في ظل تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير الذي أكّد على إنهاء الاحتلال ارتباطاً بجدول زمني استنادًا إلى فتوى محكمة العدل الدولية، يقف العالم اليوم في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة منتظراً منا نحن أصحاب الحق والقضية رؤيةً واضحةً تتماشى مع هذا التوجه الأممي في خطابنا الفلسطيني المنتظر، وتنسجم مع مواقف الشعوب المتضامنة معنا وخطاب لا يقل في مضمونه عن روح تضامن الشعوب حول العالم ومطالبها المعلنة مع كفاح شعبنا، حتى لا نكرر أنفسنا ونعيد خطابنا السياسي المعتاد، فإن العالم يتحرك وهو بانتظار خطاب يحمل رؤية متميزة في ظل المتغيرات الجارية بتسارع.
دولة فلسطينية تحت الاحتلال
إن إعلان فلسطين دولة تحت الاحتلال يمثل خطوة استراتيجية ضرورية نحو المطالبة بالحماية الدولية واستكمال الاعتراف بدولة فلسطين كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة. هذا الإعلان سيتيح لنا أيضاً المطالبة بتفعيل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حسب نظام مجلس الأمن، وبالتالي إحراج الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي تواصل حتى اليوم رفض إدانة الجرائم الإسرائيلية في مجلس الأمن والجمعية العامة والاعتراف بحق تقرير المصير لشعبنا، الأمر الذي يعيد تأكيد عدم مصداقية هذه الإدارات عندما يتعلق الأمر بحديثها عن الدولة الفلسطينية أو حل الدولتين. إدارات أمريكية منذ تأسيس الحركة الصهيونية بأحضانها لن تمتلك مبادئ العدالة والحرية للشعوب، كما لن يكون هنالك فرق بينها أو تمايز بمواقفها الجوهرية في شأن العلاقة الإستراتيجية مع دولة الاحتلال واستمرار دعمها لاستدامته.
إن هذا التوجه المتعلق بالإعلان لا يُعدّ فقط استكمالًا للعمل الديبلوماسي الذي انطلق بالجمعية العامة عام 1974 عندما صرخ حينها الرئيس المؤسس أبو عمار "جئتكم أحمل غصن الزيتون في يدي والبندقية باليد الأخرى، فلا تسقطوا غصن الزيتون الأخضر من يدي"، وما تبع لاحقاً من اعترافات دولية وبفلسطين دولة غير عضو بالأمم المتحدة عام 2012 التي قدم طلبها الأخ الرئيس أبو مازن أمام العالم حينها، بل استكمالا لنيل الاعتراف الكامل عضواً كامل العضوية. كما ويشكل هذا الإعلان عن دولة تحت الاحتلال جزءً لا يتجزأ من المقاومة المتنوعة الاشكال ضد الاحتلال والاستيطان ونظام التمييز العنصري والاقتلاع العرقي الجاري الذي تسعى إسرائيل إلى فرضه واستدامته نحو التهجير وضم أجزاء كبيرة من الأراضي المحتلة كما القدس وإعادة احتلال غزة بأشكال مبتكرة. إن هذا الإعلان يفضح ازدواجية المعايير التي يمارسها جزء من المجتمع الدولي أصحاب النفاق والخداع السياسي في انحيازهم لمفاهيم استعمارية قديمة تُقدم في ثوب جديد ومنها مشروع الشرق الأوسط الجديد، ويضعهم أمام مسؤولياتهم الأخلاقية والسياسية والقانونية أمام شعوب دولهم.
إعلان فلسطين دولة تحت الاحتلال سيجسد التضامن الدولي ويتماهى مع تصاعد وتيرته اليوم حول العالم للاستفادة منها والبناء عليها، كما ويسلط الضوء على واقع الاضطهاد الذي يعيشه الشعب الفلسطيني منذ عقود، ويعيد التركيز على ضرورة إنهاء الاحتلال أولاً كضرورة أمام المجتمع الدولي والتأكيد على وحدة الأرض والشعب وقضية شعبنا كوحدة واحدة لقطع الطريق عن مشاريع ما سُمي باليوم التالي في غزة.
كما وسيشكل وسيلة لتحفيز الدعم الرسمي من الدول الصديقة لفلسطين، ويشكل ضغطاً على الدول الغربية الكبرى التي تدعم إسرائيل، خاصة في ظل التصعيد العسكري والضغوط المتزايدة على الفلسطينيين واللبنانيين اليوم، وأداة ديبلوماسية مقاومة إضافية لمواجهة الاحتلال ومطالبة إسرائيل بوقف عدوانها الذي يأخذ شكل الإبادة الجماعية والتجويع، والضغط على حكومتها الفاشية للالتزام بالقوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة التي تتنكر لها منذ إعلان تأسيسها وفق القرار الأممي 181 الذي لم تلتزم به بل وتجاوزته بصمت العالم حتى احتلال ما تبقى من أرض عام 67.
أهمية الوحدة الفلسطينية والتحرك الدولي
لا يمكن الحديث عن أي تحرك فلسطيني فعّال دون أن يكون قائماً على وحدة الصف والقرار الوطني الفلسطيني. استمرار الانقسام الداخلي بين الفصائل الفلسطينية الذي سببه الانقلاب يضعف أي جهد دولي أو ديبلوماسي. يجب أن تتحد كافة القوى الفلسطينية ولا أقصد الفصائل فقط على أهميتها في إطار منظمة التحرير التي يفترض الإرتقاء بدورها وفعاليتها وتوسيع قاعدة المشاركة فيها مع كافة فئات شعبنا خاصةً من الشباب وتكريسها كجبهة وطنية عريضة، وتحت رؤية مشتركة تعمل على تعزيز التحرك الدولي والمقاومة السياسية والقانونية والشعبية. إن توحيد الجبهة الداخلية سيساهم في تقديم صورة قوية ومتماسكة للعالم، بما يضمن وحدة كافة مطالب شعبنا وأولها الآن حماية شعبنا وما تبقى من غزة المدمرة على طريق إنهاء الاحتلال وإسقاط نظام الأبرتهايد.
الرهان على المحاكم الدولية
في ظل الانحياز الغربي المتزايد لدولة الاحتلال، نجد أنفسنا أمام ضرورة استراتيجية لإعلان هذا الموقف من الدولة تحت الاحتلال. إن تجاهل قرارات المحاكم الدولية ومعاداة قراراتها وتوجيه الاتهام السخيف لمعاداة السامية لها ولكل من ينتقد فظائع الإجرام المتتالي لم يعد مقبولًا، وقد آن الأوان لوضع خطة واضحة برؤيتنا المستقلة وأدواتنا الوطنية، لتعزيز مصلحة شعبنا العليا وفق البوصلة الوطنية. إن المحاكم الدولية تُعدّ إحدى الأدوات القانونية المهمة التي يمكن استخدامها لتسليط الضوء على جرائم الاحتلال ومحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها المتكررة للقوانين الدولية.
الدولة المارقة والإعلام الدولي
لا يمكن إغفال دور الإعلام الدولي في تشكيل الرأي العام، خصوصاً في المجتمعات الغربية التي طالما كانت محورية في دعم إسرائيل. من الضروري توجيه الجهود نحو الإعلام العالمي لكشف الحقيقة وتقديم رواية عادلة للقضية الفلسطينية تستند إلى التاريخ والوقائع. الرأي العام الغربي يلعب دوراً كبيراً في التأثير على السياسات الدولية ومواقف الدول، ولذا يجب أن تكون هناك حملات إعلامية ممنهجة تهدف إلى توعية العالم بواقع الاحتلال وحجم الجرائم التي ترتكب بحق شعبنا الفلسطيني وبحق القانون الدولي والمواثيق ذات الصلة، الأمر الذي يؤكد ويفضح مكانة إسرائيل كدولة مارقة، مما يتطلب جهداً محورياً خلاقاً ومقاوماً لطواقمنا الديبلوماسية بالتعاون مع أصدقائنا حول العالم.
دور الدول الإقليمية في دعم التحرك الفلسطيني
لا يمكن إغفال أهمية الدول الإقليمية في دعم التحرك الفلسطيني المفترض بالإعلان عن دولة تحت الاحتلال ومن أجل طرد هذه الدولة المارقة من عضوية الأمم المتحدة أو بأقل الإيمان تجميد عضويتها. هذه الدول كما والدول الصديقة حتى ولو اختلفنا مع البعض منها لحساباتها ومصالحها الخاصة، إلا أنه يتوجب أن تكون شريكةً في هذا الجهد، خاصة في ظل التحولات الإقليمية الكبيرة كما والدولية الجارية التي تفقد لها الولايات المتحدة لاعتبارات متعددة جزء كبير من هيمنتها المتوحشة وتأثيراتها. يمكن لهذه الدول أن تلعب دوراً محورياً في حشد الدعم الدولي، سواءً كان ذلك عبر الأمم المتحدة أو من خلال منابر ديبلوماسية أخرى
الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل على مستوى عالمي
خطابنا السياسي يجب أن يدعوا بوضوح وجرأة إلى حملة دولية رسمية وشعبية واسعة لمقاطعة إسرائيل على غرار حملات المقاطعة التي ساهمت في إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وحث المجتمع الدولي على فرض عقوبات على إسرائيل دون الاكتفاء فقط بالدعوات إلى مقاطعة بضائع المستوطنات أو الشركات الدولية التي تعمل بها ومعها.
ضرورة امتلاك الرؤية الاستراتيجية
نحن اليوم جزءٌ من هذا العالم وصراعاته، ولكن ذلك لا يجب أن يمنع من امتلاك رؤية واضحة دون أن نقع مرة جديدة في فخ المبادرات التي تهدف إلى استضعافنا برعاية أمريكية. علينا أن نفهم استراتيجيات الصراع في المنطقة بوضوح، ونبني تحالفات قائمة على مصالحنا المشتركة مع الدول التي تشترك معنا في رفض المشروع الصهيوني ونبحث عن تقاطعات معها لا معاداتها.
ختاماً.. إننا أمام لحظة فارقة في تاريخ النضال الفلسطيني. إذا لم نتوحد حول مشروع سياسي مقاوم وحازم ونعتمد رؤية تستند لحقوق شعبنا غير القابلة للتصرف بهدف التصدي للمخططات الإسرائيلية الجارية ومخططات الحركة الصهيونية العالمية، فإن الهزيمة قد تكون مصيرنا لسنوات قادمة. إعلان فلسطين دولة تحت الاحتلال ليس مجرد خطوة ديبلوماسية، بل هو رسالة واضحة للعالم تحدد شكل وطبيعة الدولة وحدودها وفق جوهر القرارات الأممية ووثيقة اعلان الاستقلال الفلسطيني في وقت لا تمتلك دولة الاحتلال حدوداً لها بل خريطة من التوسع على حساب شعوب منطقتنا الأصلانيين، ورسالة بأننا لن نتنازل عن حقوقنا الثابتة ولن نقبل بالحلول التي تكرّس الاحتلال ومفاهيم الاستعمار وتسعى فقط لطحن ثقافة المقاومة لتمرير مشاريع اقتصادية وأمنية إقليمية لا مصلحة فيها لنا طالما لم ننجز مرحلة التحرر الوطني.