مقالات مختارة

ضرب إيران.. خدمة إسرائيليّة جديدة لواشنطن | حسن فحص

يبدو أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي مصرّ على استنزاف آخر فرص ابتزاز الإدارة الأميركية والرئيس جو بايدن، وأن يدفع واشنطن للتخلّي عن قفّازاتها في إدارة الصراع القائم بين بلاده وإيران، وترك المساحة التي سمحت لها أن تلعب دور الضابط لمستوى التصعيد ومنع تمدّده حتى الآن إلى حرب إقليمية شاملة مفتوحة على جميع الاحتمالات.

ويبدو أيضاً أنّ نتنياهو يحاول استدراج الإدارة الأميركية للوقوف معه في أيّ خطوة تصعيدية قد تؤدّي إلى تنفيذ عملية أو هجوم عسكري مباشر على أهداف استراتيجية وحيوية داخل الأراضي الإيرانية، أي إنّه يسعى لجرّ الولايات المتحدة لتكون شريكاً له في هذه الضربة، وأن تتحمّل جزءاً من هذه المسؤولية ولتكون على استعداد للتدخّل والتصدّي لأيّ ردّ إيراني.

يحاول نتنياهو في هذا المسعى لجرّ أميركا معه إلى الحرب مع إيران أن يوظّف الخدمات الكبيرة التي قدّمها للإدارة الأميركية لدعم طموحه في توجيه ضربة مباشرة لإيران، انطلاقاً من رؤيته التي تقوم على أنّ بقاء إيران بعيدة عن المواجهة المباشرة وعدم إجبارها على دفع ثمن دعمها للقوى المتحالفة معها والموالية لها في الإقليم سيُفشلان تنفيذ المشروع الذي يطمح له ببناء “شرق أوسط جديد”.

الاغتيالات التي قام بها نتنياهو لكبار قادة الحزب العسكريين والسياسيين، وإن كانت في إطار حربه ضدّ هذا الحزب والسعي لتدمير بنيته العسكرية والسياسية، إلا انها، من فؤاد شكر مروراً بإبراهيم عقيل وصولاً إلى الأمين العامّ للحزب، تصبّ أيضاً في مصلحة الإدارة الأميركية لجهة أنّ واشنطن تحمّل هؤلاء المسؤولية عن مقتل العديد من رعاياها، بدءاً من تفجير مبنى السفارة الأميركية في بيروت ومقرّ قوات المارينز في بيروت (تشرين الأول 1983)، وصولاً إلى آخر عملية استهدفت القواعد الأميركية في العراق وسوريا. لهذا لم تتردّد هذه الإدارة بالترحيب بهذه الاغتيالات، وقام بايدن بتحميل الأمين العام للحزب المسؤولية عن قتل الكثير من الأميركيين، في إطار تأييده الاغتيال.

من هنا يمكن فهم ما يمارسه نتنياهو داخل الحكومة الإسرائيلية، وتحديداً في موضوع زيارة وزير دفاعه يوآف غالانت للعاصمة الأميركية واشنطن. فقرار تعطيل أو تأجيل هذه الزيارة ربطه بإجراء اتّصال هاتفي بينه وبين الرئيس الأميركي يحصل خلاله على موافقة أميركية واضحة على خطّته العسكرية لتوجيه ضربة عسكرية وأمنيّة واقتصادية واستراتيجية للنظام الإيراني. وهذه محاولة ضغط على هذه الإدارة لجرّها إلى المربّع الذي يقف فيه حالياً، والذي بات يحتّم عليه الذهاب إلى هذا المستوى من التصعيد من أجل إبعاد شبح الهزيمة عن مشروعه وإخراج العملية العسكرية التي يقودها في غزة ولبنان من دائرة الفشل، وبالنتيجة الهرب من إمكانية تحميله مسؤولية الهزيمة أو الفشل، ليقلّل حجم الأثمان التي قد يدفعها.

حقّق نتنياهو ما يريده، وحصل الاتصال الهاتفي بينه وبين رئيس البيت الأبيض، ودارت المباحثات بين الرجلين حول ما يجري في فلسطين ولبنان، مع أولوية محورية تتعلّق بقرار توجيه ضربة للنظام الإيراني، الذي يريده نتنياهو ولا يعارضه بايدن وإدارته والدولة العميقة. فهذه المجموعة التي تدير القرار الأميركي سبق أن أعطت الضوء الأخضر لإمكانية القبول بمثل هذه الخطوة عندما أعطت نتنياهو وإسرائيل “الحقّ في الدفاع عن النفس” بعد الهجوم الصاروخي الواسع بنحو 200 صاروخ بالستي على العمق الاستراتيجي الإسرائيلي الذي قامت به طهران.

على الرغم من إمكان أن تسهم الضربة الإسرائيلية المفترضة لإيران إلى إحداث تغيير جذري في عقيدتها التسليحية والسياسية قد يدفع إيران إلى أن تعلن انسحابها من معاهدة الحدّ من انتشار أسلحة الدمار الشامل وطرد أو وقف عمل مفتّشي الوكالة الدولية والقيام بأوّل اختبار لتفجير نووي، وهو ما قد يمهّد الطريق لإعلان تحوّلها إلى دولة ذات قدرات تسليحية نووية. وهو تحوّل يبدو أنّ الأميركي على استعداد للتعايش معه في المستقبل، إلا أنّه يراهن على تحويل إيران في المنطقة إلى مثال جديد لجمهورية كوريا الشمالية المعزولة والمحاصرة والمشغولة بأزماتها الداخلية والاقتصادية، بحيث تكون غير قادرة على توظيف مواردها وصرفها على دعم حلفائها في الإقليم، فيتراجع نفوذها وتأثيرها على المعادلات الإقليمية.

في المقابل، تذهب رهانات نتنياهو إلى أبعد ممّا لدى الأميركي، وطموحاته تتجاوز أيضاً ما لدى واشنطن. فهو لا يريد أو غير قادر على التعايش مع أيّ صيغة مخفّفة للنظام الإيراني باعتبار هذا النظام ومشروعه هما النقيض النوعيّ لمشروع إسرائيل الكبرى، الذي يريد تأسيسه ورفع خريطته من على منبر الأمم المتحدة، ووضع المنطقة ودولها أمام واحد من خيارين: إمّا أن تكون في “المحور المبارك” أو يخضعوا أمام “محور الشرّ” الذي تقوده إيران.

كان نتنياهو واضحاً من اليوم الأوّل لعملية طوفان الأقصى، عندما حمّل طهران المسؤولية المباشرة عن العملية التي قامت بها حركة حماس وما أدّت إليه من نتائج. واعتبر يومها أنّ الردّ على هذه العملية يجب أن يبدأ بضرب الرأس الكامن في طهران، فيسهل القضاء على أذرعه الإقليمية وإنهاؤها والتخلّص من أيّ تهديد مستقبلي قد تشكّله، أي أنّ ضرب طهران يسهم في إعادة إيران إلى داخل حدودها وجعلها مشغولة بنفسها وأزماتها، وبالتالي تحويلها إلى دولة غير قادرة على اللعب بالمعادلات الإقليمية والتأثير عليها وفيها.

هذا الجدل الأميركي الإسرائيلي المتعلّق بتوجيه ضربة لطهران وحدودها وطبيعتها، شكّل محور اهتمام الأوساط الإيرانية على مختلف المستويات. فالمرشد الإيراني في خطابه باللغة العربية في صلاة الجمعة التي أطلق عليها “جمعة النصر”، كان واضحاً في ترسيم عمق الأزمة بين طهران وواشنطن، باعتبار أميركا المحرّك والمستفيد الأوّل ممّا تقوم به إسرائيل في المنطقة. وذلك عندما تحدّث عن مشروع تحويل إسرائيل إلى نقطة أو محطة محورية لكلّ صادرات النفط ومصادر الطاقة في الشرق الأوسط وآسيا باتجاه الغرب من جهة، وممرّ أو معبر لكلّ الصادرات الغربية من غذاء وتكنولوجيا إلى الشرق الأوسط وآسيا من جهة أخرى. وأكّد المرشد أنّ إيران لن تسمح بأيّ شكل لهذا المشروع أن يتحقّق لأنّه يشكّل تهديداً لمصالحها الاستراتيجية والقومية والجيوقتصادية، خاصة أنّه يأتي ترجمة عملية لممرّ “الهند – أوروبا”، الذي أقرّ في قمّة دول العشرين الذي استضافته العاصمة الهندية نيودلهي في أيلول 2023.

من ناحية أخرى انشغلت الأوساط العسكرية الإيرانية في تقدير تداعيات أيّ هجوم إسرائيلي على إيران. وقد سيطرت على هذه المواقف حالة من تضخيم القدرات التي تملكها طهران، والتي تستطيع توجيه آلاف الصواريخ خلال دقائق إلى العمق الإسرائيلي وتدمير كلّ مقوّمات الحياة الاقتصادية والعسكرية التي يملكها.

لم يقتصر الحديث عن قدرات إيران على ما قد تستخدمه ضدّ إسرائيل، بل وصل الأمر ببعض القيادات العسكرية حدّ الحديث عن “خوف” أميركي من الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران لأنّها قادرة على توجيه ضربات قاسية للمصالح الأميركية في كلّ منطقة غرب آسيا. وهذه النشوة وهذا الإحساس بفائض القوة دفعا المؤسّسة العسكرية إلى تحذير كلّ دول الخليج العربية من مغبّة تسهيل الأمور أمام الإسرائيلي في أيّ عملية ضدّ إيران، وإلى توجيه تهديد مباشر لها بأنّ طهران ستردّ عليها كلّها حتى لو كان التعاون صادراً عن إحدى هذه الدول.

 

عن موقع أساس

Loading...