مقالات مختارة

«اختبار نهاريا»: نصر الله وقع في «الفخ» | آفي أشكينازي

 

 

 

اختبار نهاريا: في 18 تموز 2024، أصابت مسيّرة إيرانية، أطلقها الحوثيون من اليمن، مبنى سكنياً في تل أبيب، ما أدى إلى مقتل مواطن في الخمسين من عمره. بعد مرور أقل من 30 ساعة، أقلعت عشرات الطائرات الحربية، وقطعت 1800 كم، ودمرت منشآت في ميناء الحُديدة في اليمن، شريان الإمداد للحوثيين. ومنذ ذلك الحين يفكر الحوثيون عدة مرات قبل أن يتحركوا ضد إسرائيل.
أول من أمس، الساعة الثانية عشرة ظهراً، أصابت مسيّرة إيرانية، أطلقها "حزب الله"، مبنى متعدد الطبقات في نهاريا، التي تقع على بُعد 130 كم، شمال وسط تل أبيب.
السؤال الذي طُرح: هل ينطبق على نهاريا ما ينطبق على تل أبيب؟ وهل سيطلب المستوى السياسي من الجيش تسليح 100 طائرة حربية لمهاجمة مرفأ بيروت أو سيأمر بمهاجمة موقع إستراتيجي آخر في لبنان؟
الجواب سلبي، على ما يبدو. يفضل نتنياهو ضبط النفس إزاء الهجوم على نهاريا. وفرضية العمل لدى سكان الشمال أن هجمات الجيش ستكون هذه المرة مدروسة، ومضبوطة. ولن تتكرر حادثة الحُديدة في بيروت، أو في مدينة أُخرى من لبنان، ليس في الوقت الحالي.
هناك أمور كثيرة تشغل بال نتنياهو الآن: حفل الزفاف في مزرعة رونيت، الرحلة إلى الأمم المتحدة في نيويورك، تمرير الميزانية، محاولة تمرير الأعياد اليهودية المقبلة، من دون إشعال حرب دينية، حسبما يسعى لها عدد من أعضاء الائتلاف الحكومي. وآخر ما يريده الآن هو شنّ حرب شديدة ضد إيران وفرعها في لبنان.
وبعيداً عن السخرية، وبكل جدية، يمكن القول: إن نتنياهو في ورطة حقيقية. فهو في ورطة سياسية وعسكرية وجماهيرية، ومن الصعب، حتى على ساحر مثله، النجاة منها. فرصة نتنياهو الوحيدة هي الجبهة الشمالية، حيث يواجه زعيم "حزب الله"، حسن نصر الله، الوضع الإشكالي نفسه الذي يواجهه نتنياهو. نصر الله في مأزق مع نفسه، ومع رغبات إيران، كما يواجه أيضاً معارضة داخلية من اللبنانيين.
من حُسن حظ نتنياهو وجود اللواء أوري غوردن في القيادة الشمالية. فهو ليس غبياً، من جهة، يحمل سكيناً بين أسنانه، ومن جهة أُخرى، هو رجل منضبط يمكن كبح نياته الهجومية في أيّ وقت. هذا هو سبب نجاح الجيش الإسرائيلي طوال الأشهر الـ11 الأخيرة في السيطرة على شدة المناوشات بين إسرائيل وإيران و"حزب الله" وسورية والعراق، وإلحاق الأذى بالطرف الثاني ومنعه من التفكير في نيات هجومية جامحة.
الهجوم الذي وقع على سورية، ليل أول من أمس، والمنسوب إلى إسرائيل، هو أكثر أهمية. لقد كان ضربة موجعة للحرس الثوري الإيراني، ولسلاح "حزب الله"، ولبناء قوة موالية لإيران في سورية. وهو نموذج من عملية تشكل ضربة قوية من جهة، ومن جهة أُخرى، لا تمنح الطرف الثاني ذريعة للهجوم.
تلقّى نصر الله في الأيام الأخيرة ضربات موجعة جداً. لقد نفّذ سلاح الجو أكثر من 100 هجوم على لبنان، الأربعاء الماضي. ويضرب الجيش مُطلقي الصواريخ من "حزب الله" في لبنان بصورة منهجية. كما ألحق أضراراً كبيرة بمخازن سلاح الحزب. وضرب منظومة القيادة والتحكم فيه. من بين 600 قتيل للحزب، هناك نسبة غير قليلة من القادة من كل الرتب: رئيس هيئة أركان، وقادة كتائب وقادة ميدان، وعدد من الناشطين في المجال اللوجستي والاتصالات والمال والجانب التقني.
ترى إسرائيل تأثير إيران في "حزب الله"، وكيف تحوّل من جيش منظّم ومدرب إلى كيان يواجه صعوبة في الحفاظ على نظامه. أي أن الأوامر التي تأتي من نصر الله لا تصل بصورة منتظمة ودقيقة إلى الميدان. وتشير إسرائيل في هذا المجال إلى الهجوم على مجدل شمس الذي أدى إلى مقتل 12 طفلاً، والهجوم على منازل في كتسرين، والهجوم على نهاريا، أول من أمس.
وجّه نصر الله أوامره، في كل هذه الأحداث، إلى مهاجمة منشآت عسكرية: قواعد قيادة لواء حرمون، قاعدة للجيش الإسرائيلي في وسط الجولان، وأول من أمس، كان الهجوم موجّهاً، حسبما يدّعي نصر الله، إلى معسكر شرجا [الذي يشكل مركزاً لقيادة لواء غولاني ووحدة إيغوز].
يدرك نصر الله عمق الشرخ في حزبه، وأيضاً يدرك أنه في مأزق: كيف يمكن الخروج من هذا المأزق، من دون التعرض لأذى أكبر. وحالياً، يأمل نصر الله باجتياز "اختبار نهاريا" بسلام، أي أن يبقى نتنياهو متمسكاً بنظريته، وهي أن ما ينطبق على نهاريا وكريات شمونة وسديروت وناحل عوز، لا ينطبق على قيسارية وتل أبيب.

عن "معاريف"

 

 

 

Loading...