برزت خلال الآونة الأخيرة توصيفات يطلقها بعض المحللين والمتابعين على العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، البعض منهم يشير إلى أن إسرائيل تحكم أمريكا في خطواتها السياسية تجاه إسرائيل، لكن الثابت تبعاً لقراءة متأنية تعتبر العلاقة بين أمريكا وإسرائيل إستراتيجية في سياقها العام؛ وقد تكشفت تلك العلاقة أكثر من أي وقت مضى خلال العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس والداخل الفلسطيني منذ تشرين الأول / أكتوبر الماضي، وقد تجلت تلك العلاقة بتبني إدارة بايدن للرواية الإسرائيلية حول المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وبذلك تعتبر الدولة المارقة إسرائيل وكأنها الولاية الأمريكية الحادية والخمسين والفتى المدلل لأمريكا بصرف النظر عن الإدارة الحاكمة وسيد البيت الأبيض.
مصالح أمريكا أولاً
على الرغم من انحياز الإدارات الأمريكية لإسرائيل، لم يخلُ تاريخ العلاقات الأميركية - الإسرائيلية من تناقضات ثانوية، وعلى سبيل المثال لا الحصر عبر الرئيس الأميركي "دوايت أيزنهاور" في عام 1956 عن غضب بلاده من استيلاء إسرائيل على شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة في حملة مع فرنسا وبريطانيا، بتهديده بتعليق الدعم المالي الحيوي لإسرائيل ما لم تنسحب، وقد يكون مرد الموقف الأميركي الخوف من ازدياد النفوذ البريطاني والفرنسي في منطقة الشرق الأوسط. وكانت إدارة الرئيس الأميركي "جيرالد فورد" هددت في عام 1975 بإعادة تقييم العلاقات مع إسرائيل ما لم توقع إسرائيل على اتفاقية "فك اشتباك" مع مصر لتنسحب من سيناء. وأدانت الولايات المتحدة قصف إسرائيل للمفاعل النووي العراقي في عام 1981، حيث دعمت الولايات المتحدة العراق إبان حرب الخليج الأولى ضد إيران، وفي عام 1990، قال وزير الخارجية الأميركي آنذاك "جيمس بيكر" إن غضب الولايات المتحدة يزداد بسبب تباطؤ إسرائيل في مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، كما أنه ذكر رقم هاتف البيت الأبيض ودعا الجانبين "إلى الاتصال بنا عندما تكونان جادين بشأن السلام". وكتب "بوش" في عام 2004 خطاباً لرئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك "أرييل شارون" قال فيه إن المراكز السكانية الكبرى القائمة؛ في إشارة غير مباشرة للجيوب الاستيطانية اليهودية في الضفة الغربية تجعل التوقعات بعودة إسرائيل لخطوط الهدنة لعام 1949 "غير واقعية"؛ وقد شهدت العلاقات الأميركية الإسرائيلية خلال فترتي حكم أوباما أزمة عكست حالة من عدم الثقة بين كل من الرئيس الأميركي "أوباما" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو" بسبب الخلاف حول ملفي المستوطنات الإسرائيلية والملف النووي الإيراني.
التخادم الأمريكي الإسرائيلي
رغم ظهور بعض التناقضات في إطار العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية، لكنها لم تمس بجوهر تلك العلاقات الإستراتيجية، حيث لعبت وتلعب إسرائيل دوراً هاماً في إطار المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وتؤكد ذلك على الدوام وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية على حد سواء. وقد تجاوبت الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ عام 1948 مع الإستراتيجية التي تقوم على تطوير التحالف مع إسرائيل كحاجة جوهرية في قلب المنطقة العربية، وتبعاً لذلك قامت الولايات المتحدة الأميركية بترسيخ علاقاتها مع إسرائيل في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والدبلوماسية، وقد تجلى ذلك بالدعم الأميركي لإسرائيل في أروقة المنظمة الدولية واستخدام قرار النقض الفيتو ضد أي محاولة لاستصدار قرار يدين ممارسات إسرائيل العدوانية والتعسفية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وقد تجلى ذلك باستخدام أمريكا الفيتو في مجلس الامن أربع مرات منذ تشرين الأول / أكتوبر الماضي اجهضت اصدار قرار لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، جنباً إلى جنب مع تقديم المساعدات العسكرية والمالية لإسرائيل لتمويل حربها الفاشية على الشعب الفلسطيني بغرض التقتيل والتهجير وتدمير البنى التحتية؛ وهي بذلك أي أمريكا شريكة بالعدوان وعملية الإبادة الجماعية التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل على مدار الساعة. ومن نافلة القول أنه خلال العدوان الاسرائيلي على غزة أشار قادة من المستويين العسكري والسياسي إلى ضرورة الإبقاء على العلاقة الاسترتيجية مع إدارة بايدن رغم وجود تناقضات ثانوية معها؛ وقد عزز ذلك تضمين بند في أجندة مؤتمر هرتسيليا 21 الذي عقد قبل أيام أكدّ خلاله تجنب المفاجآت والعلاقات مع أمريكا الأمر الذي يؤكد أن أمريكا هي التي تحكم إسرائيل وتشرف على إيقاع عدوانها واستمرارها كدولة إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني. ومن نافلة القول أن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة استطاعت الضغط على حكومة إسحاق شامير الإسرائيلية وإجبارها على حضور مؤتمر مدريد "للتسوية" في نهاية عام 1991، وهذه دلالة أخرى دامغة بأن أمريكا تحكم إسرائيل وليس العكس، فضلاً عن كون العصابة إسرائيل ذراع أمريكا الإجرامي في عمق الشرق الأوسط.