مقالات مختارة

"لاهاي" والمظلومية اليهودية!

 

بقلم: رجا طلب

سوف يسجل التاريخ أن دولة الاحتلال مثلُت أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بتهمة ارتكاب إبادة جماعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، وأهمية هذا الحدث يكمن في أن دولة الاحتلال التي اكتسبت عناصر وجودها وشرعيتها " كدولة " قامت على " رواية الهولوكوست " و" الإبادة الجماعية " والمظلومية التاريخية التي وقعت على “اليهود في اوروبا “ها هي تُحاكم على ذات الاسباب التي عززت وجودها في مفارقة تاريخية نادرة.

 هذا الكيان وبعد 75 سنة من قيامه يقف متهماُ بإبادة جماعية للفلسطينيين في غزة، أما الجهة التي تحاكمه هي جنوب إفريقيا التي لها رمزيتها الانسانية باعتبارها مثالاً صارخاً على التحرر من التمييز العنصري والإبادة الجماعية بقيادة نيلسون مانديلا رمز الحرية على مستوى الانسانية.

مجتمع دولة الاحتلال برمته يعيش هول صدمة المحكمة والتهمة التي التصقت به وبدولته وجيشه الذي يسميه "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم"، فشعب الله المختار لا يمكن إلا أن يكون جيشه أكثر أخلاقية وهي " كذبة بات العالم يدرك مدى انحطاطها وبؤسها بعد أن فضحته الفظائع التي تنقلها الفضائيات العربية والعالمية عما جرى ويجرى في قطاع غزة منذ السابع من اكتوبر وحتى اللحظة، ومن هول الصدمة خرج نتنياهو عن طوره ووصف المحكمة والمحاكمة بأنها حالة نفاق  كبرى وانحطاطا أخلاقي حتى قبل عقد جلستها الاولى وبعد بدئها وعندما يصف نتنياهو المعروف بقدراته وشطارته في التضليل اللفظي والإعلامي  خلال الأزمات المحكمة بانها  تشكل عملية نفاق فهذا يدلل على نقطتين مهمتين:

الأولى: استشعاره مدى الخسارة المعنوية "للدولة الأكثر أخلاقا بالعالم" وكيف أنها تقف أمام العالم لتحاكم بأقبح جريمة أخلاقية ألا وهي الإبادة الجماعية.

الثانية: المحاكمة وبغض النظر عن النتائج التي ستتوصل إليها هي بكل بساطة تشكل عملية هدم كاملة لأقوى الأسلحة التي طالما استخدمتها دولة الاحتلال لترهب فيها من ينتقدها أو يعاديها وأبرز تلك الاسلحة قضية الهولوكوست والتي إلى اللحظة تبتز بها أوروبا وتحديداً ألمانيا وقضية معاداة السامية، فبعد اليوم لا يستطيع مجتمع دولة الاحتلال التحدث "عن طهارته" أو "أخلاقه" كما لا يستطيع الاستمرار في وصف نفسه بأنه  شعب الله المختار وأنه تعرض لأكبر عملية إبادة ومظلومية، وهي كما يعلم الجميع كلها عناصر الدعاية "الإسرائيلية" التي أرهب بها العالم على مدى 75 عاماً وتسلل من تحتها  للقيام بأكبر عملية سرقة في التاريخ ولارتكاب أبشع المجازر بحق أبناء الشعب الفلسطيني ومازال  .

لا أريد الدخول في تفاصيل القضايا القانونية التي ظهرت من خلال مرافعة جنوب إفريقيا ومرافعة دولة الاحتلال يومي الخميس والجمعة الفائتين ولكن أود التوقف عند بعض النقاط في المحاكمة ألا وهي:

أولا: الارتباك الواضح في "دفوع" فريق الاحتلال وتهربه من مناقشة فحوى التهمة والبراهين الموثقة التي أوردها فريق جنوب إفريقيا وقيام فريق الاحتلال بالتركيز على مسائل شكلية مثل أن جنوب إفريقيا لم تتصل بالاحتلال لمناقشة القضية قبل رفع القضية والمسألة الثانية محاولة الطعن بقبول الشكوى والقول أن محكمة العدل العليا ليست هي الجهة المختصة ببحث القضية، هذا عدا عن التشكيك الذي سبق المرافعة من قبل السياسيين الإسرائيليين ووسائل الإعلام الإسرائيلية بجنوب إفريقيا واتهامها  بأنها ذراع لحركة حماس  وهو تهمة  مضحكة تدلل على خفة سياسية .

ثانيا: في المقابل كانت مرافعة جنوب إفريقيا مهنية لدرجة كبيرة وموثقة ومستندة إلى أرقام وتقارير لمنظمات تابعة للأمم المتحدة مثل منظمة الصحة العالمية ومجلس حقوق الانسان والأنروا ومنظمة الأغذية العالمية واليونسيف واليونسكو وغيرها من المنظمات الدولية بالإضافة لمنظمات حقوقية مرموقة غير حكومية مثل "هيومان رايتس وتش" وصحفيون بلا حدود، ومنظمة "امنستي" وغيرها، وقد علق لي كل من الدكتور أنيس قاسم الخبير بالقانون الدولي، والأستاذ الدكتور فيصل الفريحات  المحامي والخبير بالقانون الدولي أن ما قدمته دولة جنوب إفريقيا مطالعة شاملة كتبت بدقة وبحرفية واستندت لوقائع وأرقام وشهادات دولية ولم تستند لأي جهة فلسطينية أو عربية .

الجانب الإسرائيلي غلبت على دفوعه اللغة السياسية والاتهامية والتلفيق وكان كل همه أن ترفض المحكمة بند الاجراءات الوقائية أو الاحترازية أي وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات لقطاع غزة، لأنه لا يريد ووفقا لما صرح به نتنياهو وقادة الاحتلال مرارا وتكرارا أن توقف لأن وقفها يعني "انتصاراً لحماس"

 

عن الرأي الأردنية

 

Loading...