مقالات مختارة

قادة إسرائيل الحاليون يُدخلون مصالحهم الشخصية في الاعتبار الوجودي لإسرائيل! | يوسي بيلين

 

 

 

في «يوم الغفران» أمسكت بي الصافرة في الفترة التي بين نهاية الصلاة وبين تلاوة الآيات. سارعت لنتانيا، لتجنيد قائمة مجال الاحتياط الدائمة لدي، وبدأت بخدمة الاحتياط التي استمرت ستة اشهر.
أصبحت راشداً، رب عائلة، وأستاذا مساعدا في الجامعة، وعضوا في أسرة تحرير صحيفة «دافار» اليومية، ومن يثق بزعمائه. الهدوء النسبي الذي نشأ منذ اتفاق وقف النار مع مصر أقنعني بان العرب لا يريدون السلام، وان غولدا مائير تستميت حقا على السلام، وان موشيه دايان هو وزير الدفاع المطلق، وان المشكلة الديمغرافية التي أزعجتني منذ نهاية حرب «الأيام الستة» ستجد حلها حين يوافق الأردنيون على ان يستعيدوا معظم الضفة الغربية (التي فقدوها بهبلهم حين ارتبطوا بالرئيس المصري جمال عبدالناصر في الحرب ضدنا).
كانت هذه حربي الثالثة، والأولى التي كنت فيها في مقر القيادة وليس في الميدان. أحد الفوارق هو أنك في الميدان اذا لم تكن ضابطا كبيرا، ببساطة لا تكون لديك فكرة حول الخطوة التالية، والى أين يأخذنا قائد الوحدة، ولا حتى ما هو الهدف التكتيكي التالي. في مقر القيادة أنت ترى الخرائط الملفوفة بالنايلون والتي يشار فيها الى منظومات القوات، وتسمع شبكات الاتصال. تنبسط الصورة أمام عينيك. هذا غبي بعض الشيء. لكن ما صدمني، قبل كل شيء، كان تحطيم نظام الاتصال الذي درجنا على استخدامه طيلة السنين. فجأة بدأ القادة، الذين كانوا حذرين في اللاسلكي، يتحدثون وكأنهم يتحدثون في هاتف مشفر. كان واضحا ان هذا الانتقال شاهد على الضائقة، وكان المضمون رهيبا – دعوات، يائسة أحيانا، للمساعدة، شتائم ومسبات بين القادة الكبار، وإحساس بخيبة أمل رهيبة من الزعماء.
من ناحيتي كان هذا وداعا حادا للفرائض التي حافظت عليها. لم اعتمر «كيبا» ولم أدعُ العالم العلماني الذي حولي للحفاظ على هذه الفرائض. ودعت بشكل حاد الكنيس ولم اعد اليه الا لغرض طقوس عائلية أو لغرض تمثيل الدولة في الشتات. لم اغفر للزعماء الذين قدّرتهم جدا قبل ذلك، واساسا غولدا مائير وموشيه دايان، حتى اليوم، اعتداد الرأي وتفويت الامكانية للوصول الى سلام مع مصر، حتى دون حاجة للحرب الرهيبة ذاتها.
لكني لم اشكّ ابداً بأن سياستهم المغلوطة كانت نتيجة اعتبارات غريبة. فلم أتصور أنه يحتمل أمر كهذا في إسرائيل. اعتقدت انهم لم يقرؤوا الخريطة على نحو سليم، وانهم كانوا واثقين جدا بحكمتهم وبتجربتهم، لكني لم اشك بدوافعهم في أنها ليست موضوعية.
الصدمة التي المّت بالدولة يوم العيد تترافق مع احساس عميق – يجد تعبيره في الاستطلاعات أيضا – في أن خطوات سياسية، تنطوي على حياة الناس، تتخذ بدوافع غريبة. فالسلوك في مسألة المخطوفين، والموقف الذي لا يحتمل من عائلاتهم، والمعارضة القاطعة لتشكيل ضروري للجنة تحقيق رسمية تخلق إحساساً عسيراً بدوافع غريبة: الوصول للادلاء بالشهادة الى المحكمة بملابس رئيس الوزراء؟ عدم عرض أي افق سياسي هو وحده يمكنه ان يضمن شراكة دول عربية في إدارة وترميم قطاع غزة؟ ضياع مكانتنا في العالم كدولة ديمقراطية تحترم القانون؟ السماح للاقتصاد بالتدهور بحجوم لم نشهدها من قبل؟ الزام الأجيال التالية بدين قومي جسيم لأجل التضحية بالقرابين في الهيكل الذي سرعان ما سيقوم؟ من الصعب أن نعرف.
ان انعدام الثقة بالقيادة الحالية أخطر من الإحساس ذاته، قبل اكثر من يوبيل من السنين، عندما فهمنا بأنه لا يوجد للثقة الزائدة بالنفس لدى الزعماء أساس، وان الثقة إياها قادتنا جميعا الى الهوة الرهيبة لحرب «يوم الغفران». لكن الزعماء إياهم نظروا الى المرآة، ومع أنهم انتصروا في الانتخابات وكان يمكنهم أن يواصلوا مناصبهم، انصرفوا عن الساحة.

 عن إسرائيل اليوم

 

 

 

 

Loading...