مقالات مختارة

نتنياهو يتجه نحو المزيد من الهجمات في كل الجبهات | عاموس هرئيل

 

 

 

بعيداً عن هناك، في إيران، في حادث لم تتضح ظروفه بعد، قُتل المنسق الأعلى اليمني للحوثيين بتحطم مروحية. في اليمن نفسها، قصف سلاح الجو للمرة الثانية ميناء الحديدة ردا على إطلاق صاروخ على مركز البلاد، السبت الماضي. جميع هذه العمليات، التي كانت كل واحدة منها ستحصل على عنوان كبير لو أنها كانت قبل شهر أو شهرين، تم إقصاؤها إلى هامش الأخبار على خلفية اغتيال حسن نصر الله، الذي هو من الأشخاص المهمين في الشرق الأوسط في العقود الأخيرة.
في مقال نشر في مجلة "تايم" اقتبس فراس مقصد، محلل في أحد معاهد الأبحاث في واشنطن، مقولة قديمة لفلاديمير لينين: "هناك عقود لا يحدث فيها أي شيء. وهناك أسابيع تحدث فيها عقود".
هذا صحيح بالتأكيد بالنسبة للأسابيع الأخيرة التي يبدو فيها أن إسرائيل حطمت تقريبا بشكل كامل العمود الفقري لقيادة لـ"حزب الله"، ودمرت جزءا كبيرا من مخزون صواريخه وقذائفه، وأنهت ذلك بعملية الاغتيال الصارخة لرئيسه. ولكن المهمة لم تنتهِ حقا. فالهجمات الكثيفة لسلاح الجو تستهدف، إلى جانب الاستمرار في ملاحقة الشخصيات الرفيعة، مخازن صواريخ وقذائف أخرى. بقي سؤال واحد مفتوحا وهو هل العملية التي تستكمل الهجوم الجوي، التي سجلت نتائج بعيدة المدى، ستشمل هجوما بريا للجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان.
يضغط رؤساء المجالس المحلية على الحدود الشمالية، التي تم إخلاء سكانها، إضافة إلى شخصيات رفيعة في قيادة المنطقة الشمالية، للدفع قدما بهذه الخطوة. حسب قولهم هناك حاجة كبيرة إلى معالجة البنية التحتية العسكرية التي أقامها رجال "حزب الله"، بالأساس قوة "الرضوان"، قرب الحدود، فوق وتحت الأرض، خلال سنوات منذ الحرب الأخيرة في العام 2006. ومثلما حدث في قطاع غزة فإن هذا يمكن أن يتم بالأساس بوساطة إدخال القوات البرية، لكن سيرافقه احتكاك عسكري أصعب وخسائر أيضا. على مدى سنين، تمت مناقشة خطط مختلفة، بدءا بدخول محدود إلى مناطق سيطرة وانتهاء باحتلال كل المنطقة جنوب نهر الليطاني.
مع أخذ الإجراءات التي قام بها "حزب الله" لسنوات استعدادا لعملية برية من قبل إسرائيل في جنوب لبنان في الحسبان، فإن هذه لن تكون مهمة سهلة. حتى لو كان كثير من أعضاء الحزب هربوا نحو الشمال. تتناول النقاشات في إسرائيل مسألة هل هذه العملية هي حيوية، وهل من الضروري الآن توجيه ضربة أخرى للحزب من اجل تدميره والمس بمكانته وقدراته لسنوات؟
الادعاء السائد في الفترة الأخيرة هو أن إسرائيل عانت من تقدير زائد لـ"حزب الله"، وخلال سنوات أخافت نفسها منه بشكل مبالغ فيه. الضعف والتشويش الذي يظهره "حزب الله" منذ هجوم البيجرات في 17 أيلول يثير وبحق مثل هذه التساؤلات. مع ذلك، ليس بالصدفة أن هذه هي الحادثة الأولى في نوعها التي يشهد فيها جيش، أو منظمة، انهيارا كبيرا في وقت الحرب خلافا للتوقعات المسبقة. ضربة مفاجئة كبيرة جدا أثناء الحرب تؤدي إلى الفوضى والشلل وتضر باتخاذ القرارات في القيادة، وتترك القادة في الميدان والجنود العاديين ليحاربوا وحدهم. بالتحديد إسرائيل من بين الجميع يجب أن تعرف ذلك. هذا تقريبا ما شاهدته فرقة غزة في 7 تشرين الأول.
الإنجازات الكبيرة، التي راكمها الجيش الإسرائيلي، مؤخراً، شجعت على أجواء النشوة في الاستوديوهات، حيث تنافس المذيعون والخبراء فيما بينهم على تقدير ضعف العدو وتوزيع المديح لإبداع إسرائيل. ومثلما هو الحال دائما يجدر التذكر بأنه لا يوجد هنا صافرة نهاية، وأن العدو، بدءا بإيران وحتى "حزب الله" و"حماس"، ما زال يمكنه الرد حتى لو تعرض لضربة شديدة. وحقيقة أن "حزب الله" يطلق في هذه المرحلة بضع مئات من الصواريخ تعكس كما يبدو قوة الصدمة والتشويش في صفوف الحزب. هذا لا يعني أنه لن يقوم أي أحد في مستوى القيادة هناك ويتولى زمام الأمور في القريب.
الأمر الذي يقلق أكثر هو رد ايران. فالحساب المفتوح على اغتيال إسماعيل هنية زاد بشكل كبير بعد اغتيال حسن نصر الله، حتى أن الزعيم الروحي، علي خامنئي (85 سنة)، الذي يحذر بشكل عام من التورط في حرب، يصعب التصديق بأنه سيسمح لنفسه لفترة طويلة بالمرور مر الكرام على ما حدث.
بخصوص الساحة الجنوبية، يمكن التقدير وبحذر أن الشائعات حول موت رئيس "حماس"، يحيى السنوار، كانت مبالغاً فيها، وربما سابقة لأوانها. وللمفارقة، ربما يوجد في ذلك أفضلية معينة، فالسنوار يظهر في هذه الأثناء أنه الشخص الوحيد في "حماس" الذي يمكنه عقد صفقة التبادل. وهو منذ فترة طويلة يقوم بتأخير الرد على محاولات الوساطة، لكنه ليس الوحيد الذي يفشل الصفقة. فرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي بشر المواطنين قبل أيام بـ"أيام كبيرة" تنتظر شعب إسرائيل، يبدو كأنه فقد الاهتمام كليا بالمفاوضات في الجنوب.
يدفع نتنياهو ضريبة كلامية من اجل إعادة المخطوفين، لكنه عمليا يركز على الصراع الإقليمي الآخذ في السخونة. يحظى رئيس الحكومة بالتصفيق والهتافات من قاعدته السياسية على خلفية النجاحات في لبنان، التي وبحق احتاجت منه اتخاذ قرارات في ظل عدم اليقين والمخاطرة. حسب ما يمكن فهمه الآن فإن توجه نتنياهو هو نحو الهجمات على كل الجبهات. ولا يوجد وقف إطلاق النار على رأس سلم أولوياته رغم صراخ عائلات المخطوفين.

عن "هآرتس"

 

 

 

 

Loading...