حربان مباشرتان تخوضهما إسرائيل، تضع فيهما كل قوتها العسكرية، غزة وجنوب لبنان.
وحربٌ ثالثةٌ ضجيجها أعلى من فعلها حتى الآن، بدأت متقطعةً ومحدودة، ولكن العالم يراقب تطوراتها بين حديّها الأدنى، أي معركة استعراضية في إطار الرد والرد على الرد، إلى الحد الأقصى الذي يصل إلى تدمير المشروع النووي الإيراني، والعديد من المنشآت الاستراتيجية، وصولاً إلى شل النظام السياسي الإيراني.
هي حروب جديةً عالية الكلفة واسعة الدمار، وقد عجز العالم عن وضع حدٍ لها، أو حتى حصرها في أضيق نطاق، غير أنها اتسعت لتجسد حرباً إقليمية حقيقية، لا ينقصها سوى الاسم.
إسرائيل المهووسة قيادتها بإيران وحزب الله تعرف أن الاشتعال القائم والمحتمل على الجبهتين، لابد أخيراً من أن يجد تسوية، غير أنها حتى لو تم ذلك ستجد نفسها من جديد أمام ما نسميه ويشاركنا العالم في تسميته.. الاستحقاق الأكبر أي القضية الفلسطينية، التي تجسد جذر الحروب الشرق أوسطية، وهي وحدها ما تزال بعيدةً عن الحل.
إسرائيل خائفة من المشروع النووي الإيراني، وخائفة من حزب الله، وخائفة من اليمن والعراق، والعديد من المليشيات المتوالدة على جميع جغرافيا الشرق الأوسط، وها هي تحاربها جميعاً في وقتٍ واحد، غير أن ما يجب أن يخيفها على نحو أعمق، هو هروبها من الاستحقاق الفلسطيني، الذي ولد قبل جميع الجبهات التي تحارب عليها، وسيظل ماثلاً أمامها حتى لو وجدت تسويات لكل الجبهات الأخرى.
غزة هي أحد العناوين، والضفة كذلك والقدس بوجه خاص، وخمسة عشر مليوناً من الفلسطينيين، نصفهم على أرض الوطن، والنصف الآخر حوله، فما الذي تستطيع إسرائيل فعله حيال هذه الجبهة الأعمق والأخطر والأكثر فعلاً والأشد تأثيراً.. حتى الآن تدور إسرائيل بهذا الشأن في حلقة مفرغة، وكل حروبها القريبة والبعيدة، لا هدف لها سوى الهروب من الاستحقاق الفلسطيني، وحتى الآن لم تجب عن سؤال... إلى متى.