المنطقة تقف على أعتاب حرب إقليمية قد تكون الأكبر في تاريخها

 

 

 

في الساعات الأخيرة السابقة التي فرح بها شعبنا، شهدت منطقتنا تصعيداً تمثل في إطلاق إيران مئات الصواريخ من ضمنها الصواريخ النوعية الفرق صوتية الجديدة باتجاه إسرائيل "عملية الوعد الصادق 2"، وهو تطور غير مسبوق في تاريخ الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي. هذا الهجوم الذي استهدف مواقع عسكرية إسرائيلية كما أعلن يشير إلى تغيّر في محركات الصراع الذي كان يُدار سابقاً عبر حلفاء إيران في المنطقة، ليأخذ الآن طابعاً أكثر مباشرة بين الجانبين. ومع التهديدات الإسرائيلية بالرد القوي التي أتت على لسان نتنياهو أمس يتزايد الحديث عن اقتراب حربٍ إقليمية شاملة قد تشمل أطرافاً متعددة في المنطقة.

دلالات الهجوم الصاروخي الإيراني

من الواضح أن هذا الهجوم يحمل عدة دلالات استراتيجية هامة.

أولاً، يمثل الهجوم الإيراني رداً مباشراً على الجرائم والاستفزازات الإسرائيلية المستمرة التي لم تتوقف حتى اللحظة بدعم أمريكي، سواءً من خلال الضربات الجوية على المواقع الإيرانية في سوريا أو عمليات الاغتيال داخل إيران وسوريا ولبنان وفي أرجاء المنطقة وعدوان الإبادة في فلسطين بداية. إيران تريد توجيه رسالة قوية ليس فقط إلى إسرائيل، ولكن إلى المجتمع الدولي، بأن لديها القدرة على الرد وأنها لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام استمرار الهجمات الإسرائيلية.

ثانياً، يبدو أن هذا الهجوم الذي ينظر له شعبنا الفلسطيني من زاوية أخرى كموقف يساهم في هزيمة الاحتلال الإسرائيلي ومشاريعه في غياب مشروع قومي عربي لحصار ومواجهة دولة الاحتلال بهدف فرض مشروع سلام حقيقي لا تريده إسرائيل، يأتي أيضاً في سياق التوترات المتزايدة بين إيران والولايات المتحدة. إيران تسعى من خلال هذا الهجوم إلى استعراض قوتها العسكرية وإيصال رسالة إلى واشنطن بأن أي محاولات لاحتوائها عبر العقوبات أو التهديدات العسكرية ستواجه بردود فعل قوية. هذه الدلالات تؤكد أن إيران مستعدة لخوض مواجهة أوسع، وقد تكون هذه الرسالة موجهة أيضاً إلى حلفاء واشنطن في المنطقة.

وقد يعكس هذا تغيراً في الاستراتيجية الإيرانية، ربما نتيجة ضغوط داخلية أو خارجية. حيث يمكن النظر إلى الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل كجزء من الرد على التطورات السياسية الأخيرة، المتمثلة بإعلان نتنياهو عن البدء في تنفيذ المخطط الصهيو-أمريكي "خارطة الشرق الاوسط الجديد" ونواته بالمنطقة المتمثل بمشروع "إسرائيل الكبرى". هذه الخطة التي تمثل محاولات لإعادة تشكيل الأوضاع الجيوسياسية من خلال التطبيع مع بعض الدول العربية وتعزيز وتمدد الاحتلال الإسرائيلي في مناطق جديدة واستمرار الهيمنة الأمريكية وتفوق اسرائيل واستدامة الاحتلال والاستيطان وسياسة الاقتلاع العرقي بحق شعبنا الفلسطيني أساساً.

فإذا كان نتنياهو يخطط لإعادة صياغة التوازنات السياسية في الشرق الأوسط وجر الولايات المتحدة إلى حرب أوسع، فمن الطبيعي أن ترى إيران في ذلك تهديداً مباشراً لمصالحها الإقليمية. إيران تعتبر نفسها اللاعب الأساسي في محور المقاومة ضد إسرائيل وصاحبة دور متنامي بالتحالفات الدولية الجديدة الناشئة بالعالم تحديداً مع روسيا والصين. وأي خطوة تهدف إلى تعزيز النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، خاصة بالتعاون مع الولايات المتحدة أو بعض الدول العربية التي تدور بالفلك الأمريكي منذ عقود تعتبر ضربة لإستراتيجيات إيران ولمصالح تلك التحالفات .

إطلاق الصواريخ الباليستية على مواقع عسكرية إسرائيلية يمثل رسالةً واضحةً من إيران أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التحركات الإسرائيلية لتغيير قواعد اللعبة السياسية في المنطقة واستمرار تصرفها كدولة مارقة فوق القانون. هذا التصعيد يشير إلى أن إيران تسعى لوقف هذا المنهج من جانب وإلى الحفاظ على مصالحها ونفوذها من جانب آخر، بل وربما تتطلع إلى ترسيم حدود جديدة أو محاولة فرض دور في ترسيم للصراع عبر استعراض قدراتها العسكرية .

إضافة إلى أن ذلك قد يشكل مساهمة في لجم المشروع التوسعي الصهيوني كحركة سياسية عالمية، يمكن أن يشكل الهجوم بمثابة تحذير لإسرائيل من مغبة المضي قدماً في أي مخططات لتغيير موازين القوى الإقليمية على حساب الدول الداعمة لإيران مثل سوريا ولبنان والعراق، والتي ترى طهران أنها جزء لا يتجزأ من منظومتها الأمنية القومية والسياسية في المنطقة.

الرد الإسرائيلي المتوقع

الرد الإسرائيلي على هذا الهجوم لن يكون محدوداً بتشجيع أمريكي وبريطاني أساساً، فقد هددت الحكومة الإسرائيلية الفاشية برد قوي، وهو ما يشير إلى تصعيد الجرائم في الضفة وغزة ولبنان، واحتمال تنفيذ ضربات جوية واسعة النطاق تستهدف البنية التحتية العسكرية الإيرانية في سوريا وربما في إيران نفسها، ومع تصاعد التوترات قد تستهدف إسرائيل منشآت حيوية، مثل المواقع النووية أو مراكز تطوير الصواريخ الباليستية، في خطوة تهدف إلى إضعاف قدرة إيران على مواصلة الهجمات .

من جهة أخرى، قد تختار إسرائيل توجيه ضرباتها نحو حلفاء إيران في المنطقة، مثل حزب الله في لبنان أو الميليشيات المدعومة من إيران في العراق واليمن وسوريا كذلك ضد منشآت حيوية في دول المنطقة وإثارة وتصعيد النزاعات والفتن الداخلية في تلك الدول. هذا السيناريو يهدف إلى محاولة إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة دون الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران، لكنه قد يؤدي إلى إشعال فتيل الحرب الإقليمية بشكل أوسع.

احتمالات التصعيد الإقليمي

إذا ما استمر التصعيد بين إيران وإسرائيل، فإن ذلك سيجُر المنطقة نحو حرب شاملة. فلسطين ولبنان سيكونان في الخط الأول بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله واستمرار تدمير الضاحية الجنوبية في بيروت لمحاولة استرداد قوة الردع الإسرائيلية التي فقدتها نسبياً خلال العام المنصرم بعد الصدمة التي حلت بمكونات مجتمعاتها، حيث يمكن لحزب الله الانضمام إلى الصراع بدعم من إيران، خاصة وأن إسرائيل تقف على أعتاب دخول بري إلى الأراضي اللبنانية، كما أن ميليشيات عراقية ويمنية مدعومة من طهران قد تدخل على خط المواجهة، حيث كانت قد أعلنت إطلاق عدد من الصواريخ أمس ضد مواقع إسرائيلية. وفي حال تطورت الأمور، قد نشهد تدخلات من قِبل دول أخرى مثل تركيا وروسيا اللتين لهما مصالح استراتيجية في المنطقة.

رغم أن العالم لم يبقى كما كان، إلا أن الولايات المتحدة بدورها لن تقف مكتوفة الأيدي، فإسرائيل تُعتبر حليفا رئيسياً استراتيجياً لها ولمشاريعها، وأي هجوم إيراني كبير قد يدفع واشنطن للتدخل عسكرياً خاصةً مع إعادة أرسال حاملة الطائرات إلى المنطقة قبل يومين، أو عبر فرض عقوبات جديدة على إيران رغم حساسية الأوضاع التي ترافق الانتخابات فيها. ومع ذلك، قد تسعى الولايات المتحدة إلى تفادي مواجهةٍ شاملةٍ وتحاول التوسط لمنع اندلاع حرب قد تهدد استقرار المنطقة والعالم أو محاولة مفاوضة إيران حول قضايا المنطقة .

تأثيرات الحرب على المنطقة والعالم

حربٌ إقليمية كهذه لن تكون محصورة في الشرق الأوسط فقط، بل ستؤثر على تصعيد في بؤر توتر أخرى حول العالم وتحديداً في حرب أوكرانيا التي تهدف إلى محاولات حصار روسيا، وعلى الاقتصاد العالمي خاصة فيما يتعلق بأسواق الطاقة وربما في زيادة حدة الحرب الاقتصادية التي تقودها أمريكا ضد الصين. أي تصعيد كبير قد يؤدي إلى إغلاق مضيق هرمز، الشريان الحيوي لتجارة النفط العالمية، ما سيؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط ويزيد من الضغوط على الاقتصادات العالمية التي تعاني بالفعل من تباطؤ اقتصادي.

كما أن الحرب قد تؤدي إلى تعطيل عدد من الممرات التجارية الأخرى وتصاعد موجة جديدة من الهجرة الجماعية، حيث سيحاول آلاف الأشخاص الفرار من مناطق النزاع، ما سيزيد من التوترات الاجتماعية والسياسية في أوروبا والدول المجاورة.

في ضوء هذه التطورات، يبدو أن المنطقة تقف على أعتاب حربٍ إقليمية قد تكون الأكبر في تاريخها الحديث. الهجوم الإيراني وما تلاه من تهديدات إسرائيلية وقحة يشير إلى أن الصراع لم يعد مجرد مواجهة بالوكالة، بل بات يقترب من مواجهة شاملة.

مطلوب موقف روسي وصيني حازم

هذا الوضع يتطلب تحركاً دولياً عاجلاً وموقفاً حازماً من روسيا والصين لاحتواء التوترات يقوم على أساس القانون الدولي ولجم سياسات الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه بحق شعوب المنطقة أولاً، وتنفيذ الحقوق الوطنية لشعبنا الفلسطيني بدءً بإنهاء حرب الإبادة والاحتلال الاستيطاني الذي يشكل جذر المشاكل بمنطقة الشرق الأوسط، قبل أن تنفجر المنطقة في حربٍ قد تكون لها تداعيات كارثية على الجميع.

 

 

 

Loading...