مساء 12 تموز 2006، وفي طريقه إلى الجلسة التي سيناقش فيها الخطوات التي ستتخذها إسرائيل، بعد عملية الخطف في مزارع شبعا، ويوم القتال الذي تلاها، اتصل شمعون بيريس بإيهود باراك، المتخصص في الخروج من لجان التحقيق بسلام، وسأله: ما الذي يجب القيام به؟ كان لدى باراك إجابة جاهزة: بعد أن ينتهي رئيس هيئة الأركان، دان حالوتس، من عرض الخطة، اسأله عن ردّ "حزب الله".
سيعرض الجيش بعدها سيناريوهَين، أو ثلاثة ممكنة. وبعدها اسأل مرة أُخرى عن الخطوة المقبلة التي سيقوم بها الجيش، وكيف يمكن لهذه الخطوات تحقيق أهداف الحملة.
فعل بيريس ما قاله باراك، وكان لدى حالوتس إجابة جاهزة أيضاً: لا أستطيع طرح سيناريو 3 - 4 خطوات إلى الأمام.
وتابع: "مَن يعرف، عليه عرض السيناريو الخاص به على الطاولة، وأنا جاهز للنقاش".
قال أحد المشاركين في هذه الجلسة في أحد الأيام: لم نصادق يوماً على الخروج إلى حرب. صادقنا على عملية، ثم على عملية أُخرى، وبعدها عملية ثالثة، لمدة 33 يوماً.
هذه الاقتباسات من كتاب كتبته مع يوآف ليمور بشأن حرب لبنان الثانية. لا أملك تفاصيل مشابهة عن جلسات "الكابينت" في الأيام الماضية، لكن من المثير للاهتمام معرفة إذا ما كان هناك مَن قام بما قام به بيريس، والمثير للاهتمام أيضاً الإجابة.
حتى لو شاركنا في اللعبة، ولم نتطرق إلى هوية مَن يقف خلف العملية الرهيبة التي أدت إلى إصابة الآلاف من رجال "حزب الله" في الوقت نفسه، هناك شيء واحد واضح: خلال الأسابيع الأخيرة سحبت إسرائيل من ترسانتها أدوات تم تجهيزها بدقة لحرب كبيرة مع لبنان. لا يوجد لدى العدو طريقة لتفسير هذا إلا بأنه حرب كبيرة، وأن يتصرف استناداً إلى هذا الواقع.
ومَن يبادر إلى حرب كهذه سيدفع ثمناً باهظاً على الجبهة، وأيضاً في الجبهة الداخلية، وعليه أن يسأل: ماذا بعد، وأن يمنح نفسه، ويمنحنا إجابة جيدة.
ويزداد الأمر سوءاً عندما يتعلق الأمر بتصعيد كبير في لبنان، وهو ما امتنعت إسرائيل عن القيام به حتى الآن، لأن الإجابة عن السؤال: هل سيكون لهذا التصعيد نتيجة إيجابية، هي كلا، وهي مرتبطة باستمرار الحرب في غزة. وهي تقترب كل يوم من وضع ستصبح فيه إسرائيل هي المسيطرة على قطاع غزة فعلياً، وفي نهايته، ننجر إلى سيناريو حلم بتسلئيل سموتريتش، وهو سيناريو الرعب نفسه، بالنسبة إلى أغلبية مواطني إسرائيل، وبحسبه، سنكون مسؤولين عن مصير مليونَي غزي، والجيش غارق هناك حتى الرقبة (قدّر وزير الدفاع، يوآف غالانت، أن حجم القوات التي سيحتاج إليها الجيش لفرض حكم عسكري على القطاع هو 4 ألوية)، بالإضافة إلى الضرر الدولي والاقتصادي الذي لا يمكن التكهن به، ولن يكون هناك نصر.
الجمهور أيضاً يفهم ذلك: في استطلاع رأي نشره معهد أبحاث الأمن القومي، الثلاثاء الماضي، كان هناك تعادُل بين مَن يعتقدون أن أهداف الحرب في غزة سيتم تحقيقها جزئياً، أو لن تتحقق قط، وبين الذين يعتقدون أنه سيتم تحقيقها كاملة، أو إلى حد بعيد.
وماذا مع سؤال "ماذا بعد؟" في لبنان؟ ماذا سيحدث بعد أن نوجّه ضربة كبيرة إلى "حزب الله" ولبنان، ونتلقى ضربة غير مسبوقة في الجبهة الداخلية، وهل سنناور حتى الليطاني، براً، أم لا ؟ ما هو الوضع القائم الذي سيسمح بعودة سكان الشمال إلى منازلهم، وهو الهدف الذي أُضيفَ، وبحق، إلى أهداف الحرب الإسرائيلية ؟ فمن أجل التوصل إلى حسم عسكري ووقف إطلاق النار بالقوة، يجب احتلال أغلبية الأراضي اللبنانية، وإقامة حزام أمني، ما يدعمه، علناً على الأقل، زعماء الأحزاب في إسرائيل، في معظمهم، وبينهم أفيغدور ليبرمان وجدعون ساعر ويائير غولان. وإذا كنا نحتاج إلى 4 ألوية في غزة، فسنحتاج إلى أكثر منها في لبنان. هل لدينا جيش للقيام بهذا ؟ هل لدينا اقتصاد لهذا ؟ وهل لدينا رصيد دولي لهذا؟ أيضاً قال حالوتس: مَن لديه إجابات، فليتفضل يضعها على الطاولة، وأنا جاهز للنقاش.
يجب القول بوضوح ما هو البديل، وهناك بديل واحد: الاستعداد لإعلان وقف القتال في صورته الحالية في غزة، والتجهيز للدفاع في خطوط جديدة، لنأمل أن تقود إلى صفقة تحرير رهائن، وباحتمالات عالية، ستقود إلى وقف القتال في الشمال وترتيبات يدفع إليها الأميركيون، مع وجود قوات دولية قوية جداً في الجنوب اللبناني.
وبالمناسبة، إذا حدث هذا، فستحقق إسرائيل انتصاراً مهماً في النقاط في حرب الاستنزاف ضد "حزب الله"، حتى لو لم يكن بالضربة القاضية.
يمكن أن يخرج يحيى السنوار من مخبئه ويعلن النصر. سيكون هذا المشهد مؤلماً. لكن اتخاذ خطوة دبلوماسية استكمالية يدفع الرئيس بايدن في اتجاهها، يمكن أن تؤدي إلى إيجاد بديل لـ "حماس" في غزة، وتطبيع مع السعودية، وتقوية العلاقات مع مصر والأردن، وخلق مركز ثقل مقابل قوي جداً لـ"محور المقاومة"، بقيادة إيران، وهي العدو الحقيقي.
إذا حدث هذا، فسيكون إنجازاً استراتيجياً. طالبت في مقال نشرته هنا، قبل نصف عام تقريباً، بـ"وقف الحرب الصغيرة لربح الحرب الكبيرة". هذا خيار من خيارات غير بسيطة، لكن لا توجد خيارات أُخرى.
هذا كله يترافق مع الطعم المر المرافق لكل خطوات بنيامين نتنياهو، وبات الهدف الحقيقي من الحرب، بالنسبة إليه، تحصين حُكمه وضمان استمرار حكومته على قاب قوسين، أو أدنى من التحقق، مع انضمام جدعون ساعر قريباً إليها.
عندما يتم اتخاذ هذه القرارات في ظل معركة ظلال سياسية يديرها رئيس الحكومة، فإن كل خطوة مشتبه فيها، وكل دافع مشكوك في أمره؛ وعندما يتطرق هذا إلى قرارات يمكن أن تقودنا إلى حرب، سيكون الضرر منها كبيراً جداً، وإنجازاتها مشكوكاً فيها، أضعاف الأضعاف.
لكن هذا لا يتعلق فقط بنتنياهو. الاندفاع إلى استغلال فرصة عملياتية دون طرح السؤال "ماذا بعد؟" هو بمثابة ميزة إسرائيلية واضحة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الإيمان بأن العملية ليست أداة للوصول إلى هدف سياسي، بل هي هدف بحد ذاته.
يوم 9 آب 2006، وبعد 4 أسابيع من الحرب، اجتمع "كابينت" أولمرت لنقاش العملية البرية الكبيرة التي طرحها الجيش على الطاولة. اعتقد الوزراء، في أغلبيتهم، أنه يوجد لديهم بديل أفضل، وكانوا يعلمون أن هناك جلسة أيضاً في الأمم المتحدة، وفعلاً، أدت إلى قرار وقف إطلاق النار، بعد ذلك بأيام.
وعندما سُئل حالوتس عن إنجازات الحملة، كان جوابه طويلاً وملتفاً، واختصر، قائلاً إن "الجيش يستطيع العمل على الأرض والانتصار. سيكون لهذا ثمن، لكن الأثمان يُنظر إليها نظرة استراتيجية، مع كامل الأسف". وسألته الوزيرة تسيبي ليفني: ما هو النصر؟ فأجاب رئيس هيئة الأركان: التوصل إلى مفاوضات في وضع أفضل؟
صوّت 9 وزراء مع المصادقة على الخطة العسكرية، وامتنع 3. هذه خاصية إسرائيلية. أولاً، الجهد، وهو اسم آخر للحرب مع جميع التضحيات التي تنطوي عليها، وبعد ذلك، نسأل ماذا حققنا أصلاً، وماذا كان يمكن أن نحقق؟
إن المطروح اليوم على الطاولة أكبر بأضعاف الأضعاف مما كان مطروحاً في آب 2006. فالانتصار الذي سيتيح للسكان العودة إلى منازلهم، وتحسين وضع إسرائيل الاستراتيجي، وحتى إعادة الرهائن، لن يتحقق بوساطة ما سمّاه حالوتس "الجهد". وهذا كله يجب أن نتذكره في الوقت الذي نتفاخر، بحق، بأكبر عملية إحباط في التاريخ.
عن N12