من باب التشفي والتبجح "المريض" أشار نتنياهو إلى الشهيد حسن نصر الله دون أن يسميه عندما احتفل مع عددٍ محدودٍ من المقربين منه يوم أمس الأول السبت بمجزرة الضاحية الجنوبية بعد عودته من نيويورك وقال "إن أحدهم قال عنا أننا أوهن من بيت العنكبوت، أي بيت عنكبوت هذا، نحن أوتار فولاذية بالإرادة والقوة".
من الصعب القول أن اغتيال نصر الله بهذه السهولة والسرعة هو حدث يمكن تقبله والتعامل معه كأي حدث اغتيال آخر لأي شخصية سياسية أخرى لبنانية كانت أو غير لبنانية، فالرجل اعتزل العالم الصاخب منذ عام 2006 ومارس حياة سرية أساسها الأمن والأمن فقط وعندما كان يطل علينا من فترة إلى أخرى كان يطل علينا من مكان مجهول وعبر كلمة مسجلة تستدعيها مناسبة ما أو حدث معين وهو ما خلق لدينا الانطباع بأن الوصول إليه أو المس به من قبل إسرائيل أو أمريكا هو أمر أشبه ما يكون بالمستحيل، ولكن ما الذي جرى وكيف وقع في فخ الضاحية الجنوبية؟
ومحاولتي الإجابة على السؤال السابق تستدعي بالضرورة طرح السؤال المرادف إلا وهو كيف تمت “واقعة تفجيرات البيجر والتوكي ووكي" وسلسلة الاغتيالات المتعاقبة على مدى أكثر من شهرين أي منذ اغتيال فؤاد شكر في الضاحية والذي تزامن مع اغتيال إسماعيل هنية في طهران مروراً باغتيال إبراهيم عقيل وقادة الرضوان بالضاحية الجنوبية وصولاً إلى مساء الجمعة أي يوم اغتيال حسن نصر الله؟؟
ما تفسير ذلك ولماذا هذا الانهيار السريع بمنظومة الحزب الأمنية والسياسية بهذا الشكل الدراماتيكي؟؟
في تفسيري أن الحزب وبعد انتهاء حرب عام 2006 وبعد صدور القرار 1701 والذي فسره على أنه انتصار خالص للحزب على إسرائيل وانعطافاته وبكل أسف منذ ذلك التاريخ إلى الداخل اللبناني والغوص في تجاذباته الطائفية المعقدة التي أشعلتها بصورة خاصة عملية اغتيال الشهيد رفيق الحريري عام 2005 وما صاحبها من شرخ داخلي لبناني ، كان الحزب قد أهمل بشكل كبير وملفت البعد الأمني لتحركات عناصره وقياداته، وفي ظني أنه ومنذ ذلك التاريخ بدأت إسرائيل العمل ببناء "بنك المعلومات الأمنية عن الحزب" من أعضاء وقيادات وعوائلهم وأماكن تحركاتهم وكل ما يتعلق بحياتهم اليومية عبر عملية رصد كبرى أصبح الحزب فيها صفحة مفتوحة أمام إسرائيل التي استغلت أن الحزب لم يعد في وارد الحرب معها.
في هذا التشخيص التحليلي وليس المعلوماتي أقدر أن الموساد نجح في بناء جيش من العملاء من كل المذاهب وعلى كل المستويات والطبقات في عموم لبنان، لدرجة أن أعضاء هذا الجيش باتوا جزءاً ليس من البيئة الحاضنة لحزب الله بل بات جزءاً من أفراد وأعضاء ومقاتلي الحزب ولربما من قياداته، وإلا كيف علمت إسرائيل بوجود الشهيد حسن نصر الله في اجتماع الضاحية وقامت بقصف الموقع بعد لحظات من التأكد من أن السيد نصر الله رحمه الله موجوداً في الاجتماع؟
والمعلومات التي نشرها الإعلام الإسرائيلي السبت 28 سبتمبر أي بعد يوم واحد من اغتيال نصر الله تحدثت عن أن نتنياهو كان راغباً بأن تتم عملية الاغتيال وهو في "إسرائيل" إلا أن رئيس الموساد ديفيد برنياع قال له لا مجال للانتظار يجب أن نقوم بها الآن وعليك المصادقة عليها فتم الأمر، وهذا يعني أن معلومة وصول نصر الله للمكان كانت " لحظية " وبمعاينة ملموسة وليس تجسساً إلكترونياً أو تقنياً بل عبر تجسس ميداني، وتحديداً من قبل الوحدة 9900 المسؤولة عن جمع المعلومات البصرية وتحديد الاحداثيات والوحدة 504 التي تُشغل العملاء.
في كل الأحوال فإن الأمين العام القادم لحزب الله (المرشح الأقوى هاشم صفي الدين ابن خالة نصر الله) بات تحت القصف بعد تهديدات يوآف غالانت التى هدد فيها أن المسؤول الأول للحزب هو هدف للاغتيال في محاولة من الثلاثي المسؤول عن الفشل في السابع من أكتوبر وهم نتنياهو وغالانت وهليفي لتعويض هذا الفشل من خلال “كسر ظهر حزب الله" و"كرسحته" أمنياً وعسكرياً وهو أمرٌ بات وبكل أسف ممكناُ وقابلاُ للتحقيق.
ويبقى السؤال "المسعور" هو أين إيران من كل هذا وما هو رد فعلها على اغتيال نصر الله وقبل ذلك على إسماعيل هنية؟؟