علينا جميعاً وفي مقدَّمنا الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أن نمتلك الشجاعة والجسارة للقول إنّ العدوّ الإسرائيلي هزمنا تقنياً ويتفوّق علينا في هذا العالم الافتراضي الذي استعملناه لإنشاء الذباب الإلكتروني كي يشتم بعضنا بعضاً وننتهك أعراض خصومنا، فيما استعمله نتنياهو وقومه لتحديث ورفع جهوزيّتهم العسكرية الأمنيّة.
تمكّن العدوّ الإسرائيلي بمساعدة الكون برمّته أن يقطع طرق تواصلنا وفقاً لمعطيات العصر. فما عاد الهاتف الثابت آمناً، ومثله الهاتف الخلوي، وتحوّلت أجهزة الحاسوب إلى جواسيس متنقّلة تستوطن مكاتبنا ومنازلنا ومقاهينا وجلسات أبناءنا. لم تعد كاميرات المراقبة تحمينا من الأشرار وتسترنا، بل تهتك خصوصيّتنا ويستعملها العدوّ لمعرفة كلّ شيء عنّا، سواء يوميّاتنا أو تحرّكاتنا أو مأكلنا أو ملبسنا أو مشروبنا. يوم الثلاثاء كان موعد اغتيال “البيجر” ملجأ الحزب الأخير. هذا الجهاز الغبيّ كما وصفه خبراء الاتصالات، استكثره العدوّ الإسرائيلي علينا، فحوّله إلى عبوة تنفجر بحامله. أعادنا العدوّ الإسرائيلي، بكلّ شفافية ودون أن نختبئ خلف إصبعنا، إلى العصر الحجري بعالم الاتّصالات، ورسائلنا وتواصلنا بعد اليوم ستحمل في مقدّمتها “من فلان الفلانيّ إلى علّان. نُقرئك السلام. أمّا بعد..”. ثمّ نعمد فوراً بعد القراءة إلى حرق الرسالة كي لا تقع بيد الأعداء.
كلّ ما سبق، يا سادة، حقيقة لا يمكن إنكارها، وارتكاب فعل الإنكار لا ينفع “الشُطّار”، إن أردنا مواصلة المواجهة.
دعوة لتفكير جماعيّ
دعونا نحاول مقاربة ما حصل والتفكير جماعياً في كيفية التعامل مع الوقائع والأحداث. لنقارب المسألة من زاوية ما يقوله السيّد ويكرّره على مسامعنا منذ عشرات السنوات من أنّ معادلة هذا البلد ثلاثية من “جيش وشعب ومقاومة”، بعيداً عن اختلافنا حول توصيف الثلاثية بين كونها ذهبية أو خشبية. من وجهة نظره بهذه الثلاثية تتحقّق الانتصارات وتُحكم البلاد. لنُفصّل كلّ عنصر من المعادلة الثلاثية، ولنحصي ما لحق بنا من أضرار.
الجيش اللبناني يبقى الملاذ والحلّ. الكلّ يقرّ في الداخل والخارج بأنّ تنفيذ القرار 1701 لا يستوي دون وجود فعّال وواضح على الحدود لكتائب وألوية الجيش. أمّا الشعب فهو كينونة وحدة البلاد ومرآة استقرار الأمن والسياسة والاقتصاد. تبقى المقاومة، على الرغم من كلّ اعتراضاتنا على التسمية والدور والأداء، عبارة عن عديد وسلاح وجهوزيّة للقتال. هنا يطرح السؤال: ماذا بقي من كلّ تلك المقوّمات؟!
لا نسعى إلى جواب يكشف للعدوّ أسراراً عسكرية يستفيد منها في القتال. لا حاجة لعدونا الإسرائيلي إلى ذلك، فقد وصل إلى من يريد في سريره ومتجره وداخل السوق والمقهى وانتهاء إلى داخل الأنفاق. أمّا عن الصواريخ، الذكيّ منها والغبيّ، المبصر والأعمى، فأثبتت التجربة أنّها ما ساندت صديقاً ولا آذت عدوّاً، ولا منعت عنّا حرّ الصيف ولا برد الشتاء. فمسدّس مواطن أردني فيه بضع رصاصات قتل من العدوّ ما تجاوز بأهمّيته ما ألحقته الصواريخ بحصون وعواميد الإرسال عند الأعداء.
كي لا ننتحر مثل السّاموراي
لم يبقَ لنا إلا الجيش والشعب. هل نهدرهما على طريقة الساموراي، الذي ينتحر غارزاً سيفه بصدره إن تعرّض للهزيمة والانكسار، أم نسعى جميعاً متجاوزين خلافاتنا، للمحافظة عليهما والانطلاق عبرهما للاستعداد والعمل والبناء والإصلاح؟ الحرب يوم لنا ويوم لهم. الحرب كما يُقال في الكتب هي سجال لا هزيمة نهائية فيها ولا فوز حاسماً.
علينا جميعاً وفي مقدَّمنا السيّد أن نمتلك شجاعة الرجال، أن نعود خطوات إلى الوراء، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لمداواة عيون مئات الرجال، أن نعود إلى تمتين ساحتنا الداخلية بالعمل وليس بالكلام، أن نذهب لانتخاب رئيس للجمهورية يمثّل الوطن لا الأحزاب ولا التيارات ولا التجمّعات، أن نضع قانوناً جديداً للانتخابات يعيد صياغة الحياة السياسية للوطن وليس صياغة مصالح بعض الأفراد. والأهمّ الأهمّ أن نعود للقرار 1701. لقد ساندنا غزة وأهلها وقدّمنا على مذبحها عيون شبابنا وسواعدهم قرباناً وعند الله لا تضيع التضحيات. وهذا اختصار الدعوة إلى كلمة سواء بين اللبنانيين، أو لدعم الحزب.
.. بداية احتواء الهزيمة تكون بالاعتراف بها والانطلاق من هذا الاعتراف لإصلاح الأخطاء المرتكبة وسدّ الثغرات المكتشفة ووضع رؤية جديدة للنهوض. وكما يقول الحديث النبوي الشريف: “إنّما الأعمال بالنيّات…”.
عن موقع أساس