مقالات مختارة

إسرائيل ستدفع ثمناً باهظاً إذا أقامت حكماً عسكرياً في غزة | يوئيل زنغر

 

 

 

عندما قامت إسرائيل بالسيطرة على القطاع في العام 1967 سارعت الى إقامة حكم عسكري هناك، مثلما فعلت في كل "المناطق" التي احتلتها في الحرب. على رأس جهاز الحكم العسكري وقف قائد المنطقة، وتم تقسيم قطاع غزة الى محافظات يقف على رأس كل واحدة منها قائد. في إطار الحكم العسكري عملت أيضاً إدارة مدنية، وقف على رأسها موظفون من إسرائيل، لكن الأغلبية كانت تتكون من موظفين فلسطينيين عملوا في معظمهم في السابق في الإدارة المدنية في القطاع. على الفور عند بداية الاحتلال وحسب تعليمات القضاء الدولي فان قائد المنطقة أخذ كل صلاحيات الحكم التي كانت قبل ذلك من قبل الحكومة المصرية وخول معظمها لموظفي الحكم الإسرائيلي، رجال الجيش، والمدنيين الذين عملوا تحت إمرته.
بقي الحكم العسكري الإسرائيلي في هذا الإطار حتى العام 1994، بعد ذلك تم نقل معظم الصلاحيات للسلطة الفلسطينية، وفقاً لاتفاق اوسلو. بالمناسبة، أيضاً عندما احتلت إسرائيل قطاع غزة في العام 1956 في عملية "كديش" أقامت حكماً عسكرياً عمل الى حين استكمال الانسحاب من شبه جزيرة سيناء في العام 1957. في المقابل، بعد أن احتل الجيش الإسرائيلي القطاع في حرب "السيوف الحديدية" لم تقم إسرائيل بإقامة حكم عسكري في المنطقة، واعلن وزير الدفاع يوآف غالنت في 15 أيار 2024 بأن إسرائيل يجب عليها أن تمتنع عن إقامة حكم عسكري مرة أخرى في المنطقة "في اليوم التالي"، وبدلاً من ذلك يجب عليها الدفع قدماً ببديل آخر للحكم. وكما كتب بار بيلغ ويونتان ليس ("هآرتس"، 15/5)، هكذا برر غالنت موقفه الذي يبدو أنه يمثل موقف جهاز الأمن أيضاً: حكم عسكري إسرائيلي في غزة سيصبح الجهد الأمني الرئيسي لإسرائيل في السنوات القادمة على حساب جبهات أخرى، وسيكلف الدماء والضحايا وسيستدعي ثمناً اقتصادياً باهظاً".
يسعى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الآن الى اقامة سيطرة عسكرية إسرائيلية في قطاع غزة، حتى بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي في أعقاب اتفاق مع "حماس"، هذا اذا تم في أي يوم التوصل الى مثل هذا الاتفاق، أو بشكل أحادي الجانب كما حدث في العام 2005.
كما حلل الوف بن ("هآرتس"، 21/8) فان هذا الهدف يتبين من مطالبة نتنياهو التي لا هوادة فيها الاحتفاظ بالسيطرة في محور فيلادلفيا وممر نتساريم في "اليوم التالي". معنى الحفاظ على سيطرة إسرائيل في غزة في "اليوم التالي"، مثلا عن طريق السيطرة على محور فيلادلفيا وممر نتساريم، هو أن كل المنطقة ستبقى محتلة من قبل إسرائيل حتى لو قام الجيش الإسرائيلي بسحب معظم قواته من هناك، لأن الاختبار القضائي الذي يحدد المنطقة اذا كانت منطقة محتلة، هو اختبار منطقي ويتعلق بسؤال واحد هو هل يوجد للجيش الأجنبي، الجيش الإسرائيلي، في هذه الحالة، سيطرة ناجعة على الأرض؟
لا توجد حاجة الى أن يتواجد الجيش في كل نقطة على الأرض من اجل اعتبار هذه المنطقة محتلة، يكفي أن يسيطر على عدد من الأماكن الاستراتيجية على الأرض أو في محيطها، وهكذا يمنع أي قوة عسكرية أخرى من السيطرة عليها. منذ اللحظة التي تعتبر فيها أي منطقة منطقة محتلة تسري عليها احكام القانون الدولي التي تتناول الاحتلال العسكري (أو السيطرة الحربية) حسب تعبير القضاء الرسمي.
ترتكز هذه الأحكام في الأساس إلى ميثاق جنيف الرابع حول حماية المدنيين في فترة الحرب من العام 1949، الذي في أساسه هذه المهمة ملقاة على الاحتلال من أجل إعادة النظام الى ما كان عليه والاهتمام بالاحتياجات للمدنيين في المنطقة المحتلة (قالت إسرائيل حتى في العام 1967 بأنها بسبب مطالبتها بالسيادة في الضفة الغربية وغزة فان هذه المناطق غير محتلة وميثاق جنيف لا يسري عليها، لكنها تعهدت للمجتمع الدولي بأن تعمل فيها وفقا للتعليمات الإنسانية في الميثاق).
هل يوجد أي تناقض بين نية رئيس الحكومة الحفاظ على سيطرة إسرائيل عسكريا في قطاع غزة، أي مواصلة احتلال المنطقة في "اليوم التالي" وبين تطلع وزير الدفاع الى عدم اقامة حكم عسكري في المنطقة؟
كالعادة يقوم الجيش المحتل بانشاء حكم عسكري في المنطقة المحتلة من اجل التسهيل على تطبيق الواجبات القانونية الملقاة عليه. ولكن فعل ذلك ليس واجباً، شريطة أن ينفذ المحتل الواجبات حسب القانون الدولي بهذا الشكل أو ذاك. على سبيل المثال، في حرب لبنان الأولى في 1982 احتل الجيش الإسرائيلي مناطق واسعة في لبنان، وانسحب منها نهائيا فقط في العام 2000. في فترة الـ 18 سنة هذه لم ينشئ الجيش الإسرائيلي هناك حكما عسكريا في أراضي لبنان التي تم احتلالها. هذا الأمر مكنه بالأساس لأنه في كل تلك الفترة استمرت الحكومة في لبنان بتوفير احتياجات السكان في المنطقة المحتلة بدون إزعاج من قبل الجيش الإسرائيلي، وحتى بتشجيع منه.
لكن حكم غزة ليس مثل حكم لبنان في حينه. في غزة لا توجد الآن حكومة شرعية يمكنها الاستمرار بتوفير احتياجات السكان.
مثال آخر هو المناطق ب في الضفة الغربية، التي حسب اتفاق أوسلو يستمر الجيش الإسرائيلي في السيطرة الأمنية فيها، لكنه سحب الحكم العسكري ونقل للسلطة الفلسطينية المسؤولية عن الشؤون المدنية. لكن مرة أخرى ليس حكم غزة مثل حكم المناطق ب في الضفة بسبب معارضة نتنياهو إدخال السلطة الفلسطينية الى غزة (أنا غير مستعد لاستبدال "حماستان" بـ "فتحستان").
توجد أمام إسرائيل ثلاثة احتمالات. اذا كانت تريد إلقاء المسؤولية القانونية عن احتياجات سكان القطاع عن نفسها، بما في ذلك المسؤولية عن التعليم المنظم في المدارس وترميم المستشفيات وتوفير الغذاء والكهرباء والمياه، فانه يجب على إسرائيل استكمال الانسحاب الكامل من القطاع، ومن المحظور عليها السيطرة عسكريا على المنطقة، سواء بوساطة الحفاظ على السيطرة في محور فيلادلفيا وفي ممر نتساريم أو بطريقة أخرى. في هذه الحالة فان إسرائيل يمكنها القول لأن الاحتلال انتهى فانه لا يوجد أي واجب ملقى عليها لمعالجة شؤون السكان المحليين، شريطة أن لا تزعج جهات اخرى في القيام بذلك.
في المقابل، اذا اعتقدت إسرائيل أنه يجب عليها الاحتفاظ بالسيطرة العسكرية في القطاع فانه يجب عليها أن معالجة شؤون السكان المدنيين في المكان وفقا لميثاق جنيف. إسرائيل يمكنها فعل ذلك عن طريق إعادة إنشاء جهاز الحكم العسكري أو عن طريق العثور على بديل شرعي يكون مستعدا لتحمل المسؤولية عن إدارة شؤون السكان المدنيين تحت ظل المسؤولية العسكرية العليا لإسرائيل.
الواضح هو أن إسرائيل لا يمكنها إمساك العصا من الطرفين. أن تطالب بالاحتفاظ بالسيطرة العسكرية في المنطقة والتخلي عن المسؤولية القانونية التي تنبع من ذلك، أي معالجة السكان المدنيين. الحكومة لا يمكنها دفن رأسها في الرمل في هذا السياق، وإذا فعلت ذلك فان يوم الحساب سيأتي بسرعة، سواء في المحكمة العليا في إسرائيل أو في واشنطن أو في لاهاي.

عن "هآرتس"

 

 

 

Loading...