مقالات مختارة

البرلمان الانتقالي، والإعلان الدستوري المرتقبين | يوسف شرقاوي

 

بين الفينة والأخرى اعتدنا نحن الفلسطينيين التفرج على مشهد "سوريالي" قوامه خروج فرد، أو مجموعة من الأفراد، معروفين، أو مغمورين تنتابه أو تنتابهم، إما حالة من القلق على مستقبلهم السياسي، أو دخول معترك السياسة، بمبادرات ومشاريع حلول سياسية لا تحظى بإجماع وطني أو شعبي، وتتناقض مع ثوابت السياسة، والدستور، لا لشيء إلا لجذب الأضواء، واستقطاب اهتمام وسائل الإعلام، أو بإيحاء من مستوى أعلى منهم "الرئيس" مثلاً، غير آبهين بالمخاطر السياسية، والدستورية، والثمن الباهظ الذي قد يدفعه شعبنا جراء ذلك.

وآخر ما تفتقت عنه "عبقرية" هذه الفئة من محاولات لجذب الانتباه إلى الذات، هو خروج علينا ما يسمى "إعلان البرلمان الانتقالي، والإعلان الدستوري المرتقبين" صحيفة القدس/السبت/٧ أيلول ٢٠٢٤/ص9 وهذا الإعلان هو بالأساس، إيحاءً من "الرئيس" استنادا لاقتراح من أمين عام حزب الشعب بسام الصالحي، لبّى ما يدور بخلد الأول منذ سنوات خلت.

وهنا الوقت الحارق لا يسمح لنا بالعودة لمثالب أوسلو التي عمقت احتلال الضفة وللقدس، حيث أن هذا الاتفاق كتب على الرمل، ولا ينص على دولة وإنهاء الاحتلال، ووقف الاستيطان وحق العودة لأرض الأجداد، ولملاعب الطفولة، ولبيارات البرتقال.

إن التذاكي ووضع العربة أمام الحصان، قبل توصيف ما معنى حرية الشعب الفلسطيني، وحرية مكانه "أرضه"  يجعل الحديث عن مستقبله مضيعة للوقت الذي هو ملك الشعب، وإعادة إنتاج وإدامة نهج كان السبب الرئيس وراء ما آلت إليه قضيته الوطنية من تجلّط وتكلّس، وهذا بشهادة المتتبعين المحليين، والإقليميين، والدوليين.

إن قرار 2012 "دولة مراقبة" يضاف لغيره من القرارات الأممية الأدبية الغير ملزمة بدون تغيير موازين القوى محلياً أولاً، وهذا من صلب مسؤوليات "منظمة التحرير" المرجعية المفترضة للسلطة الوطنية، ولا يحتاج ذلك لفلسفة نمطية أو تقليدية أو غير ذلك من مصطلحات.

إن تعريف الدولة تحت الاحتلال، دولة أقرب للدولة المدنية، أو المجتمع الأعزل الذي يرزح تحت ربق الاحتلال، أي بدون أجهزة عسكرية، وأمنية، وأسلحة، اللهم إلا جهاز الشرطة المدنية العصرية والقوية والدفاع المدني، وبدون مراسم سلطة وهمية "بساط أحمر، ومواكب، وطائرة رئاسية" إلخ.

لو كان هنالك نية أو رغبة أو إرادة لإعلان دولة لحصل ذلك فور انتهاء "المدة الانتقالية" أو فور فشل محادثات كامب ديفيد، وعدم الالتزام بأقوال اسحق رابين القديمة "المواعيد غير مقدسة"

أما وقد كان ما كان، وقد جرى في الوادي مياه ضحلة وكثيرة، ومواصلة الاحتلال تعميق استيطانه في الضفة والقدس، وتهويد الشطر الأهم من مدينة الخليل، فكان يجب إنتاج انقلابا في الوعي الفلسطيني، والانخراط بورشة عمل رسمية ومجتمعية على كافة الصعد تضع الأمور في نصابها الصحيح، أي إعادة بناء المنظمة بطراز جديد تحرري عصري قوي ومتماسك، يقدم أنموذجاً محلياً، وإقليمياً، ودولياً، ولا يستقيم ذلك إلا بإلغاء حكم وتحكّم نهج الفرد الواحد، الذي يشدد قبضته على أركان الحكم "التشريع، والقضاء ، والإعلام، والعبث بالقانون الأساس المعدل لعام 2003، الدستور المؤقت للشعب، وإلغاء الانتخابات، لمنع تجديد الشرعيات في السلطة والمنظمة" والشروع فوراً في بناء مؤسسات عصرية "صحة، تعليم، قضاء، صيانة أمن وحرية المواطن" لا إعادة إنتاج نموذج بشع لنظام رسمي عربي فاشل، لشعب لايزال يرزح تحت نير احتلال عميق ومجاني، بل احتلال يصادر كل موارد وثروات الشعب.

ومن هنا، وبناءً على ما تقدم، من حل المؤسسة التشريعية، وتأميم القضاء، وتسخيف الإعلام، ومصادرة الحريات الفردية والجمعية للمواطنين، وتأجيل "إلغاء" انتخابات المجلس الوطني، والتشريعي، والانتخابات الرئاسية لأسباب واهية، أصبح المواطن ينظر بريبة محقّة، لكل المجالس الأقرب إلى "مجالس الأعيان" التي عفاها الزمن، والمجلس المركزي ليس بعيداً عن ذلك، سيما أنه يجري العمل حالياً على قدم وساق لتهميش المجلس الوطني، واستبداله بالمجلس المركزي "مجلس الأعيان" ينبثق عنه سلطة تشريعية عليا يقال أنها مؤقتة حتماً ستصبح "دائمة" حيث جربنا المؤقت سابقا، فلذلك وبعيداً عن الخوض في تفاصيل ما يسمى "البرلمان الانتقالي، والإعلان الدستوري المرتقبين" لن ينتج المجلس المركزي "مجلس الأعيان" ما هو أفضل من المراوحة في دائرة التجلُط والتخبّط الراهنة.

وأما لجهة توجه "الرئيس" لغزة بعد ما يقارب العام من حرب الإبادة، فالضرورة تقتضي قبل توجهه إلى هناك، بأن يخاطب التاريخ من فضائية فلسطين في رام الله، مخاطبة النظام الرسمي العربي، وخاصة النظام المصري بجديّة وبوضوح، وكذلك مخاطبة النظام الدولي بكلام قوي، مفاده: أن بمقدوركم وقف الإبادة والمقتلة ضد شعبنا في غزة والضفة، لكنكم تتعامون وتصمّون آذانكم عن ذلك، وهذا واجبنا وحقنا عندما نتألم ويخذلنا الشقيق قبل الصديق، والدول بمنظماتها وهيئاتها وكذلك منظمات الأمم المتحدة وما يسمى هيئات الشرعية الدولية، فدماء الشعب الفلسطيني أهم من علاقات السلطة مع النظام الرسمي العربي، والعالمي، ومن ثم إن أراد الذهاب إلى غزة، تكون زيارته أقوى وذات مغزى أقوى.

 

 

Loading...