يقدّر مسؤولون كبار في المنظومة الأمنية أن الحكومة لا تضغط في اتجاه التقدم في صفقة تبادُل الأسرى، وأن المستوى السياسي يدفع في اتجاه ضم زاحف لأجزاء كبيرة من قطاع غزة، بدلاً من إنهاء الحرب وإعادة الأسرى. يقول هؤلاء المسؤولون في المحادثات المغلقة، إن فرص التوصل إلى اتفاق بشأن الصفقة تبدو ضئيلة حالياً، ويرجع ذلك، جزئياً، إلى أن المفاوضات بشأن الصفقة توقفت منذ فترة، ولم تُجرَ محادثات بهذا الشأن مع جهات دولية. ويضيفون، إنه لم يُجرَ أيّ نقاش بين المستوى السياسي وكبار المسؤولين في المنظومة الأمنية بشأن وضع الأسرى منذ ذلك الحين.
وأفاد ضباط ميدانيون تحدثوا مع "هآرتس" بأن قرار الانتقال إلى العمل في شمال القطاع اتُّخذ من دون نقاش معمّق، ويبدو أن هذه الخطوة تهدف بشكل رئيسي إلى الضغط على سكان غزة، الذين يُطلب منهم، مرة أُخرى، الانتقال من المنطقة إلى ساحل القطاع مع اقتراب فصل الشتاء. من غير المستبعد أن يكون ما يتم تنفيذه حالياً تمهيداً لقرار صادر عن المستوى السياسي بشأن تحضير شمال القطاع لتنفيذ خطة الحصار والتجويع التي طرحها اللواء المتقاعد، غيورا آيلاند، والتي بموجبها يتم إجلاء جميع سكان شمال القطاع إلى المناطق الإنسانية في جنوبه، ومَن يختر البقاء في شمال القطاع يُعتبر ناشطاً في حركة حماس، ويُسمح بمهاجمته. بالإضافة إلى ذلك، وبينما سيحصل سكان جنوب القطاع على مساعدات إنسانية، سيتم تجويع سكان شمال القطاع، إذا قرروا البقاء هناك. وأوضح كبار المسؤولين في المنظومة الأمنية، الذين طُلب منهم الرد على الخطة التي قدمها آيلاند، أن الخطة لا تتوافق مع القانون الدولي، وأن احتمال دعم الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لها ضئيل للغاية، كما أنها ستضرّ بشرعية استمرار القتال في غزة على الساحة الدولية.
يتحضر الجيش الإسرائيلي لمناورة واسعة النطاق في شمال القطاع، بعد فشل المحادثات بشأن صفقة تبادُل الأسرى، وذلك بهدف الضغط على حركة حماس من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات، لكن في النهاية اتُّخذ قرار تحويل تركيز القتال إلى الحدود الشمالية. طُلب من الفرقة 162، التي بقيت في جنوب القطاع، الاستعداد لعملية واسعة النطاق في جباليا الواقعة في شمال القطاع، على الرغم من عدم وجود معلومات استخباراتية تبرر ذلك. بالإضافة إلى ذلك، لم يكن هناك إجماع بين كبار المسؤولين في المنظومة الأمنية على ضرورة اتخاذ هذه الخطوة، وكان هناك مَن اعتقد في الجيش الإسرائيلي و"الشاباك" أن هذه العملية تعرّض حياة الأسرى للخطر. وتحدثت مصادر مع "هآرتس" أفادت بأن الجنود الذين دخلوا إلى جباليا لم يواجهوا مقاتلين من حركة حماس، وجهاً لوجه. أمّا مَن قاد هذه العملية فكان قائد الجبهة الجنوبية، اللواء يارون فينكلمان، استعداداً لذكرى مرور عام على الحرب.
أوضح الجيش الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة أن العمليات البرية في القطاع تعرّض حياة الأسرى للخطر، وخصوصاً بعد العثور على ستة أسرى قتلى، أُطلقت عليهم النار، بعد اقتراب القوات من المكان الذي كانوا محتجزين فيه. كما نُشر مؤخراً أن "حماس" أصدرت أوامر لعناصرها بمنع أيّ عمليات إنقاذ للأسرى بأيّ ثمن، و"تنفيذ إعدام الأسرى" في حال اقترب الجيش من المنطقة.
ووفقاً لتقديرات أجهزة الاستخبارات، يوجد في شمال القطاع نحو 4000 غزّي تم تشخيصهم كعناصر في حركة حماس، قبل الحرب، ويُعتقد أن عدد هؤلاء أكبر في جنوب القطاع، في حين تشير التقديرات إلى أنه على الرغم من تضرُّر لواء رفح في كتائب القسّام، وتوقُّفه عن العمل كإطار عسكري، فإن العديد من المسلحين غادروا منطقة القتال، قبل دخول قوات الجيش الإسرائيلي. كما تؤكد هذه المصادر أيضاً أن هناك عناصر إضافية من حركة حماس يعملون في مخيمات وسط القطاع، حيث لم يعمل الجيش الإسرائيلي حتى الآن.
تسيطر حركة حماس بشدة على جميع المجالات المدنية في قطاع غزة. وطرحت المنظومة الأمنية الإسرائيلية على المستوى السياسي الإسرائيلي مسألة الحاجة إلى توفير مسؤولية دولية على القطاع، لكن الأخير رفض، حتى الآن، جميع الاقتراحات التي قدمها كبار المسؤولين في المنظومة الأمنية. قامت حركة حماس بإنشاء وحدة شرطية تُسمى "قوة سهم"، تتكون من عدة مئات من الناشطين، وتعمل ضد مَن يحاول زعزعة حُكم "حماس" في القطاع. من وجهة نظر "حماس" فإن أكبر ضغط على قيادة الحركة هي الحالة المدنية الصعبة في القطاع، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى انتفاضة يقوم بها المدنيون. ومع ذلك، وبعد مرور عام على الحرب، يعتقد كثيرون من سكان غزة أن "حماس" ستستمر في السيطرة حتى ما بعد الحرب، ولذلك يخشون من إطلاق تصريحات علنية ضدها. كما تحاول "حماس" منع السكان من التنقل من مكان إلى آخر، بناءً على تعليمات الجيش الإسرائيلي. وعلى الرغم من مطالب "حماس"، فإن المدنيين، في معظمهم، يغادرون خوفاً على حياتهم. ومع ذلك، بعد أن هُجّروا من منازلهم عدة مرات خلال العام الماضي أصبح مزيد من السكان مستعداً للمخاطرة والبقاء في مناطق القتال.
ترى المنظومة الأمنية أن حُكم "حماس" في القطاع يشكل تحدياً أكثر تعقيداً من نشاط جناحها العسكري. ويشير كبار المسؤولين إلى أنه على الرغم من تعرُّض الجناح العسكري لضربات قاسية، فإن "حماس" لا تزال هي السلطة الوحيدة في المجالات المدنية. وبحسب هؤلاء المسؤولين، فإن اعتماد السكان على "حماس" ازداد جزئياً، لأن المساعدات الإنسانية تصل إلى يد الحركة، وهي المسؤولة عن توزيعها على الأرض. هناك سبب آخر كامن في أن كثيرين يسعون للعمل مع الحركة لكسب رزقهم، حتى لو لم يؤمنوا بمسارها أو يدعموه.
عن "هآرتس"