كلما اقتربنا من تاريخ 7 تشرين الأول، ذكرى اندلاع حرب «السيوف الحديدية»، يزداد شعورنا بسطوة «آلة نفث السم»، التي تحاول إلقاء اللوم على العالم بأسره، من أجل إبعاد أيّ لطخة من المسؤولية عن الحكومة ورئيسها، من كل مكان، وليس فقط من خلال التصريحات المعهودة الصادرة عن نتنياهو: «لم أكن أعلم، لم يبلّغني أحد، لم ينبّهني أحد إلى الأمر».
هذا ما سيعني، في نهاية المطاف، أن مصير كارثة 7 تشرين الأول قد يكون مشابهاً لمصير كارثة ميرون [حادثة التدافع خلال الحج إلى جبل الجرمق في سنة 2021، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 45 شخصاً]. مَن يتذكر هذه الكارثة؟ مَن يتحدث عنها؟
ليس من قبيل الصدفة أن تنشر الصحافة الأجنبية في هذه الأيام وثائق استخباراتية يُزعم أنها صادرة عن أرفع المستويات في حركة «حماس»، وهي تهدف، بوضوح، إلى تبرير مواقف نتنياهو وخطواته. ربما يكون الأمر مجرد مسألة وقت، قبل أن تنكشف هذه الفضيحة ومصادرها أمام الجمهور. أمّا بالنسبة إلى أولئك الذين يكافحون في هذه اللحظات من أجل تشكيل لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في أسباب أسوأ كارثة منذ قيام الدولة، ومَن يتحمل المسؤولية عنها، فيبدو أن هناك شكوكاً كبيرة تتعلق أساساً باحتمالات تشكيل لجنة تحقيق رسمية. لكن، ربما الأهم والأكثر إلحاحاً هنا هو الحاجة إلى تشكيل لجنة تحقيق للتدقيق في سلوك الحكومة الغريب منذ تاريخ 8 تشرين الأول، وحتى اليوم.
ما من شك في أن النتائج التي سيتم التوصل إليها، إذا شُكّل مثل هذه اللجنة، ستكون خطِرة ومؤلمة بالقدر نفسه. هذا هو جوهر عنوان هذه السطور التي تقرؤونها الآن. إن ما نعيشه اليوم، بالذات، هو ما تسميه هذه الحكومة ومؤيدوها «نصراً مطلقاً»، وإليكم بعض ملامح هذا النصر: لا يزال يحيى السنوار حيّاً، وكامناً في مكان ما، بعد نحو عام على الحرب، وهو يضع شروطاً على إسرائيل، كأننا في 8 تشرين الأول، بينما يحتفظ بـ101 رهينة، ويستمتع بمشاهدة إسرائيل وهي تتمزق بين مَن يناضلون من أجل إطلاق سراح الأسرى، عبر صفقة، وبين المستعدين للتضحية بالأسرى على مذبح «النصر المطلق»، وهو نصر غير واقعي، ولن يتحقق أبداً.
يبدو أن ما كان هو ما سيكون. فقطاع غزة سيسبب لنا الصداع دائماً، على مدار أعوام مقبلة. تلقينا، هذا الأسبوع، تأكيداً لذلك بوساطة صاروخين أُطلقا على عسقلان. أمّا أولئك الذين يعلنون في هذه الأيام، بصوت عالٍ، أن نهاية «حماس» اقتربت، فهُم أنفسهم الذين كانوا، قبل عام، يفضلون «حماس» قوية ومستقرة في وجه السلطة الفلسطينية، ويرونها أداة استراتيجية مهمة للسيطرة على الضفة الغربية، وتحقيق حلم «أرض إسرائيل الكاملة».
تحاول هذه الحكومة الفاشلة إيهام الناس بأننا قادرون على التحكم في قطاع غزة من خلال حُكم عسكري إسرائيلي، كما كانت عليه الحال في الماضي. لكن لن يمرّ وقت طويل إلى أن نشعر جيداً بقسوة مقاتلي حرب العصابات التي ستُشن ضد قواتنا في القطاع، والتي ستكلفنا دماءً وضحايا يومية مؤلمة، وستحوّل وهم النصر المطلق إلى جرح مؤلم ونازف.
أمّا الفرق بين شمال دولة «النصر المطلق» وجنوبها، بعد عام على الحرب، فهو أن سكان الشمال تم إجلاؤهم، تاركين وراءهم منازل مدمرة، وحقولاً محترقة، ومشاريع حياة متوقفة، ولم يُحدَّد موعد عودتهم، بينما سكان الجنوب تُركوا لمصيرهم تحت رحمة السماء، ولم يتركوا خلفهم سوى رماد وكارثة لن يمحوهما قط أيّ نصر.
وسط كل هذا، يتساءل الشعب القلِق الحزين: عن أيّ نصر مُطلق يتحدثون؟ هل هو النصر على «حماس»؟ ربما على «حزب الله» في الشمال؟ أم على «الإرهاب» المتصاعد في الضفة الغربية؟ أهو النصر على الحوثيين في اليمن؟ أم هو النصر النهائي على إيران؟ أيها السادة، إذا حققنا نصراً إضافياً واحداً من الانتصارات التي على هذه الشاكلة، فإننا سنضيع. لا أحد سوى هذه الحكومة الغارقة في الهذيان، قادر على الحديث عن نصر مطلق، بينما تغرقنا في واقع مرير، من دون تقديم حلول مناسبة على أيّ جبهة. هذه الحكومة بلا بوصلة، ولا ضمير، تقود الدولة نحو الكارثة، الخطوة تلو الخطوة. وعندما يقف بن غفير وسموتريتش إلى جانب رئيس الوزراء نتنياهو في معسكر «النصر المطلق»، واللذان يرفعان أعلام هذا النصر الوهمي، فعلينا القول على البلد السلام، فهذا البلد ذاهب إلى الهاوية، لا محالة.
وكما ذكرت في المقدمة، فإن ذكرى اندلاع هذه الحرب اللعينة تقترب، وحالتنا تزداد سوءاً وخطورةً، من يوم إلى آخر. فمن كان يعتقد أنه بعد عام من الحرب، ومع دخول جنود الاحتياط الجولة الثالثة من خدمتهم العسكرية، أننا لن نشهد نهاية لهذه الحرب، ولا بارقة أو أفق أمل؟ الأسوأ من ذلك، أن ما سيُكتب في السطور الأخيرة من صفحات التاريخ، التي ستلخّص هذه الفترة المرعبة، على الأرجح: «حدث كل هذا لأن عائلة نتنياهو لم توافق على التخلي عن السلطة، وكانت مستعدة للتضحية بالشعب والدولة من أجل البقاء في الحكم».
عن «يديعوت»