الأربعة أيام الأخيرة من الأسبوع الماضي كانت ثقيلةً جداً على حزب الله وغير مسبوقة وهو ما أقرّ به الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في خطابه الخميس الماضي، فمن تفجيرات "البيجر" وأجهزة اللاسلكي وبعض الأجهزة الخلوية وصولاً إلى العملية الأخطر التي قامت بها إسرائيل في حارة حريك في الضاحية الجنوبية حيث اغتالت على ما يبدو كامل قيادة "قوات الرضوان المكونة من عشرين شخصاً" في إحدى البنايات في مكان سري "طابقين تحت الأرض".
هذه الأحداث المتلاحقة التي أشرت لها أكّدت بما لا يدع مجالاً للشك أن إسرائيل تتمتع بمنظومة تجسس ومتابعة للحزب تجمع بين الجاسوسية المكونة من مجاميع من الأفراد المخترقين لدوائر صنع القرار في الحزب والتجسس التقني والإلكتروني وهو أمر سيعمل حتماً على تعطيل ردود الفعل الثأرية للحزب على المدى المنظور دون أن يمس هذا التعطيل الصواريخ المسيرة والصواريخ بصورة عامة (هجمات ليلة السبت على الأحد دليل واضح على أن صواريخ الحزب مازالت فاعلة بقوة).
تأتي هذه العمليات الإسرائيلية المتعددة الأشكال في إطار محاولة تل أبيب تحقيق ما يلي:
أولاً: على المستوى السياسي دفع الحزب لفك ارتباط جبهة لبنان بجبهة غزة من أجل عودة المستوطنين "60 ألف مستوطن" هُجروا من منازلهم منذ الثامن من أكتوبر 2023، وإرغام الحزب على الانسحاب إلى شمالي نهر الليطاني وفقاً للقرار 1701 الصادر عام 2006 (نصر الله تمسك بمبدأ الإسناد وتحدى نتنياهو إن كان قادراً على إرغام الحزب على فك الارتباط).
ثانياً: أما الأهداف العسكرية المبتغاة من هذه الأعمال المشار إليها فتأتي على النحو التالي:
ا: إعادة قوة الردع الإسرائيلية إلى سابق عهدها قبل الثامن من أكتوبر وقبل دخول حزب الله على خط الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والعمل على إنتاج قواعد اشتباك جديدة بين تل أبيب والحزب بحيث تكون هذه الأخيرة هي صاحبة اليد الطولى أو الضاربة وفقاً لتلك القواعد.
ب: من بين ما يستوجب القيام به في حال فشل تل أبيب في فرض "الحل السياسي" العمل وبقوة على تنفيذ مهام عسكرية تقوم بها قوات النخبة من الكوماندوز عبر إنزالات محددة خلف قوات الرضوان مخطط لها للقيام بأعمال عسكرية وأمنية واستخبارية من بينها الاغتيال والخطف.
ج: وفي الإطار ذاته من المرجح أن تلجأ تل أبيب في مرحلة من مراحل العدوان على لبنان وحزب الله إلى الاستعانة بالطيران "لإقامة المنطقة العازلة بين شمالي الليطاني وحدود شمالي فلسطين عبر غارات شبة مستمرة ومكثفة تخلق ما يسمى بالأرض المحروقة والتي تُصعّب أي شكل من أشكال الحياة المدنية في تلك المنطقة على غرار ما جرى في الكثير من أحياء ومناطق قطاع غزة وتحصينها بتواجد قوات إسرائيلية فيها.
والسؤال الذي يطرح نفسه عطفاً على ما سبق... ماذا سيفعل حزب الله إزاء هذا المخطط؟، هل سيتسلم للمعادلة "الردعية" التي خطط لها يوآف غالانت بدقة؟ أم سيعمل على كسرها بأي طريقة من الطرق لكي لا يظهر بأنه هزم أو استسلم؟
حسب رأي الخبير العسكري الإسرائيلي “عمير ربابورت" في مقال له في صحيفة "مكور ريشون" اليمينية الناطقة باسم الصهيونية الدينية قبل عدة أيام أن "عهد الستاتيكو" انتهى أي المعادلة السابقة والمستقرة بين الحزب وإسرائيل منذ سنوات طويلة يجب أن تتغير وأن على إسرائيل حسم هذا الأمر بأي حال من الأحوال وإنهاء الخطر الدائم والمستمر لحزب الله.
أعتقد أن تحقيق مثل هذا الهدف الذي طالب به “عمير ربابورت" هو أمر معقد وصعب للغاية وأن حزب الله رغم الضربات المؤلمة والقاسية التي تلقاها فلن يستسلم بهذه السهولة قبل أن ينتقم أولاً ويعيد معادلة الردع إلى سابق عهدها على الأقل وإلا سيكون قد قرر الانتحار.
• ملاحظة جانبية: بسبب ما قامت به تل أبيب خلال الأيام الأخيرة من الأسبوع الماضي ارتفعت بقوة أسهم يوآف غالانت وهي نتيجة مزعجة جداً لنتنياهو ولسارة نتنياهو اللذان يريدان إخراج غالانت من الحكومة وتعيين جدعون ساعر والذي يبدو أنه اعتذر عن قبول المنصب.