مقالات مختارة

عامٌ على المجزرة | عمّار جبر

 

 

 

ربما وددت أن أكتب في ظروفٍ أفضل، ظروف نعيشها في ما يسمى الشرق الأوسط الذي وسم بالجديد بعدها، في إشارة إلى تغير قواعد اللعبة والخلط المستمر لأوراقها وموازين القوى فيها، التي ما زال مسرحها المفضل بلادنا العربية، المقسمة حدودياً وسياسياً وبل طائفياً وعرقياً، وينخر في أضلعها التحزب للدين والمذهب والعرق، في تناسي مطلق أننا أمة عربية يجمعها بمراحل متقدمة أكثر مما يفرقها، ولو حددنا تلك المشاكل وأصولها سنتفق أنها أساسها سايكس بيكو وقرارات عصبة الأمم بالموافقة على منح الدول المستعمرة حق الانتداب والوصاية، ووجدنا أن إعادة بعث المارد العربي، واستنفار قدراته ليكون جبهة اقتصادية أجزم أنها ستكون موازية لمنطقة اليورو التي تشاركها العديد من دولها حوض المتوسط الذي يتفجر بالثروات التي ما زال أغلبها غير مكتشف إلى الآن.

يمر عام على بداية المجزرة، حيث أطلق المحتل الصهيوني يد زبانيته ومجرميه ومرتزقته من أبناء جلدتنا وسخروا لهذه المجزرة كل إمكانيات العدة والعتاد وماكنات إعلامية جعلت العالم يعتقد -ولو لوهلة- أن تاريخ الصراع الفلسطيني-الصهيوني لم يبدأ إلا في السابع من أكتوبر، وكاد أن يسجل في ذاكرة الجيل الجديد، لولا الموجة العارمة من المظاهرات التي غصّت بها شوارع العواصم، ولولا السلاسل البشرية والمظاهرات الطلابية التي أنارت الدرب للكثير من المغيبين عن الحقيقة أن هذا الاحتلال جاثم على صدور الفلسطينيين منذ سبع وستين عاماً، ولم تكن مجزرة غزة بكل ما حملت من إجرام ووحشية إلا إحدى صورها القاتمة، التي لم تعد ترقى فقط لجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، بل لربما يجب على محكمة العدل الدولية، صياغة مصطلحات جديدة تضاف إلى مصطلحات الحرب لوصف ما حدث وما زال يحدث، فالكلمات تعجز عن وصف المذبحة التي فاق عدد ضحاياها واحد وأربعين ألف شهيد، وهو رَقمٌ لا نستطيع إيقافه لأن العمليات الحربية لجيش الاحتلال ما زالت قائمة لتبيد المباد أصلاً وتهدم ما تبقى من الأنقاض وتحصد المزيد من الأرواح المحاصرة، عدد لا نستطيع فصله عن الضحايا المدنيين والأبرياء، التي طالتهم يد الاحتلال المجرم، في سوريَا ولبنان واليمن، فالدم الفلسطيني امتزج مرة أخرى بدماء عربية زكية، جريمتها الوحيدة أنها تناهض دولة الاحتلال.

وفي ظل اختلال ميزان القِوَى، ومواقف الدول التي تخرس كل الأصوات المعارضة لجرائم الاحتلال، نستطيع وبشكل لا لبس فيه، اكتشاف الهوة الواسعة في الضمير العالمي فهو ينظر إلى الأزمة الروسية-الأوكرانية، بعين العطف وتذليل العقبات وبحث سبل إنهاء ما يحدث، وفي النظير لا يرى الدَّم المراق على مدار عام كامل، وبل يطالب الضحية بالصبر على القتل والإبادة وإنهاء وجود عائلات بِرُمَّتها من السجل المدني، ونقص الغذاء والدواء وأبسط مقومات الحياة في منطقة جغرافية لا تتسع لعشرات الآلاف من البشر، تغص الآن بما يقارب المليونين ونيف من المواطنين العزل، التي لا تقيهم خيم الإغاثة أبسط الشظايا المتناثرة، فلا تدري بمن تستغيث وما هو المطلوب منا فلسطينياً حتى يرانا العالم ونيقظ عين العدالة النائمة، عين سهرت قِوَى عظمى لتهديد ممثليها وإجبارهم على التراجع والعدول عن قولهم جزءًا من الحقيقة المرة، حقيقة أن الهولوكوست الفلسطيني ما زال مستعراً منذ سبعةٍ وستين سنة، ولا سبيل لإخماده إلا بعودة الحق الفلسطيني المغتصب لأصحابه الشرعيين وإنهاء الاحتلال وتفكيك المستوطنات ونقل المستوطنين إلى بلدانهم الأصلية، وعودة اللاجئين إلى التراب الوطني الفلسطيني، وأن يملك العالم من الشجاعة على إنهاء هذا السرطان الذي تغلغل في فلسطين، واغتال الحياة بكل دَم بارد.

 

 

 

كلمات مفتاحية::
Loading...