غزّة بين الكُلفة والإحباط

 

إنّ كُلفة الحرب مع الاحتلال. لا بدّ من دفعها إما اليوم أو غدا وإما الجيل اللاحق، ما دُمنا نتغيّا الخلاص والتحرير والكرامة. وأعترف بأن لدى اسرائيل "قوة البطش “، ولكن ليس لديها "قوة النصر" بالضرورة. ولعلّ الكلفة الباهظة هي ما جعلت القيادة الفلسطينية، في العقدين الأخيرين، تتفادى الصدام مع الكيان المحتل وجعل خطاب البعض منّا، ينادي بوقف الحرب والاشتباك، بأي ثمن! وقد يبدو هذا الأمر مُبرَّرا. ولكن التشكيك والتخوين والغمز من طرف ما. أمرٌ آخر.

فقد زاد مؤخرا، اللغط الهائج الذي يوجّه انتقاده المسموم، لما يدور في قطاع غزة، الذي تدمّره آليات الاحتلال الغاصب واستراتيجياته الحاسمة. ونرى أن ثمة ظلماً فادحاً وخطورة بالغة، يجرّها هذا الزبد الأسود! ومن هنا أحاول أن أسبر غور بعض هذا السيل الجارح الفائض، الذي يفتقد لأيّ حساسية أو علم، والذي يتجرّأ على تناول قضايا شائكة وملتبسة، ويعتمد على اللامصدر! أو يبني حجّته على معطيات مبتورة، أو تنتمي للدّراية، أو بناءً على تحليلٍ يصحبه الهوى والمصلحة والغرض. فمثلاً: لا يرعوى أحدهم بأن يقول بأن حماس إرهابية!

طيّب! ما دامت كذلك، كما تقول، أليس من حقّ إسرائيل أن تبيدها مع حاضنتها الشعبية؟ أليست هذه رخصة إضافية للاحتلال ليبرّر جرائمه البشعة؟

ويدّعي بعضهم بأن دولة الاحتلال "إله" و"قَدَر" و"سوبرمان".. وتعرف كلّ شيء عبر تقنياتها الأمنيّة المتقدّمة، وتكون حيث تريد. الخ، ويصل، هذا الكلام، إلى نتيجة مفادها بأن أيّ فلسطيني كَوَّن قدرةً على مواجهة الاحتلال.. ما هو إلا متآمر مع الاحتلال! إذ كيف استطاع أن يتحرك ويحفر الخنادق والأنفاق، ويُصنّع الأسلحة والصواريخ، ويتمركز.. دون أن يراه ويعترضه الاحتلال، الذي يمتلك آخر صيحات الرقابة وأنظمة الملاحقة والتجسّس؟

إنّ هذا "المنطق" يفترض؛ بأن الاحتلال يعلم الغيب، ولا تخفى عليه خافية، ويسيطر على أطراف الأرض، ويُحكِم قبضته على عنق البلاد والعباد! فهل هذا صحيح؟

إن كان كذلك؛ فإن هذا المنطق يدعونا إلى الاستسلام، ورفع الراية البيضاء فوراً، والخنوع لاشتراطات إسرائيل، دون جدال! فليأخذوا كل شيء، إذاً، ولنقبل بما يريد!

وأسأل: كيف استطاعت الثورة الفلسطينية والجيش الأردني الشقيق هزيمة إسرائيل في الكرامة؟ وكيف بنَت الثورةُ قوّتَها في لبنان، وتحت رقابة الأقمار التجسسية الأمريكية والغربية؟ وكيف استطاعت الشهيدة دلال المغربي وأخوتها، مثلاً، من عبور البحر إلى الساحل؟ وكيف نجحت انتفاضة الحجارة، ولم تتمكّن إسرائيل من اعتراض انفجارها العبقريّ؟ وكيف أبهظ المطاردون جيش الاحتلال في الانتفاضة الثانية؟ وكيف أدخلت غزّة صواريخَها، التي تطايرت خلال أربع حروب سابقة؟ وكيف استطاعت الحركة الأسيرة أن تتواصل وتهرّب الكثير من الرسائل والراديوات والهواتف؟ وكيف تمّت العشرات من العمليات الاستشهادية في قلب مدن الكيان؟ وكيف استطاع جيش مصر العظيم من تحقيق الخداع الاستراتيجي وعبور القناة العام 1973، والانتصار المؤزّر؟

هل كان كل هؤلاء متآمرين مع الاحتلال، وينفّذون مخططا جهنمياً لصالح العدوّ؟ وهل إذا وصل الأمن الصهيوني إلى مدينة عربية واغتال مقاوِماً، هل يعني أن لدى إسرائيل خاتم سليمان وبساط الريح الأسطوري؟ أم أن ثمة تعاونا أمنيا مشتركا (!!) ساعدها على تنفيذ جريمتها؟

إن هذا المنطق يفترض بأن الفلسطينيين ومعهم العرب؛ "صفر"، لا يفهمون، وبدائيون، ولا حيلة لهم إلا الركوع! وأن إسرائيل فوق الطبيعة، ولا تُقهَر!

يا هذا! لماذا تؤكد على أن الاحتلال قوّة غير بشرية، ولا تصلح للهزيمة؟ أي منطق مُرجف؟ ألا تدعو إلى الإحباط والهزيمة وتحطيم المعنويات؟  ثمّ تقول: هذه وجهة نظر لا يرقى إليها الشكّ! كأنك تدعو شعبنا لأن يقطع شرايينه بسكّينتك الفاجرة. ألم تنتصر الشعوب الفقيرة والثورات الشعبية على دول استعمارية، تمتلك من الأسلحة و"الهاي تِك" ما لا يمتلكه أحد؟ وهل كانت فيتنام متآمرة مع أمريكا، مثلاً، والجزائر مع فرنسا؟

إن التشكيك، وإثارة العجاج المنقوع بالكراهية المشبوهة، هو ما يعكّر الرؤية والمرايا، ويذهب بالحقائق إلى ما وراء الوضوح، ما يؤسس لخطاب قاتلٍ مركّب خطير، يعكس الوقائع ويبدّلها، ويدمّر الأعصاب، ويحطّم الإرادات. ألم تصلكم كلمات القائد الشهيد صلاح خلف أبو إياد: إن وطنية المنافقين أخطر من خيانة العملاء.. ولا يجوز لأي عنصر في فتح أن يشتم أي مناضل، وإن كان يشتمنا، ولا يجوز أن نكون حاقدين كحقد الآخرين علينا؟

وإن الوحدة الاسرائيلية 8200 (آوريم)، والتي يجتمع بها قادة الاحتلال دائماً، لديها التعليمات اللازمة لبثّ الشائعات ونشر الشتائم والفتن، بين التنظيمات والمذاهب والطوائف ودول الإقليم، والتعرض للأشقاء والأصدقاء والشعوب، باسم الفلسطيني.

هذه الفرقة المزوّدة بأحدث التكنولوجيا المعلوماتية.. مهمّتها شتم فتح باسم حماس، وشتم حماس باسم فتح، وشتم السعودي باسم الفلسطيني، وشتم اللبناني باسم السوري، وشتم العربي باسم التركي وشتم التركي باسم العربي، وشتم الشيعي باسم السُنّي وبالعكس، وشعوبنا المسكينة تقع في حبالهم!

كما يقومون بإغراق وسائل التواصل الاجتماعي بمواد وأخبار وصور وفيديوهات، غالبيتها العظمى ملفّقة باحترافيّة، لزرع الفتنة والشِقاق والطائفية، بين أبناء الشعب الواحد، وبين الشعوب العربية فيما بينها، وتهدف هذه المواد، أيضا، إلى إضعاف الانتماء الوطني، وقتل المعنويات والتشكيك في الدّين والوطن والوطنيين.

بالتأكيد! إن ما يحدث في قطاع غزّة يشبه أهوال يوم القيامة، لهذا لا يجوز أن نزيد الطّين بلّة، وعلينا أن نبعث الأمل في روح غزة، ونرفع السقف الذي سقط على رؤوسنا.. فأدْماها، ما يعني أن الفأس قد وقعت في الرأس، أي علينا أن لا ننظر إلى الخلف ونستجيب للنحيب والعويل، ونبثّ الاحباط والانكسار، بل للتشمير وصبّ الحياة في الأوصال.

وهناك مَن يُلحف، بكل دلائله "الجامعة المانعة"، على أن ما يجري هو مؤامرة!

تمام!

ما معنى ذلك؟

معناه؛ أنه يدعو الأشقاء والشرفاء، في العالَم، لأنْ لا يتضامنوا معنا!

 لماذا؟

لأن ما نحن فيه، -حسب رأيه- هو من صناعة بعضنا، وبالتالي نحن السبب في كل هذا الدمار والركام والتبديد والإبادة المفتوحة! أي: لا نستحق أن يقف أحدٌ معنا ومع الضحايا، لأننا ذبحنا شعبنا بمؤامرتنا عليه!

 إن هذا "المنطق" يغسل أيادي الاحتلال من دمنا، وأن الاحتلال بريء! ولا داعي لمحاكمته وفضح إبادته لنا!

أيّ منطق هذا، الذي يتدحرج بين أقدامنا، ويتفجّر سُخطاً وغِلّاً وشماتة، على بعضنا البعض؟

ويدّعي شخص آخر؛ بأن الذي "قتل وانقلب وانقسم "لا يمكن أن يكون حريصاً على الوطن، أو يمكن التحالف معه؟

صحيح!

ولكن؛ أمّا شهدت كلّ ثورات الأرض خلافات دامية، وذبّحوا بعضهم؟ ألم نعلم بأن قوى إقليمية هي التي صنعت "الخلاف الدامي" فينا وبيننا؟ هل نتماهى مع ذلك ونعمّقه؟ أم نعمل على تصحيح ما جرى، وإنقاذ القضية من براثن المَفارق الإقليمية، صاحبة الشهوات المُغرضة؟ وهل يتوقّف التاريخ عند لحظة ما، مهما كان ثقلها؟

إن المصلحة الوطنية العليا تدفعنا لأن نتجاوز كل المطبّات والنتوءات والعوائق، ونعضّ على جراحنا، على أسس وطنية خالصة، لأننا نحن المُمثلين الشرعيين والوحيدين لشعبنا، ولأن الثورة الفلسطينية هي الأب والراعي والمسؤول والعنوان. ثمّ إن تكريس الانقسام وبقاءه، سيؤدّي بالضرورة إلى خلق تشقّقات في هويّتنا الوطنية، وعندها سيتمّ تفتيت الهوية إلى جُزيئات وهويّات فرعية متعاكسة. بمعنى أن للانقسام تداعيات خطيرة، إذا تواصل، على غير صعيد، فالأمر لا يتوقّف عند الاختلاف السياسي، أو تشظّي مؤسسة الحُكْم، كما أنه يعطّل أي أفق سياسي محتمل. وأعتقد أن ما كنّا نفتقده قبل الحرب هو "التسخين والمقاومة السلمية الشاملة مع الاحتلال، كما عانينا من تغليب "الحُكم" على "المقاومة". أما ما نفتقده اليوم، بسبب الانقسام، هو قدرتنا "المشتّتة" على الحصاد السياسي.

ولماذا ينسى، البعض، أن العدوّ الذي عانقناه في "أوسلو" قد قتل وذبح وسلخ واستلب وصادر وحرق وحاصر واعتقل وقصف ونهب.. وما يزال؟ هل تريدون أن يبقى الانقسام؟ وما هو البديل؟ وما هي الفائدة؟ وإذا صالحنا العدوّ، ألا نُصالح أنفسنا؟

أمّا مَن ينتقى جهةً ما لانتقادها، وهو على حقّ، كما أفترض، فعليه أن يرى الصورة كاملةً، أي لا يتوقف عند جانب أو زاوية، من المشهد، ويركّز على جزء بعينه.. بمعنى أن الكثيرين يرون بأن إيران، التي تدّعي أنها قائدة محور الممانعة والمقاومة، هي نفسها مَن يحتلّ أربع عواصم عربية! فكم عاصمة تحتلّها أمريكا؟

ماشي!

فلنُكمل الجُملة، لنقول أيضاً ونسأل: كم نظام يعمل ويخضع للاحتلال الأمريكي؟ إنني أدعو إلى تقديم الصورة كاملة، بعيداً عن الانتقاء والتحيّز واللّمز. كما أسأل المنتقدين والمُشككين والمجتزئين: هل تجرّأ أحدكم على انتقاد موقف من مواقف الدولة التي يعمل على ترابها؟ طبعاً: لا! هل سألتموها: لماذا لم تسحب سفيرها أو تطرد سفير الاحتلال الذي تتعايش وتُطبّع معه؟ وإذا سلّمنا بأن إيران تتعاون مع أعدائنا، ويحقّ لنا انتقادها، فلماذا لا نجرؤ على انتقاد بعض "الأشقاء" المنبطحين أمام العمّ سام، ويتعاونون، جهاراً نهاراً مع إسرائيل؟ أيّ نفاق هذا؟! ولماذا نصمت؟ هل رَهَباً أم طمعاً!

هذا؛ لأن تضامن "هؤلاء" الكاذب مع الضحايا، هو تضامن مجانيّ غير مُكلف، ولأن ما يقولونه يريح أعصاب الأجهزة عندهم! وكيف يستوي هذا المنطق الذي يُجيز انتقاد الذبيحة، ولا ينتقد الساطور؟ ولا ينتقد كلّ الأُمّة العاجزة عن وقف العدوان، أو على الأقلّ إدخال المساعدات لشمال ووسط القطاع؟!

ولماذا لا يسأل أحدٌ منهم سبعا وخمسين دولة عربية وإسلامية، يطبّع معظمها مع دولة الاحتلال! لماذا يا اُمّتنا، ويا كلّ نُخبها ومؤسساتها وفضائياتها الموجّهة؛ لماذا تركتم الفلسطيني يواجه، وحده، إجراءات وممارسات الاحتلال ومستوطنيه النازيين، ويدافع، بصدره المكشوف، عن مقدّساتكم؟ لماذا تركتموه وحيداً، سنوات.. إلى أن انفجر في وجه قاتله؟

والآن جاء بعضكم ليحمّل الضحية، مسؤوليةَ ما حدث؟!

إن توجيه اللوم لغزّة، وتحميل المقاومين المسؤولية.. ما هو إلا تبرئة للاحتلال، ولسبع وخمسين دولة، غابت وتقاعست، وأيضا للمجتمع الدولي. وما العتب المُمضّ وتلويث غزة، إلا مبررات لغياب ألأُمّة والقانون الدولي، الذي غسّل أياديه من فلسطين. وإن كل الأصوات المنتقدة والمشككة، إنما هي تغطية لهذا التقاعس والجُبن، وتحميل الوِزْر للضحية، حتى تُبرِّأ الدولُ نفسَها، ويستريح ضميرها المُتعب الغائب، وتمنع مساءلتَها من قبل شعوبها.!

لقد غابت الجامعة العربية والقمم الإسلامية والمربّعات الأممية، وهي ترى فظاعات الاحتلال ضد فلسطين، وبقيت "شيطان أخرس"، جباناً، لا يجرؤ على قول حرف واحد، ذليلاً، لا يحرّك ساكناً، هي ومنابرها وإعلاميّوها ودبلوماسيّوها.. ثم استيقظت، فجأة، لتُحمّل الضحية جُرم ما وقع! هل تعلمون لماذا؟

 لأن غزة كاشفة! كشفت خواء الخطابات الشكلانية التنفيسيّة الخاوية، والادّعاءات السّرابية، وتدليس العناوين المُكرّسة للنقيض.. فاستنفرت كلابَها لتنبحَ على ضفاف الجثث والردم والنازحين! ومع هذا..لولا صمود أهل غزة  لما استيقظ العالم على قضيتنا، ولما خسرت إسرائيل صورة "الضحية" التي احتكرتها على مدار عقود، ولما  ظهرت باعتبارها الجزّار، الذي أغمض الغرب عينيه طويلا وهو لا يرى جرائمها المصوّحة.

وكيف لبعض الصحفيين والكَتبة، وقد أخذ على عاتقه، فقط، إدانة المقاومة، وتلويثها، وإبراز هوامش الغلط، وشنّ حرب مسعورة على "الفلسطينيين"، الذين "تآمروا" على أنفسهم، ذلك - حسب رأيه -لأنهم ظلاميون.. ويستحقون الفناء! كيف لهذا الكاره "الحريص"، الذي يلعب على كلّ الحِبال، العاري إلا من سقوطه، أن يعلم بأنه صهيونيّ بامتياز، ويستحق جائزة العار والشنار!؟ وعليه أن يدرك بأنه من غير المهم أن يُسمّي نفسه بما يشاء، لأن تسميته الحقيقية تكمن وتنبع من مواقفه وسلوكه.. وكفي بهما شاهديْن عليه. 

إن تجلّيات التباكي على ما تهدّم ومَن مات؛ تتطلّب من المتباكي أن يستنطق الصامتين، ويدين المجرمين، وينافح عن المظلومين. أما أنْ يتباكى على البنايات والناس البسطاء، ويلطم ويندب ويعدّد، ويصيح من هول الجوع والعطش والتهجير، وهو في مكانه الوثير النائي! فهو أمر مُستغرَب! لأن الذي يتباكى، الآن، لا غرض له إلا إدانة جهة بعينها، وليس لاستنهاض الهمم لإيقاف الكارثة، وحثّ مَن حوله لنجدة غزّة. ثم إن التباكي لا يكون مدفوع الأجر أو مجرّداً أو مُوَّجّهاً.. وعلى المتباكي الفعلي أن يكون في الأرض المُنتَهكة، وتحت القصف، وأمام حواجز الجنود، وبين الشظايا والرصاص المجنون، وتحت بساطير الاحتلال ليخلعها عن كتفيه، وليس تحت وطأة "الجغرافيا" البعيدة، التي تذلّه وتستلبه، وتستخدمه لمصلحة ورشة الشيطان. إن النقد المسؤول والموضوعي المتوازن، حقّ دائم، لا تثريب عليه.. بل ينبغي أن يُشهر إصبعه في وجه الخطأ، ويدعو للمراجعة والمحاسبة، ويقف في وجه الانهيارات، ويكبح التهوّر، ويصحح الخطى.. في الزمان والمكان المناسبين.

إن توجيه الاتهام لغزّة، التي تُباد، بأنها انفردت في هذا الخيار.. هو حقيقة ناقصة،

وتعمية وتغطية على فظاعات الاحتلال، فالنقد المجزوء الذي يختصر كل المشهد، ويذهب به إلى بُعدٍ واحد، سيفيد منه الاحتلال الفاشيّ، فقط. بلغة أخرى؛ ما سُلّط الضوء عليه، من بين كل ما يجري، هو "المصيبة"، فقط، التي أوقعنا بها "فصيلٌ" مغامر! ما يعني إسقاط الظلال على باقي المسائل والقضايا والأحداث، وإضاءة تلك الجزئية ، باعتبارها الأهم والأبرز والأكثر خطورة!

وكيف للمنتقدين من أبناء جلدتنا؛ أن يقدّموا الفلسطيني باعتباره متآمراً، رخيصاً، يقترف الموبقات بحقّ أهله، ويتاجر بدماء شعبه؟ ألا يعمّق هذا الكلام، مقولات شنيعة باطلة، اتّهمتنا بأننا بِعنا أرضنا لعدوّنا، وأننا مبذولون لإبليس، ومفطورون على الخيانة؟

إن كل الذي قيل؛ لا ينفي وجود كارثة مهولة كبرى حقيقية هائلة، ولا شبيه لها في التاريخ، ولا يعني أنه لا أخطاء ولا تجاوزات ولا أحداث مفزعة.. ولكن الذي يتحمّل كامل المسؤولية هو الاحتلال المجرم، أولاً، ثمّ غياب الأُمّة والمؤسسات الكونية.. فَبغيابها، تتحمّل، هي الأخرى، مسؤولية هذه الخطايا والفظاعات والمجازر والأخطاء والتجاوزات والكوارث، وتداعياتها المرعبة.

 فلا داعي لجلد الذات، أو تصفية حسابات، لم يحن أوانها.. إذ علينا أن نرفع الركام الذي انهار فوقنا.. ثمّ، بعدئذٍ، نتحاسب ونتحاكم..

 

كلمات مفتاحية::
Loading...