فلسطينيو الداخل أشجار الصبار في مواجهة الاحتلال

مواطنون عرب أمام منزلهم المهدم في قلنسوة

 

 

 

فلسطينيو الداخل هو النعت الحقيقي للفلسطينيين، الذين بقوا تحت الحكم الإسرائيلي بعد نكبة عام 48؛ وقد عمدت إسرائيل إلى قطع اتصالهم مع محيطهم الفلسطيني والعربي، وحاولت في الوقت نفسه استيعابهم ودمجهم في المجتمع الإسرائيلي، ولكن على هامشه في كل مناحي الحياة، كما طبقت المؤسسات الإسرائيلية سياسات محكمة لطمس الهوية العربية عبر تفتيتها، فحاولت جعل الدروز والشركس قومياتٍ منفصلة، وفرضت عليهم الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي منذ عام 1958، وحاولت التفريق بين العرب المسلمين والمسيحيين، فضلاً عن تقسيم المسيحيين إلى طوائف شرقية وغربية.

 درب الآلام والنهوض

مرّ فلسطينيو الداخل تحت حكم دولة الأبارتهايد بعدة فترات تهويدية إجلائية بين عامي 1948 و2024، وأشير إلى الفترة الأولى (1948- 1966) بأنها فترة الحكم العسكري الأخطر، نظراً لكثرة الإجراءات والقوانين العسكرية، فتم خلالها إصدار السلطات الإسرائيلية (34) قانوناً بغرض مصادرة الأراضي العربية الفلسطينية، سواء التي تعود ملكيتها إلى اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، أو إلى أصحابها الموجودين في إسرائيل الحاضرين الغائبين الذين يقطنون في قرى ومدن غير التي طردوا منها، وتوالت السياسات الإسرائيلية لمصادرة مزيد من الأراضي العربية، وبلغت المصادرة أوجها في نهاية آذار / مارس 1976 حين صادرت المؤسسة الإسرائيلية نحو 21 ألف دونم من أراضي قرى سخنين وعرابة وغيرها من القرى في الجليل والمثلث. وعلى خلفية ذلك، قام فلسطينيو الداخل بانتفاضة يوم الأرض في 30 آذار (مارس) من عام 1976، وسقط خلالها ستة شهداء من هذه القرى كما أسلفنا، وأصبح هذا اليوم يوماً وطنياً في حياة الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده في الداخل والشتات، فتتجسد في اليوم المذكور الوحدة الوطنية الفلسطينية دفاعاً عن عروبة الأرض، وضد أن تصادرها سلطات الاحتلال. على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة وسبعين عاماً على إنشاء إسرائيل، لم تستطع مؤسساتها فرض الواقع الديمغرافي الصهيوني بشكل مطلق، حيث يشكل فلسطينيو الداخل نحو 20 في المائة من إجمالي سكان إسرائيل، أي مليون وخمسمائة ألف فلسطيني، ناهيك عن أن العرب أصحاب الأرض هم أكثرية في منطقة الجليل. ولم تتوقف السياسات التهويدية الإسرائيلية ولو للحظة، وقد شهد العقد الأخير نشاطات استيطانية كثيفة في كل أراضي فلسطين التاريخية، سواء في منطقة الجليل أو منطقة النقب أو في الضفة الغربية بما فيها القدس التي تواجه نشاطاً استيطانياً محموماً، وخصوصاً في الأحياء العربية، بغرض تهويدها وفرض الأمر الواقع الإسرائيلي عليها.

الافقار والتهميش

 تتبع إسرائيل سياسة الافقار والتهميش إزاء عرب الداخل الفلسطيني بغرض تكريس تبعيتهم الاقتصادية، والقيام بعملية التطهير العرقي في نهاية المطاف. ومن الملاحظ أنه على الرغم من مرور أكثر من ستة وسبعين عاماً على إنشاء إسرائيل، لم تستطع مؤسساتها فرض الواقع الديمغرافي الصهيوني بشكل مطلق، حيث يشكل فلسطينيو الداخل نحو 20 في المائة من إجمالي سكان إسرائيل، أي مليون وخمسمائة ألف فلسطيني، ناهيك عن أن العرب أصحاب الأرض هم أكثرية في منطقة الجليل. ولكن في مقابل ذلك، وتبعاً لمصادرة جيش الاحتلال الأراضي العربية بذرائع الأمن، فإن الفلسطينيين، وعلى الرغم من ارتفاع مجموعهم من 151 ألفاً عام 1948 إلى نحو مليون وخمسمائة ألف عربي فلسطيني، فإنهم لا يملكون سوى ثلاثة في المائة من الأراضي التي أنشئت عليها إسرائيل. ولهذا ثمة ضغوط إسرائيلية مدروسة كثيفة ومتشعبة على فلسطيني الداخل، لتحقيق الهدف الديمغرافي، بعد مصادرة المساحة الكبرى من الأرض الفلسطينية، وقد أدى ذلك إلى تفاقم معاناتها، فبينما لا تتعدى معدلات البطالة بين اليهود في سوق العمل الإسرائيلي تسعة في المائة، ارتفعت معدلات البطالة بين العرب إلى أكثر من 25 في المائة خلال السنوات الأخيرة. وبسبب ضعف الخيارات، يرتاد 44 في المائة من الأطفال العرب رياض الأطفال، في مقابل 95 في المائة للأطفال الصهاينة في سن ثلاث سنوات. ويعاني أكثر من ربع الأطفال العرب داخل الخط الأخضر من ظاهرة الفقر المدقع؛ ووصلت معدلات الفقر بين فلسطيني الداخل إلى 54 في المائة؛ في وقت لا يتعدى دخل العربي 40 في المائة من دخل الإسرائيلي؛ ونتيجة للتمييز في موازنات التعليم، ارتفعت معدلات الأمية بين العرب إلى 12 في المائة مقابل خمسة في المائة بين التجمع الصهيوني الاستيطاني. وبغرض الإخلال بالوضع الديمغرافي لصالح الرؤى الإسرائيلية، وضعت السلطات الإسرائيلية مخططاتٍ لتهويد الجليل والنقب، لكسر التركز العربي في المنطقتين، عبر مسميات مختلفة، في مقدمتها ما تسمى مشاريع التطوير. ولم تنحصر سياسات إسرائيل العنصرية بمجال محدد، بل تعدت ذلك لتشمل مناحي الحياة كافة لفلسطيني الداخل، حيث أصدرت إسرائيل قوانين جائرة لتغيير مناهج التعليم العربية وحذف المواد المتعلقة بالتاريخ الفلسطيني والإسلامي وإجبار فلسطينيي الداخل على الالتزام بالمناهج الإسرائيلية.

رزمة قوانين عنصرية

 فضلاً عن فرض الضرائب الباهظة عليهم بنسبة أعلى من نظرائهم الصهاينة، تمّ إصدار رزمة من القوانين العنصرية خلال العقدين الأخيرين، وكان أخطرها قانون القومية؛ فضلاً عن ذلك تضمنت حملات الانتخابات الإسرائيلية على الدوام شعارات وخطابات، دعت بمجملها إلى تهميش فلسطينيي الداخل في المجالات كافة، وأبعد من ذلك طالب زعماء الأحزاب الإسرائيلية وفي مقدمتهم افيغدور ليبرمان رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" إلى طرد فلسطيني الداخل من وطنهم. يبقى القول بأن فلسطينيي الداخل شاركوا وبقوة بكافة مراحل الكفاح الوطني الفلسطيني منذ عام 1948، في وقت يواجهون سياسات إسرائيل العنصرية التهويدية؛ وهم بذلك؛ أي فلسطينيو الداخل جزء هام وفعال من الشعب الفلسطيني؛ رغم فرض الجنسية الإسرائيلية عليهم وسياسة كم الأفواه منذ العدوان المستمر على قطاع غزة والضفة الغربية في تشرين الأول / أكتوبر من العام المنصرم 2023، لكن رغم  اعتقال عدد كبير من فلسطيني الداخل بسبب تضامنهم مع أهلهم في قطاع والضفة الغربية لم تتوقف الوقفات التضامنية وسبل الدعم المختلفة، وهم بذلك أي فلسطينيو الداخل بمثابة أشجار الصبار في مواجهة المحتل الإسرائيلي.
 

 


 

كلمات مفتاحية::
Loading...