لبنان ضحيّة منطق إيران… ولامنطق الحزب

 

 

 

حرب من أجل ماذا تسبّب بها الحزب للبنان؟ ما الهدف من حرب، لا منطق لها ولا هدف، بادر الحزب إلى شنّها يوم الثامن من تشرين الأوّل الماضي، في اليوم التالي لهجوم “طوفان الأقصى”؟

كيف يمكن لطرف لبناني، هو الفريق الوحيد المسلّح في البلد، ربط مصير البلد بمصير غزّة؟ كيف يستطيع هذا الطرف رفض أخذ العلم بأنّ حرب غزّة انتهت من الناحية العسكرية وأنّ ذلك سمح لإسرائيل بإلقاء كلّ ثقلها العسكري في حرب لبنان؟ من يتحمّل مسؤولية ذهاب لبنان إلى نكبة تؤدّي إلى تهجير عشرات الآلاف من جنوب لبنان في حين أنّ تفادي النكبة اللبنانيّة لا يزال في متناول اليد اليوم؟

لا أجوبة عن مثل هذا النوع من الأسئلة باستثناء شعارات من نوع “إسناد غزّة”، علماً أن ليس من يستطيع “إسناد غزّة” على أرض الواقع، غير مصر التي تقف حاجزاً في وجه تهجير الغزّيّين إلى أراضيها.

في مرحلة معيّنة، في بداية حرب غزّة، رفع الحزب شعار “شهداء في الطريق إلى القدس”. تبيّن بعد أقلّ بقليل من سنة على فتح جبهة جنوب لبنان، أنّ الباص المتوجّه إلى القدس صار خالياً من الركّاب، هذا إذا كان فيه ركّاب أصلاً. في المقابل، نجد أنّ الباصات والسيّارات لم تعد تتّسع للنازحين من القرى القريبة من “الخطّ الأزرق” في جنوب لبنان ومن قرى وبلدات أخرى، بعضها في البقاع، قرّرت إسرائيل نقل الحرب إليها.

نجح الحزب في أمر واحد يتمثّل في تأكيد أنّه ينفّذ أجندة إيرانيّة، ولا شيء آخر. يموت اللبنانيون من عناصر الحزب ومن غير عناصره وتُدمّر قراهم من أجل أن تثبت إيران قدرتها على لعب الدور المهيمن في المنطقة، خصوصاً في مرحلة ما بعد غزّة.

تبيّن، أيضاً، مع اقتراب ذكرى مرور سنة على بدء حرب غزة، وهي حرب انتهت من دون أن تنتهي، وجود هوّة تكنولوجية كبيرة بين الحزب وإسرائيل. يعاني الحزب من مأزق ناتج عن عجزه عن مواجهة إسرائيل ومجاراتها في الوحشية. إذا استخدم صواريخ دقيقة وبعيدة المدى، يقول إنّه يمتلكها، فسيكون أمام مصيبة. إذا لم يفعل ذلك، فسيكون أمام مصيبة أخرى أكبر تعني انكشافه أمام جمهوره وأمام اللبنانيين جميعاً. هل الحزب مطمئنّ إلى أنّ لديه مكاناً، هو الداخل اللبناني، يرتدّ إليه كما فعل في عام 2006 في حال خسارته الحرب مع إسرائيل؟

لكلّ حرب منطقها. هناك منطق إيراني واضح وهناك اللامنطق الذي يعتمده الحزب. بفتحه جبهة جنوب لبنان، بطلب من “الجمهوريّة الإسلاميّة” وخدمة لأهدافها، ارتكب الحزب خطأ في الحسابات. لا شكّ أنّ ذلك سيكلّفه غالياً، كما سيكلّف لبنان واللبنانيين الكثير. في أساس هذا الخطأ رفض استيعاب معنى هجوم “طوفان الأقصى” الذي شنّته “حماس” في السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل) الماضي والذي استهدف مستوطنات غلاف غزّة. كان لا بدّ من قراءة المواقف الدولية واكتشاف أن ليس في العالم من يقف مع “حماس” بعدما ارتكبت ما ارتكبته في السابع من أكتوبر 2023. لا أحد، خصوصاً بين العرب، يقف مع “حماس”. هذا درس كان مفترضاً بالحزب التعلّم منه. حتّى النظام السوري الذي يدين له بالكثير يقف متفرّجاً حيال ما يدور في لبنان بناء على نصيحة روسيّة. كرّر النصيحة مستشار الأمن القومي الروسي سيرغي شويغو لدى زيارته دمشق حديثاً وعقده لقاءً مع بشّار الأسد.

من يرى أنّ في استطاعته “إسناد غزّة”، في هذه الظروف الإقليميّة والدوليّة وفي ظلّ موازين القوى القائمة، لا يمتلك أيّ رؤية سياسيّة من أيّ نوع. تبدو الرؤية الوحيدة التي يمتلكها الحزب رؤية إيرانيّة. تعبّر مواقف كبار المسؤولين في “الجمهوريّة الإسلاميّة” عن هذه الرؤية التي تختزلها الرغبة في التوصّل إلى تفاهم مع الولايات المتحدة. لم يجد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ما يقوله بُعيد وصوله إلى نيويورك للمشاركة في دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة سوى الكلام عن أن لا مصلحة لأحد في التصعيد في الشرق الأوسط. أمّا وزير الخارجية الإيراني عبّاس عراقجي فتحدّث عن تفاوض في شأن الملفّ النووي مع ما يعنيه ذلك من رغبة في التوصّل إلى صفقة مع أميركا.

إذا كانت إيران بالفعل ضدّ التصعيد فلماذا لا تطلب من الحزب وقف الحرب مع إسرائيل عن طريق إعلانه الاستعداد لتنفيذ القرار 1701 بحذافيره بما يضمن عودة النازحين من المستوطنات الإسرائيلية إلى بيوتهم وعودة الجنوبيين إلى قراهم؟ هل كثير أن تأمر إيران بذلك خدمة لأهل الجنوب اللبناني… أم تراهن على نكبة لبنانية تشبه النكبة الفلسطينية لعام 1948، كي تتاجر بها على غرار متاجرتها بالقدس وفلسطين؟

تعرّض الحزب لضربات قويّة فيما لا تستطيع إيران أن تفعل له شيئاً. وقع لبنان ضحيّة المنطق الإيراني واللامنطق الذي يعتمده الحزب في ظلّ جنون إسرائيلي ليس بعده جنون وعالم قرّر اتّخاذ موقف المتفرّج. يبدو الأمر الوحيد المفهوم وسط ما يجري في لبنان هو الهدف الإيراني الواضح. يتمثّل الهدف الإيراني في استخدام البلد ورقة في لعبة كلاسيكيّة تمارسها “الجمهوريّة الإسلاميّة” منذ أسّست الحزب عن طريق سفارتها في دمشق مطلع ثمانينيات القرن الماضي.

 

 

 

كلمات مفتاحية::
Loading...