قوبلت الأفكار التي طرحها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال جولته الأخيرة في المنطقة بشأن التوافق على زيارة بعثة أممية إلى مناطق شمال غزة، لتقييم الأوضاع هناك، وإعلانه خلال زيارته لتل أبيب موافقة إسرائيل على تلك الخطوة؛ بتوجّس مصريّ، إذ أثارت مخاوف من فصل شمال غزة عن جنوبه ووسطه، وإقامة منطقة عازلة بين القطاع ومستوطنات غلاف غزة في الشمال.
جاء ذلك بحسب ما أوردته مصادر صحفية، نقلا عن مصدر مصري مطلعة على تحركات القاهرة بشأن وقف الحرب على قطاع غزة، وأخرى قيادية في حركة "حماس". وأضاف إن "هناك مخاوف من خطة إسرائيلية جديدة بشأن فصل شمال غزة وإقامة منطقة عازلة بين القطاع ومستوطنات غلاف غزة في الشمال، عن طريق إقامة منطقة ذات إدارة دولية منفصلة في الشمال، وعزلها عن باقي القطاع، ليصبح القطاع منحصرا فعليا في الوسط والجنوب فقط".
وذكر المصدر أن "المخاوف تكمن في التقرير الذي من المقرّر أن تعده البعثة الأممية المُشار إليها، حيث إن الوضع في مناطق الشمال شديد السوء من حيث الدمار وانهيار البنية التحتية، وغياب مظاهر الأمن والخدمات، وهو ما سيظهر حتما في التقرير الخاص بتلك البعثة".
والثلاثاء الماضي، كان بلينكن قد أكد أن "عملية عودة سكان غزة إلى بيوتهم في شمال القطاع بحاجة لوقت وتنسيق أمني"، مبيناً أن "تل أبيب وافقت على مبدأ إرسال بعثة أممية لتقييم الوضع في شمال غزة". وصرح بلينكن للصحافيين إثر محادثات مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو: "اتفقنا على خطة تتيح للأمم المتحدة، إرسال بعثة تقييم، ستحدد ما ينبغي القيام به للسماح للفلسطينيين النازحين بالعودة إلى منازلهم في شكل آمن تماما في شمال غزة".
وجاء ذلك في وقت تتعامل فصائل المقاومة في قطاع غزة، وبعض القوى العربية الفاعلة في الأزمة، مع الأطروحات التي حملها بلينكن، بتوجس، ولا سيما في ظل مخاوف من خدمة تلك الطروحات -وأبرزها فصل شمال غزة- الأهداف الإسرائيلية فقط.
وذكر المصدر المصري أن "الخطة الأميركية الإسرائيلية، جاءت بعدما أبدت أطراف عربية، استعدادها للمشاركة في قوة دولية تدخل إلى شمالي قطاع غزة، تحت دعوى حفظ الأمن وترتيب الأوضاع من أجل عودة السكان، ولكن عمليا سيتحول شمالي القطاع إلى منطقة منفصلة إداريا، تحت إدارة دولية، وستقع بين مستوطنات الغلاف وبين وسط وجنوبي غزة".
قياديّ في حماس: مخطّطات "محكومة بالفشل"
ونقلت مصادر صحفية أخرىعن قيادي في "حماس" قوله، إن "مثل تلك المخططات، محكومة بالفشل، خصوصا في ظل صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته"، مضيفا أن "أي قرار يخص غزة، هو قرار فلسطيني خالص، معني به سكانها فقط".
وأكد القيادي أنه "في اليوم التالي لتوقف العمليات العسكرية، ستوجد كل الخدمات التي كانت متواجدة بالأساس قبل العدوان الأخير، حيث قوات الشرطة المحلية والدفاع المدني والخدمات الصحية والأطباء والخدمات المحلية الأخرى".
وأضاف: "إذا كانت هناك أطراف عربية أبدت استعدادها لمشاركة أميركا في تصورها، فمن الأولى أن تدعم تلك القوى إيقاف العدوان وسيطرة الفلسطينيين على أراضيهم واتخاذ قرارهم بأنفسهم، وكذلك المساعدة في إعادة الإعمار لاحقا".
ولفت القيادي إلى أنه "في وقت تؤكد إسرائيل قضاءها الكامل على المقاومة في شمال غزة، وسيطرتها بالكامل على القطاع، لا تزال المقاومة توقع بالعدو خسائر فادحة في الشمال، ولا تزال صواريخ المقاومة، تخرج من شمالي القطاع تجاه البلدات المحتلة وتل أبيب، ما يعني أن هياكل المقاومة لا تزال بعافيتها وسيطرتها المركزية".
وأضاف أن "هناك واقعة لم تحظ بتسليط الضوء عليها، إذ أنه وفي ظل مواصلة العدوان وخلال الهدنة الأولى، مارست عناصر من الشرطة الفلسطينية عملها في مناطق بشمالي القطاع، وتفقدت الكثير من المناطق، وعملت على حل بعض المشكلات وفقا لاستطاعتها".
"أقصى ما يمكن تحقيقه حاليا هو تفاهمات جزئية"
وفي نفس السياق قال الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عمار فايد، إنه "على الأرجح، لم يستطع وزير الخارجية الأميركي أن يقنع أحدا في المنطقة"، مشيرا إلى أن "إسرائيل ترفض أي خطط لمستقبل غزة فيها السلطة الفلسطينية، كما أن حماس ترفض أي حديث عن نزع السلاح مقابل مشاركتها السياسية، والرئيس الفلسطيني، محمود عباس يرفض أي بديل عن السلطة الفلسطينية، كما أن مصر والأردن، ما تزالان قلقتين من مخطط التهجير، ولا توجد ضمانات حول تخلي إسرائيل عنه".
وتابع أن "أقصى ما يمكن تحقيقه حاليا، هو تفاهمات جزئية هدفها الأساسي تحسين وضع السكان، لأن هذا بات يضغط على إسرائيل، خصوصا بعد قضية محكمة العدل الدولية".
وقال المحلل السياسي إن "موقف الإدارة الأميركية، بحسب ما احتوته التصريحات الرسمية أخيرا، بات ينحو في اتجاه التخلي عن تدمير حماس، لأن هذا بات صعبا ومكلفا جدا، وفي المقابل، هم يقترحون نزع السلاح وترحيل قادة كتائب القسام إلى دول مثل الجزائر، مقابل إدماج حركة حماس في منظمة التحرير وقبولها بقواعدها السياسية، وطبعا هذا ليس مقبولا من أي طرف، سواء إسرائيل أو حماس أو السلطة الفلسطينية".
وقال أستاذ القانون الدولي محمد محمود مهران إن "الموقف المصري ثابت في رفض مخططات فصل شمال غزة عن جنوبه، والتي طرحها بلينكن".
وأكد أن "موقف مصر واضح وصريح برفض أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية، وذلك يعكس التزامها الراسخ تجاه الدفاع عن حقوق إخوتنا في فلسطين".
وأضاف مهران: "لقد كان موقف القيادة المصرية ثابتا ومتماسكا دائما في مواجهة أي مشاريع تصفية، ولن يتزعزع أبدا في سبيل دعم الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني".