أعلن الجيش الإسرائيلي، أول من أمس، تنحية عدي آندريت، نقيب في الاحتياط، وضابطة أمن لواء الكسندروني. تنحيتها عن حق؛ فتصريحاتها الأخيرة في الشبكة لم تنسجم مع البزة التي ترتديها ومع منصبها في الجيش. لكن تنحيتها لا يمكنها أن تخفي الحقيقة المقلقة التي كانت في بعض أقوالها: من المحظور على الجيش ان يسلم بخرق الانضباط، لكن هذا لا يعفيه من الاستماع.
كانت بداية العاصفة في تصريحات ليلي درعي، التي ثكلت ابنها سعاديا درعي، في القتال في غزة. روغل الفر، المراقب التلفزيوني في "هآرتس" قرأ في أقوالها تأثراً بموت ابنها. مراسل آخر، من القناة 11، نشر تغريدة مضادة، وشعرت ضابطة الأمن بالحاجة لتغرد رداً من جانبها. اقتبست في ردها رسالة بعثها القائد الجديد، العقيد موشيه بيست، لمقاتلي اللواء. فقد أنهى الرسالة بأمر لمقاتلي اللواء ممن استدعوا للخدمة في حدود لبنان: "ستكون قرى لبنان قفراء، وطرقها بلا مخرج"، كتبت ضابطة الأمن بسخرية لاذعة: دخل الى اللواء قائد جديد، الشيء الأول الذي يتمنى للمقاتلين ان ينفذوه هو إبادة جماعية. رائع.
عن الأم الثكلى كتبت: "هي فخورة بالموت. هذا أمر رهيب، وهذه هي الصهيونية الدينية – طائفة من أكلة الموت".
لنبدأ من النهاية: الصهيونية الدينية ليست طائقة. هي إطار يضم داخله جملة واسعة من الآراء، الأعراف، والمعتقدات. الحزب الذي يحمل هذا الاسم سرقه: معظم الإسرائيليين الذين يعرفون انفسهم كصهاينة وكمتدينين لم يصوتوا له. قيادة هذا الحزب هي، بالفعل، طائفة مسيحانية تفعل كل ما في وسعها كي تروج لخراب "البيت الثالث".
يصعب علي أن افهم تعبير "اكلة موت". أفترض ان المقصود هو بهجة الحرب، وعبادة الدم والموت. مؤشرات على ذلك يمكن أن نجدها في خطابات الوزيرين سموتريتش وستروك ونظرائهما منذ 7 تشرين الأول. سيئ جدا أن سياسيين من هذا النوع يصلون الى طاولة الحكومة؛ سيئ جدا أنهم يملون عليها رؤيا وجدول أعمال، في فترة قرارات مصيرية. لكن ليس صحيحاً ان يعاقب بخطيئتهم الوسط كله.
تصريح قائد اللواء هو موضوع منفرد. يمكن أن يقال دفاعاً عنه إن أقوالاً تصفوية من هذا النوع ظهرت في رسائل وخطابات قادة عسكريين منذ "حرب الاستقلال". كتبها وقالها أيضا رجال أحزاب اليسار مثل الشاعر آبا كوفنر من لواء جفعاتي وبيني مهرشك من "البلماخ". تعلموا الأسلوب والكلمات من "أناس بنفلوف"، الكتاب الإلزامي الروسي لكل مقاتل في الحرب العالمية الثانية. يوجد ضباط مقتنعون بان جملاً كهذه تشجع الجنود على الخروج الى المعركة.
هكذا يتحدث أيضا مدربو كرة السلة، حين يتجمع اللاعبون حولهم أثناء مهلة التوقف. وهذه الخطابات تؤثر على الشعور الطيب لدى المدرب أكثر مما تؤثر على نتاج اللاعبين.
لكن مع ذلك يوجد فارق، الفارق هو في أن قيادة الجيش تفضل دحر لجان أغرانات، وضابطة الأمن المنحاة، التي وضعت اصبعها في طريقها. الضابطية القتالية في الجيش الاسرائيلي بمستوى قادة الكتائب والألوية تتأثر اليوم بالضباط الذين لم تعد هذه الاقوال بالنسبة لهم مجرد خطاب – هي تعريف للمهمة. الرسالة التي أخذتها على عاتقها كلية إعداد الضباط في عالي هي وفروعها لتأهيل نخبة جديدة للجيش الاسرائيلي وصلت مع الحرب الى لحظة النضج. لكل قائد فرقة ولواء خريج هذه المؤسسات توجد بالطبع آراء خاصة به وسلم قيم خاص به، لكن الرياح تهب ومن الصعب الخطأ في فهمها. اتجاه الرياح مهم على نحو خاص في الحرب الحالية التي بدأت بمذبحة جماعية، صادمة، تترافق وافكار كل مقاتل دخل الى غزة أو طيار يقلع للقصف. حين يكون القلب مشحوناً يكون من الأفضل الحذر في الكلام. لشدة الاسف، سيطرة هيئة الاركان على القادة وعلى الهوامش حتى بالأفعال في الميدان بعيدة عن أن تكون كاملة.
النتيجة هي موت زائد، للمخطوفين، ولقواتنا ولغير المشاركين في جانب العدو؛ النتيجة هي تحقيقات ضد إسرائيل وزعمائها في لاهاي وأضرار دبلوماسية واقتصادية ستثقل على إسرائيل في السنوات القادمة؛ وبالأساس، تشوش قيمي.
إن الحرب تخرج افضل ما في الانسان: الشجاعة، الرفاقية، التضحية، والنباهة، كما أنها تخرج منه اسوأ ما لديه: سكرة القوة، الوحشية. واحيانا يتورط المقاتلون الاكثر شجاعة في المعركة بالافعال الاكثر اثارة للخجل بعد المعركة: الشجاعة والحكمة هما ميزتان لا تأتيان دوما معا.
بعد 11 شهراً من المناوشات في غزة والاستنزاف المتبادل في الشمال من الأفضل تخفيض مستوى المسيحانية. الحرب الحالية ليست فرصة أُعطيت لنا من السماء لإبادة الشر وإنقاذ العالم، بل مهمة مضنية، ناكرة للجميل، يصعب علينا إنهاؤها.
عن "يديعوت"