاء، آمل بأن تفعل شيئاً بعدما قلت انه تبين لنا. أعرف أن هذا أمل عابث، وذلك لأنه لا يظهر عليك حين تكذب. ولا تشحب إلا عندما يفلت منك بالخطأ قول الحقيقة. والحقيقة بسيطة: على مدى السنوات الأخيرة يبنون الحزام الناري أمام عيونك. وكل ما فعلته هو الخطابة. سياسة "الاحتواء" التي من إنتاجك. التعليمات للجيش بأن يحتوي تعاظم قوة نصر الله على الجدار جاءت منك. والتمويل القطري النقدي لـ"حماس" جاء منك. سوّقت للجمهور انك "سيد الأمن". شرحت أنه "عندما يشم الإرهاب رائحة الضعف فإنه يرفع رأسه، أما عندما يصطدم بالقوة فيتراجع"، بينما كنت تتراجع أمام كل من يرفع رأسه ضدنا. والآن، فيما يكون الجنوب خربا ومدمرا والشمال مهجورا ومقصوفا، تكشف أنه "تبين لنا".
في شباط 2021، التقيت في مقابلة صحافية مع بطل إسرائيل، العميد حسون حسون. حسون، احد الضباط المزينين بالأوسمة في الجيش، الذي قضى قسما مهما من سنواته على ارض العدو، كان قلقا جدا. كان أول سؤال لي هو لماذا انت قلق، فالهدوء الأمني غير مسبوق والجيش يعمل بحرية ضد التموضع الإيراني في سورية، و"حزب الله" هادئ، القطاع والضفة هادئان نسبيا؟
"هذا ظاهراً. الاستراتيجية الإيرانية لم تتغير. بل العكس. هم يتقدمون. تصميمهم موجود، وهذا لم يتحرك ملم واحدا. هم يسعون لجعل العالم كله شيعياً، ويبدؤون بالشرق الأوسط. خطتهم مرتبة، بنيوية، ولا شيء يصدهم، بما في ذلك أعمالنا. هذا هو الواقع على الأرض".
وصف حسون في مقابلة واسعة ومفصلة الحزام الناري الإيراني. في لبنان، في سورية، في العراق، في مثلث الحدود إسرائيل – الأردن – سورية. تحدث عن سياسة الاحتواء الإسرائيلية. حذر. قبل وقت قصير من ذلك، عندما اجتاز "مخربو (حزب الله)" الجدار وهاجموا استحكام "جلديورا" الإسرائيلي، تلقى مقاتلونا الأوامر بإطلاق النار أمام أقدامهم ليهربوا. لا قتلهم. عندما حاولت أن استوضح في الجيش من أين جاءت هذه الانهزامية ألمحوا لنا أن هذه هي تعليمات المستوى السياسي. "هم يريدون الهدوء"، قال لي من قال، "الأكواخ السياحية مليئة، الجمهور مبسوط، لا يريدون إشعال الجبهة".
كانت هذه هي سياسة نتنياهو. عندما عاد إلى الحكم في العام 2022 وصلت الأمور إلى غليان حقيقي عندما استيقظنا ذات يوم، وظهرت ثلاث خيام لـ"حزب الله"، فيها مقاتلون مسلحون في الجانب الإسرائيلي من الخط الأزرق. فماذا فعل نتنياهو؟ لا شيء. الآن، "تبين" له أنهم بنوا حولنا حزاما ناريا، أو كما تقول عقيلته، "حين لا يروون له شيئا، كيف سيعرف". أو كما قال هو نفسه للجنة التحقيق في موضوع كارثة ميرون، "آلاف المخاطر الأمنية. لو كانوا يقولون لي، انه توشك على أن تقع كارثة رهيبة لكنت عالجتها... لو كانوا أمسكوا بطرف ردائي وقالوا لي، انه توشك أن تقع مصيبة رهيبة لكنت عالجتها".
المشكلة هي انه في موضوع الحزام الناري الإيراني هو نفسه أمسك بطرف ردائه. حفر ونبش في هذا على مدى السنين. والآن، يدعي بأنه هو أيضا لم يعرف. إذاً، ولأجل إزالة الشك، لعلم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "ها هي عدة أمور أخرى تحصل في هذا الموضوع. إذا كنت تمر على استعراضات الاستخبارات التي تعرف لك، فأنت تعرف". لكن ليس فقط الاستخبارات. كل ما اكتبه هنا، نشر. بعض الأمور التي قالها أفيغدور ليبرمان (الذي قدم هو الآخر تحذيرا تقشعر له الأبدان عما هو مرتقب من غزة، عشية 7 تشرين الأول)، الذي يتحدث، مؤخرا، عن تنفيذ "خطة الإبادة" الإيرانية. تفاصيل كثيرة أخرى تنشر كل الوقت في شبكات التلغرام والواتس آب لمحافل "الإرهاب"، ميليشيات شيعية، وما شابه، بالعربية.
إيران و"حزب الله" سيطرا على معهد "سارس" الذي هو في واقع الأمر الصناعة العسكرية السورية. نوع من "رفائيل". اتخذ الأسد خطوة إلى الوراء، وأعطى رجاله نصر الله والحرس الثوري المفاتيح. في هذا المعهد، يُنتج سلاح كيماوي، وينتجون المنظومات التي تجعل الصواريخ دقيقة، ووسائل قتالية أخرى. هذا حدث استراتيجي لتعاظم قوة محظور على إسرائيل التسليم به.
إضافة إلى ذلك، حسب منشورات أجنبية، تحفر، الآن، شبكة أنفاق تؤدي من مطار دمشق الدولي إلى مواقع تخزين وإخفاء مختلفة في الدولة، لأجل "الالتفاف" على قصف سلاح الجو. في السنوات الأخيرة وبمعونة استخبارات دقيقة، تستطيع إسرائيل أن تقصف السلاح والوسائل المحطمة للتوازن التي تنقل إلى دمشق ومن هناك تحمل في شاحنات وصولا إلى بيروت. شبكة الأنفاق هذه ستسمح لنصر الله بحصانة من الإصابة الإسرائيلية، وتسرع تعاظم قوته. قريبا ستتمكن هذه الإرساليات من النزول تحت الأرض فور إنزالها من الطائرات، وتختفي عن العين الإسرائيلية الفاحصة.
إيران و"حزب الله" يستخدمان، مؤخرا، "مسار المخدرات"، الذي احد مراكزه مثلث الأردن – سورية – إسرائيل، لغرض تهريب السلاح والوسائل القتالية. يدور الحديث عن تهريب عبوات ناسفة بمواصفات عالية، صواريخ كتف، وصواريخ مضادة للدروع، ووسائل أخرى عبر الأردن إلى داخل الضفة، حيث يوجه كل هذا ضد قواتنا ومواطنينا. يدور الحديث عن بنية تحتية لتهريب المخدرات تنفق على نظام الأسد لسنوات طويلة، والآن يستخدمونها لنشر "الإرهاب" ضد إسرائيل، التي حاليا لا تعمل ضد هذا، وتكتفي بحملات عسكرية في جنين، نابلس، وطولكرم بدلا من أن تجتث الظاهرة من جذورها.
الميليشيات الشيعية التي حاولت إيران تركيزها في العراق وفي سورية ليوم الأمر ضد إسرائيل، بدأت، مؤخراً، بمناورات شاملة هي الأكبر. حصل هذا في دير الزور وفي بوكمال. قوات كوماندوز خاصة تابعة لسورية تتدرب في المنطقة. الهدف: إعداد هذه القوات التي تعد عشرات آلاف المقاتلين الشيعة (الذين ليسوا إيرانيين) للهجوم في هضبة الجولان حين تبدأ المواجهة بين إسرائيل و"حزب الله" في حدود لبنان، وهكذا تشل وتشغل الجيش في جبهة ثانوية بدلا من الجهد الأساس.
فماذا يفعل بنيامين نتنياهو أمام كل هذا؟ أساساً يخطب، كالمعتاد. حين كانت هناك حاجة لتوجيه ضربة ضد "حزب الله"، يوم الأحد فجراً، اختار نتنياهو الخيار "الأسهل" الذي تلقاه من الجيش. وحتى هذا وجه تعليماته بتخفيفه وتقليله في اللحظة الأخيرة، خشية أن تشتعل الجبهة، لا سمح الله. أنا أصغر من أن أدخل في الاعتبارات العملياتية والعسكرية في هذه الحالة. أنا ادخل فقط إلى الإحصاءات الجافة على مدى السنين: الرجل هو النقيض لخطاباته: جبان، واهن، و"محتوٍ" على مدى حياته السياسية. أما الحساب فنحن ندفعه، الآن.
عن "معاريف"