اغتيال كبار قادة "حزب الله" إبراهيم عقيل وقيادة وحدة النخبة "الرضوان" في بيروت، توقع ضربة قاسية ثالثة على التنظيم خلال بضعة أيام. يبدو أن اسرائيل تزيد الضغط على "حزب الله" في محاولة للفصل بين ما يحدث في الساحة اللبنانية وبين مواصلة الحرب ضد "حماس" في قطاع غزة. هي تريد أن تفرض على رئيس الحزب، حسن نصر الله، انسحاب رجاله إلى ما وراء نهر الليطاني مع التهديد بمواصلة تدمير قواته العسكرية إذا لم يتوقف عن إطلاق النار، وحسن نصر الله دفع إلى الزاوية بصورة يمكن أن تؤدي إلى حرب شاملة. كثيرون في القيادة العليا في اسرائيل لا يعارضون بالضرورة هذا السيناريو بعد سنة إحباط وبدون حسم في الشمال.
بالنسبة لـ"حزب الله" فإن الأسبوع الأخير الذي شاهده يساوي في قيمته المفاجأة والفشل العسكري الذي تكبدته اسرائيل في 7 أكتوبر في الهجوم المفاجئ لـ"حماس". وقتل المدنيين في الهجومين غير قابل للمقارنة. اسرائيل، بقدر مسؤوليتها عن هذه العملية، حرصت على توجيه هجماتها نحو نشطاء "حزب الله"، لذلك فإن عدد القتلى المدنيين في لبنان كان قليلا جدا إذا أخذنا في الحسبان حجم الهجمات. هذا في الوقت الذي عملت فيه "حماس" بشكل متعمد على قتل جماعي للمدنيين. ولكن "حزب الله" نفسه تبين أنه مخترق تماما للاستخبارات الإسرائيلية ومعرض للضرب المنهجي خلافا لصورته في نظر أعضائه.
غداة هجوم البيجرات المتفجرة جاء هجوم أجهزة الاتصال، وبعد يومين جاء اغتيال عقيل و15 من رجاله، قادة رئيسيين في قوة الرضوان، من بينهم خمسة من قادة المناطق. هذه ضربة شديدة للثقة على كل المستويات: ثقة الطائفة الشيعية في لبنان بـ"حزب الله" باعتباره يحافظ على مصالحها بقوة الذراع، وثقة نشطاء التنظيم بقيادتهم التي بالفعل وفرت لهم الأجهزة التي قتلتهم وجرحتهم، وثقة حسن نصر الله نفسه بمنظومات اتصال التنظيم.
"حزب الله" اضطر إلى أن يغير كل يوم طريقة الاتصال بين رجاله بعد أن تبين بأن الشبكات اخترقت من قبل الاستخبارات الإسرائيلية. هو لا يستطيع أن يكون على ثقة بأن تفعيل منظوماته الاستراتيجية ضد اسرائيل، إذا صعد القتال، لن تعرضه لعمليات تخريب أخرى. عقيل، الذي بعد اغتيال قائد وحدة الرضوان وسام الطويل في كانون الثاني تحمل المسؤولية عن الوحدة (إلى جانب منصبه كرئيس قسم العمليات في الحزب)، وعقد اجتماع لقيادة الرضوان في المكان الذي اعتقد بأنه آمن، في ملجأ تحت مبنى متعدد الطوابق في الضاحية. مع ذلك، وجد هناك موته، 24 سنة بعد أن تملص بالكاد من محاولات اغتيال اسرائيلية سابقة.
اغتيال عقيل يبقي نصر الله تقريبا وحده في القيادة العسكرية القديمة للحزب. عماد مغنية تمت تصفيته حسب التقارير على يد اسرائيل في دمشق في 2008، وتصفية من جاء بعده، مصطفى بدر الدين. رئيس الأركان الحالي لـ"حزب الله"، فؤاد شكر، وعقيل وثلاثة من القادة الأربعة في الوحدات التنفيذية الكبيرة في الحزب قتلوا في هجمات اسرائيلية في الحرب الحالية. من المجموعة العليا بقي فقط علي كركي، قائد الجبهة الجنوبية، وطلال حمية رئيس جهاز العمليات الخارجية. جزء من المخضرمين ساروا مع حسن نصر الله مدة أربعين سنة بمجموعة مقلصة تبلورت عند إنشاء المنظمة. بعضهم شغلوا مناصبهم الأخيرة سنوات كثيرة. إضافة إلى المشكلات الأخرى فإنه الآن يجب على رئيس الحزب التقرير هل يذهب إلى حرب شاملة، حيث إلى جانبه ستكون قيادة عديمة التجربة.
الهجمات المتزايدة أدت بوضوح إلى ضغط كبير في قيادة "حزب الله" وأخطاء في السلوك اليومي، واسرائيل تستغل هذه الفوضى من اجل إيقاع ضربات أخرى. إلى جانب الأحداث البارزة – الصحافة البريطانية مثلا خصصت يومين من العناوين الرئيسة لهجمات الأجهزة المتفجرة – هناك جهود متواصلة للمس بقواعد الإطلاق ومنظومة الصواريخ، بهدف المس بموارد "حزب الله" الهجومية قبل البدء في الحرب. مع ذلك، هناك شك في أن يستطيع حسن نصر الله أن يؤجل لفترة طويلة رده أو الاكتفاء بعمليات مقلصة يتم تسويقها على أنها إنجاز كاذب (كما فعل في قضية إطلاق المسيرات نحو غاليلوت في الشهر الماضي).
أسلوب المعادلات للزعيم الشيعي لفظ أنفاسه تماما. من المرجح أنه سيرى أنه ملزم بالرد بقوة على أهداف في مركز البلاد ومنطقة حيفا، ولن يكتفي طوال الوقت بإطلاق النار نحو الجليل فقط. مع ذلك، خط احمر لم يتم تجاوزه بعد هو إطلاق يهدف إلى قتل جماعي للمدنيين. حسن نصر الله يعرف أن معنى ذلك سيكون كما يبدو حربا شاملة، من هنا فإنه إذا فعل ذلك فهو سيصل إلى هذه النتيجة بصورة متعمدة تماما. هو سيضطر أيضا إلى أن يأخذ في الحسبان احتمالية أنه في حالة إطلاق نيران تتجاوز حدود القطاع السابقة للمناوشات فإن اسرائيل سترد من الجو بهجوم شديد بشكل خاص. مساء أمس، بدأ هجوم كثيف لسلاح الجو تجاه مناطق إطلاق في لبنان. قائد سلاح الجو، تومر بار، قال، أمس، إن سلاح الجو "يواصل الوقوف في أقصى حالات الاستعداد التي يمكن أن نضع السلاح فيها".
المبادرة إلى اغتيال عقيل جاءت من الجيش الإسرائيلي بعد تشخيص فرصة عملياتية نادرة. عمليا، خلافا لما تحاول حاشية رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تسويقه فإن التوجيه الذي أملاه "الكابنت" على الجيش قبل بضعة أيام لم يتحدث عن تصعيد آخر، بل عن عمليات هجومية محدودة، بانتظار فهم ماذا سيكون تأثير هذه الخطوات على حسن نصر الله. في هذه المرة، الجيش هو الذي قاد خط الهجوم، لكن فعليا هناك في الفترة الأخيرة خلاف بين الرتب والتشكيلات حول مسألة إلى أي قدر يمكن استغلال وضع الضعف الذي وصل إليه "حزب الله"، وهل من اجل زيادة المس بقدراته الهجومية، التي يمكن لإسرائيل أن تتضرر منها في المستقبل، يمكن المخاطرة أيضا بحرب إقليمية؟.
المواقف مختلفة أيضا في هيئة الأركان، حيث إن قائد سلاح الجو بار وقائد قيادة المنطقة الشمالية اوري غوردن يسعيان إلى خطوات حاسمة اكثر. ولعبة البوكر تجري ليس فقط مع "حزب الله"، بل في داخل المنظومات فيما بينها. هنا علاقات القوى تميل بوضوح لصالح نتنياهو، الشخص الوحيد في القيادة الذي لم يظهر أي ندم حول مسؤوليته عن إخفاقات 7 أكتوبر. نتنياهو قلص حرية عمل وزير الدفاع يوآف غالانت عندما سرب ضده وكأنه يضع عقبات أمام القيام بخطوات هجومية في لبنان. في حين أن قيادة الجيش، بخلاف تام لنتنياهو، ما زالت ملاحقة في الشعور بالذنب حول المذبحة في غلاف غزة، وهو الشعور الذي سيزداد كلما اقتربت الذكرى السنوية الأولى للكارثة. يمارس ضدهم هجوم مسموم، موجه من قبل نتنياهو وحاشيته، لكنه يحصل على الدعم أيضا من عائلات المخطوفين والقتلى التي تطالب باستقالة الضباط الكبار.
في هذه الظروف المطلوب هو بالأساس جهود أميركية جديدة لعقد صفقة، في الشمال وفي الجنوب، في نقطة فيها القدرة على المساومة لـ"حزب الله" تضررت إزاء إخفاقاته على الأرض. الإدارة الأميركية باركت تصفية عقيل، القاتل الإرهابي المسؤول عن قتل مئات الأميركيين والإسرائيليين، حيث وضعت الولايات المتحدة جائزة بمبلغ 7 ملايين دولار لرأسه. ولكن واشنطن التي أظهرت قدرة وساطة متدنية جدا طوال الحرب غاضبة مما يبدو من هناك كمحاولة لإسرائيل لتصعيد المواجهة مع "حزب الله"، وربما توريط الإدارة الأميركية في حرب إقليمية عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية.
فشل أميركي آخر يعني ضربة قاضية لصفقة المخطوفين التي بدون ذلك المفاوضات حولها جمدت تماما إزاء رفض نتنياهو ورئيس "حماس" يحيى السنوار. من خطابات نتنياهو الأخيرة ومن تصريحاته في محادثات مع كبار قادة الجيش من الواضح أنه لا توجد له أي مصلحة بالدفع قدما بالصفقة، في الوقت الذي فيه شركاؤه في اليمين المتطرف يعارضونها. مصيره الشخصي اكثر أهمية من مصير المخطوفين. وقد قرر الرهان على كل الصندوق أو على معظمه على الأقل، وبدلا من التركيز على الصفقة مع "حماس" هو يحاول القيام بعملية طموحة اكثر، التي ستضر بـ"حزب الله" وربما ستؤثر بشكل غير مباشر على "حماس".
لعبة البوكر الدموية
في أيار 1982، قبل ثلاثة أسابيع على اندلاع حرب لبنان الأولى، نشر يوئيل ماركوس مقالا في "هآرتس" بعنوان "لعبة البوكر الدموية". وقد حذر ماركوس، استنادا إلى الاستعدادات في الجيش الإسرائيلي قبل الحرب ضد "م.ت.ف"، بأن حكومة بيغن – شارون "تنوي الخروج عن الوعي السياسي". وقال، إنه في ظل غياب التهديد الوجودي فإنه لا يوجد مبرر لشن حرب ضد لبنان.
الظروف في هذه المرة مختلفة. فإسرائيل تورطت بدرجة كبيرة في أعقاب هجوم "حماس" الإرهابي. في الحقيقة هي أنزلت عليها ضربة قاسية في القطاع، لكنها لم تنجح في هزمتها. هي تجد صعوبة في إيجاد مخرج سياسي من الوضع بسبب الرفض الحازم للحكومة لأي تسوية تشمل مشاركة السلطة الفلسطينية. في الشمال، تقريبا خلال سنة، إزعاج "حزب الله" المتكرر، الذي بدأ بدون أي استفزاز من قبل اسرائيل، أبعد 60 ألف مواطن في الجليل عن بيوتهم وهنا لا يلوح أي حل في الأفق. خلافا للوضع في 1982 يصعب الحديث هنا عن حرب مارقة. ولكن الأمر البارز هو عدم ثقة الجمهور، المبررة، باعتبارات رئيس الحكومة. عندما تكون متورطا في ثلاث مخالفات جنائية واكثر من نصف الجمهور لا يصدق أي كلمة تقولها فإنه يصعب عليك الإقناع بأن القرارات المصيرية يتم اتخاذها بشكل نظيف.
عن "هآرتس"