مقالات مختارة

تبليط محور فيلادلفيا بجثث المخطوفين! | تسفي برئيل

 

 

 

لا تحتاج غالبية الجمهور في إسرائيل إطلاقاً إلى الرد الفظ من قبل الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي رد بكلمة واحدة وهي «لا»، عندما سئل إذا كان نتنياهو حسب رأيه يعمل بما فيه الكفاية من أجل التوصل إلى صفقة لتحرير المخطوفين. 
هذه الحقيقة معروفة في إسرائيل منذ أشهر. لم يطلق نتنياهو النار على المخطوفين الستة، بل «مخربو حماس» هم الذين فعلوا ذلك، ونتنياهو بصورة منهجية وناجعة أوجد الظروف التي أدت إلى هذا القتل.
النتيجة التي تقشعر لها الأبدان، وهي النظرية المشوهة التي تعتبر سيطرة إسرائيل على محور فيلادلفيا مسألة استراتيجية وسياسية، ومن أجل تحقيقها قرر الكابينت، باستثناء وزير الدفاع يوآف غالانت، التصويت مع إبقاء الجيش الإسرائيلي في المحور، ظهرت في اليوم التالي في النفق المظلم. 
هذا القرار، الذي يجسد ليس فقط الاستخفاف الإنساني بالأصدقاء الذين قرروا تفضيل الاستراتيجية الفارغة على حياة الإنسان وكأن الأمر يتعلق بمكان مقدس أو رمز للعودة إلى «أرض الميعاد»، يتجاهل موقف الجيش و»الشاباك» اللذين يعتقدان أنه يمكن التخلي عن السيطرة في المحور، بالتأكيد لفترة محددة.
لكن القرار بالأساس يتجاهل بشكل خبيث تاريخ المحور. بشكل خبيث؛ لأنه لا يمكن القول بأن أي عضو في الكابينت لا يتذكر أن الجيش الإسرائيلي سيطر على محور فيلادلفيا في السابق، وأن هذه السيطرة لم تساعد في منع العمليات والهجمات وإطلاق النار وتسلح «حماس». 
بالضبط مثلما لا يمكن أن يتذكر أي واحد منهم السيطرة الكاملة للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة في الأعوام 1967 – 2005، (سنة الانفصال)، حيث لم تمنع هذه السيطرة إطلاق صواريخ القسام والقذائف من القطاع نحو إسرائيل.
حسب معطيات «بتسيلم» وجمعية «شوفي» (نساء من أجل الخروج من غزة) ومجلس «يشع» وجمعية عائلات القتلى الفلسطينيين، فإنه في الأعوام 1967 – 2005 قتل 230 إسرائيلياً، و2600 فلسطيني. 
ومنذ كانون الأول 1987 عندما اندلعت الانتفاضة الأولى وخلال ست سنوات حتى التوقيع على اتفاق أوسلو قتل في غزة 29 جندياً ومواطناً إسرائيلياً. 
ومنذ العام 1993 إلى العام 2000، عند اندلاع الانتفاضة الثانية قتل في القطاع 39 إسرائيلياً. 
في السنة والنصف منذ أعلن أرئيل شارون عن الانفصال وحتى استكماله قتل 52 إسرائيلياً في غزة. 
وفي الانتفاضة الثانية تم إطلاق حوالى 500 صاروخ و6 آلاف قذيفة من قطاع غزة.
خلال هذه الفترة كانت إسرائيل تسيطر بشكل كامل، ليس فقط على محور فيلادلفيا، بل على كل القطاع.
تحت أنف الجيش تم حفر الأنفاق وتهريب السلاح، فقد اجتاز نشطاء «حماس» و»الجهاد الإسلامي» وتنظيمات أخرى الحدود إلى شبه جزيرة سيناء وبالعكس وكأنهم يسافرون على شارع سريع لا توجد فيه إشارات ضوئية. 
وحسب المعطيات التي قام مركز المعلومات للاستخبارات والإرهاب بتحليلها فإنه في الأعوام 2000 – 2005 تم تنفيذ 15.057 عملية في قطاع غزة، أو عمليات خرجت من القطاع إلى أراضي إسرائيل (مقابل 9495 عملية نفذت في الضفة الغربية أو خرجت منها). 
لا يوجد أي أساس للتقسيم الكاذب الذي يسوقه المتحدثون بلسان اليمين، وهو أن «عصر الهدوء» الذي سبق الانفصال الذي منع فيه وجود الجيش هناك إطلاق الصواريخ وبين «عصر الحرب» الذي حدث بسبب الانفصال. 
هذه هي رواية مخادعة تحاول الحكومة ورئيسها الآن إعادة إنتاجها وبيعها للجمهور على أنها بضاعة جديدة وأصلية.
الانسحاب من محور فيلادلفيا مسألة رئيسة يتعلق بها الآن مصير المخطوفين، لكن عندما يعتبره نتنياهو «مسألة سياسية أو استراتيجية» وعرض مصطلحات بلاغية تهدف إلى تعزيز أهميتها مقابل حياة بضع عشرات من المدنيين، فإن القصد هو أهمية هذا المحور كمرساة أساسية لاستمرار احتلال غزة. لأنه لا يمكن السيطرة على محور فيلادلفيا دون السيطرة على الطرق التي تؤدي إليه، ولا توجد أي طريقة لحماية الجنود الذين سيقومون بأعمال الدورية فيه دون الدفاع عن المناطق القريبة منه، لا سيما في المناطق المكتظة بالسكان مثل جنوب القطاع.
محور فيلادلفيا ليس طريقاً للأغنام يستخدمها الهواة أثناء الرحلات. 
الهدف الرسمي من السيطرة عليه هو مكافحة تهريب السلاح من شبه جزيرة سيناء إلى القطاع. ولكن عندما يصادق نتنياهو والكابينت على بقاء الجيش الإسرائيلي في المحور فإن هذه رزمة كاملة تشمل احتلال قطاع غزة دون تقييد في الوقت أو كما قال نتنياهو: «سنبقى في قطاع غزة طالما كانت هناك حاجة إلى ذلك». 
هذه ترجمة «الاستراتيجي» للسيطرة على المحور، التي من أجلها من المسموح به التضحية بحياة المخطوفين، لا سيما أن هذا هدف مقدس لأنه في المكان الذي يوجد فيه الجيش الإسرائيلي يمكن أيضاً إقامة المستوطنات وإعادة المجد إلى ما كان عليه.
تدرك «حماس» هذا التوق، وتخشى مصر منه، وتعرف الولايات المتحدة إلى أين سيودي بها محور فيلادلفيا في أعقاب إسرائيل، وبصورة متناقضة فإن صفقة التبادل هي العامل الوحيد الذي يمكن أن ينقذ إسرائيل من الغرق في وحل غزة. ولكن المخطوفين هم العائق أمام تحقيق استراتيجية العودة إلى غزة، وهم الذين ستتم التضحية بهم على مذبح «المحور» الذي أصبح بمثابة رمز للأمن المطلق الذي ينتظر إسرائيل بسبب السيطرة عليه.
لكن وجود الجيش الإسرائيلي لا يضمن الأمن، والدليل على ذلك يوجد في ادعاءات المستوطنين في الضفة ضد ما يعتبرونه عجز الجيش في حمايتهم. 
لا يمكن الادعاء بأن الجيش الإسرائيلي «غير موجود» في «المناطق»، لكن السلاح يتدفق إلى الضفة الغربية من الأردن وتتم سرقته من معسكرات الجيش، وينتقل إلى عصابات الإجرام في إسرائيل، ومنها إلى أيدي «المخربين». لا تحتاج السيارات المفخخة إلى تكنولوجيا إيران المتقدمة أو أي معادن نادرة.
الانتفاضة الأولى والثانية تطورت ووقعت تحت الاحتلال في الوقت الذي سيطر فيه الجيش على محور فيلادلفيا. 
ووجود الجيش الإسرائيلي لم يمنع اختطاف الفتيان الثلاثة في غوش عصيون في 2014. سحر «الوجود» للجيش الإسرائيلي في لبنان لم يساعد سكان الجليل عندما قام «حزب الله» في التسعينيات بإطلاق مئات قذائف الكاتيوشا والصواريخ نحو إسرائيل. 
الحرب اليومية في المنطقة الأمنية، التي استمرت حتى العام 2000 لم تكن كافية، وكانت هناك حاجة إلى تنفيذ عمليات كبيرة، عملية «تصفية الحساب» في 1993 وعملية «عناقيد الغضب» في 1996، في محاولة لمنع إطلاق الصواريخ. 
ايضا هذه العمليات لم تمنع وبحق إطلاق الصواريخ الذي استمر في العام 1999.
إسرائيل ليست الدولة الوحيدة التي أخطأت في الاعتقاد بأن السيطرة واحتلال مناطق ووجوداً طويلاً في المناطق المحتلة يضمن الأمن. 
في 1 أيار 2003 قام الرئيس جورج بوش بإلقاء خطاب على متن حاملة الطائرات «أبراهام لنكولن»، التي تم تعليق لافتة متغطرسة عليها كتب فيها «استُكملت المهمة». 
بوش في حينه بشر العالم بأن «المعركة الكبرى في العراق انتهت». في الحرب في العراق انتصرت الولايات المتحدة وحلفاؤنا لأن النظام (نظام صدام حسين) لم يعد موجوداً. ولكن في العام 2007 اضطرت الولايات المتحدة إلى إرسال 20 ألف جندي أميركي وتمديد وجود الجنود الذين كانوا في العراق كجزء من الاستراتيجية الجديدة التي سميت «سيل العرم» من أجل محاربة «القاعدة»، التي جندت القوات السنية ضد قوات التحالف الأميركي.
في العام 2011 تم انسحاب كل القوات الأميركية من العراق وفقاً للاتفاق الذي وقع عليه الرئيس جورج بوش مع الحكومة العراقية في 2008، وأعاد القوات إلى هناك في 2014 عندما سيطر «داعش» على مناطق في الدولة. ولكن أميركا كانت لها على الأقل استراتيجية للخروج، استندت إلى إقامة جيش وشرطة في العراق مدربين يمكنهما معالجة المشكلات الأمنية (العملية التي تبين منذ بداية الحرب ضد «داعش» أنها فاشلة) وترميم البنى التحتية في الدولة وتقديم مساعدات اقتصادية للحكومة الجديدة. لا توجد لدى إسرائيل أي نية لتشكيل حكومة فلسطينية بديلة لحكم «حماس»، كي تكون السلطة البديلة. 
ومحور فيلادلفيا هو الشارع السريع، الذي سيتم تبليطه بجثث المخطوفين، الذي سيؤدي إلى هناك.

عن «هآرتس»

 

 

 

 

Loading...