مقالات مختارة

سد النهضة.. هل يتحرك مجلس الأمن؟ | علي محمود

 

 

 

ستظل قضية سد النهضة بالنسبة لمصر هى قضية وجودية كما وصفها الرئيس السيسي في أكثر من مناسبة، ومن ثم فإن كل تحرك تجاه هذه القضية على كافة المستويات يرتكز إلى هذه المرجعية، ومن يتتبع سياسة مصر وتعاملها مع هذه القضية على مدى عقد أو يزيد سيتأكد أنها تتعامل بصبر يرتكز على قوة وحكمة تستند إلى إيمان بالحقوق التاريخية في مياة النيل، وعن حسن نية وإيمان بالسلام والشراكة القائمة على المصالح المتبادلة التي ترتكز على المنافع التنموية وعدم الإضرار بالآخر.

ومنذ أن وقعت مصر اتفاق المبادئ في عام 2015، والذي يحدد أسس ومبادئ وقواعد الملء والتشغيل لسد النهضة وهي تسعى بحرص إلى إنجاح هذا الاتفاق الذي يوفر لإثيوبيا فرصة التنمية ولدول المصب حق الحصول على مياه النيل دون الإضرار بحصتها.

وأكدت مصر في أكثر من مناسبة أنها ليست ضد سد النهضة، بل ضد الضرر الذي سيسببه لمصر إذا لم يتم التوافق بشأن عملية الملء والتشغيل خصوصًا في ظل تغيرات مناخية قد تأتي سنوات جفاف تقل فيها عوائد النهر من المياه، وبالتالي في ظل وجود تنسيق مشترك لن يلحق الضرر بأى دولة خلال هذه السنوات التي يقل فيها إيراد النهر، والعكس أيضًا في حالة وجود فيضانات كبيرة لا غنى عن التنسيق المشترك في الملء والتشغيل حتى لا يحدث غرق جراء الفيضان، وبالتالي لا غنى عن التنسيق.

هكذا تعاملت  مصر مع هذه القضية بنية صادقة على قاعدة "عدم الضرر"، وفي المقابل تعاملت إثيوبيا بعكس ذلك تمامًا،  ولم تلتزم بما تم الاتفاق عليه، وقامت بخرق الاتفاق الإطاري عبر مجموعة من الإجراءات الأحادية التي تنسف الاتفاق، وما تم التوصل إليه من تفاهمات عبر مفاوضات ماراثونية خلال السنوات الماضية ونجحت عبر هذه الإجراءات في إفشال المفاوضات وتوقفها، بل إن أديس أبابا وجدت في توقف المفاوضات فرصة للتمادي في ارتكاب المزيد من المخالفات، ورغم أن هناك قرارًا من مجلس الأمن  صدر قبل عامين يحثها على الامتثال للاتفاق الإطاري، إلا أنها ضربت عرض الحائط بهذا القرار، وتمادت أكثر في بناء وملء السد، دون تنسيق مع دول المصب، في  مخالفة صريحة وواضحة للقانون الدولي، بل إنه قبل أيام  تحدث رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد" حول حجز كمية من مياه النيل الأزرق هذا العام واستكمال بناء الهيكل الخرساني للسد الإثيوبي، وهو ما اعتبرته الخارجية المصرية غير مقبول جملة وتفصيلاً للدولة المصرية، وكان دافعًا لتقدم  مصر بخطاب جديد  لمجلس الأمن، وفق بيان وزارة الخارجية الصادر اليوم، والذي أكد أن انتهاء مسارات المفاوضات بشأن "سد النهضة" بعد 13 عامًا من التفاوض بنوايا مصرية صادقة، جاء بعدما وضح للجميع أن أديس أبابا ترغب فقط في استمرار وجود غطاء تفاوضي لأمد غير منظور؛ بغرض تكريس الأمر الواقع، دون وجود إرادة سياسية لديها للتوصل لحل، مع سعيها لإضفاء الشرعية على سياساتها الأحادية المناقضة للقانون الدولي، والتستر خلف ادعاءات لا أساس لها.

كما شدد وزير الخارجية في خطابه لمجلس الأمن على أن السياسات الإثيوبية غير القانونية سيكون لها آثارها السلبية الخطيرة على دولتي المصب مصر والسودان، وبالرغم من أن ارتفاع مستوى فيضان النيل في السنوات الأخيرة، وكذلك الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة المصرية قد أسهما في التعامل مع الآثار السلبية للتصرفات الأحادية لسد النهضة في السنوات الماضية، إلا أن مصر تظل متابعة عن كثب للتطورات، ومستعدة لاتخاذ كافة التدابير والخطوات المكفولة بموجب ميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن وجودها ومقدرات شعبها ومصالحه.

بهذا الخطاب الواضح في كلماته والمحدد في عباراته، والجامع لكل الجوانب الخاصة بقضية السد أصبحت الكرة في ملعب مجلس الأمن، الذي يتوجب عليه التحرك وفق القانون الدولي لوضع حد لهذه التصرفات الإثيوبية التي أصبحت تهدد بالفعل القانون الدولي، ومن ثم بات على المجلس اتخاذ التدابير اللازمة التي  تلزم أديس أبابا بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بشأن ملء وتشغيل السد بما لا يضر بدول المصب.

فهل يفعلها مجلس الأمن؟

 

عن الأهرام

 

 

كلمات مفتاحية::
Loading...