يسير الغزو البري الإسرائيلي لجنوب لبنان حتى الآن وفقاً للخطط. يسيطر الجيش الإسرائيلي على قرى ومناطق معقدة في قطاع يبلغ عدة كيلومترات وراء الجدار الحدودي، ويدمر منشآت عسكرية ومخازن سلاح لـ"حزب الله"، ويواصل إلى القرى التالية. المقاومة التي يبديها "حزب الله" الآن محدودة. وقد بدأت منظومة نيرانه تتعافى وتطلق مئات القذائف كل يوم نحو مستوطنات الشمال. أول من أمس، نجح "حزب الله" في إدخال مُسيرة إلى قاعدة للواء غولاني قرب بنيامينا وتفجيرها والتسبب بمقتل أربعة جنود وحوالى 60 مصابا. ولكن قوات الجيش الإسرائيلي التي تعمل داخل المنطقة لا تواجه حتى الآن صعوبات حقيقية في التقدم.
يبدو أن هذه ظروف يمكن أن تتطبع إسرائيل إلى اتفاق سياسي جديد، بوساطة الولايات المتحدة والأمم المتحدة، ومحاولة إنهاء الحرب في الشمال خلال بضعة أسابيع. من المشكوك فيه أن هذا ما سيحدث بالفعل. في الفترة الأخيرة، بدأ الجيش الإسرائيلي في إدخال مراسلين لزيارات قصيرة في القرى ومواقع لـ"حزب الله"، عمل فيها الحزب قرب الجدار. أُعدت هذه المواقع لتكون نقطة انطلاق لـ"حزب الله" قبل هجوم مفاجئ لقوات الرضوان إلى داخل أراضي إسرائيل. قرار "حماس" القيام بهجوم مستقل للمواقع ومستوطنات غلاف غزة في 7 تشرين الأول الماضي، في الحقيقة حرق لـ"حزب الله" خطته التي اعدها لسنوات كثيرة.
ولكن ما يتبين الآن يكشف أن حجم التهديد الذي تم إعداده في الشمال كان اكثر خطورة حتى مما طبق في الجنوب. خلال سنوات، جمع الجيش الإسرائيلي معلومات عن منظومات "حزب الله" واستعد لمواجهة معه (كما تم الإثبات في الهجمات التي تضرر فيها جزء كبير من منظومات "حزب الله")، لكن في الوقت ذاته، اهتم قادة الجيش أيضا بتهدئة المخاوف التي اظهرها السكان على طول الحدود الشمالية، سواء بخصوص الأنفاق التي توجد تحت الحدود أو بخصوص حجم الاستعداد المسبق لـ"حزب الله". الآن، من المرجح القول، إن رؤساء المجالس المحلية وسكانها سيطلبون من الجيش الاستمرار في السير إلى داخل لبنان، إلى عمق المنطقة من اجل إزالة أخطار أخرى، وإلا فإنه سيكون هناك خوف من أنه خلف منطقة القرى التي سيتم تدميرها ينتظرنا تهديد آخر، المزيد من الصواريخ المضادة للدروع بمدى 10 كيلومترات وحتى قذائف كاتيوشا قصيرة المدى والمزيد من قواعد قوات "الرضوان".
من المثير للاهتمام أنه حتى الولايات المتحدة لا تضغط في الوقت الحالي على إسرائيل للإسراع في إنهاء المعركة في لبنان. الإدارة الأميركية، التي حاولت حتى اغتيال رئيس "حزب الله"، حسن نصر الله، فرض وقف فوري لإطلاق النار على الطرفين، يبدو أنها توصلت إلى استنتاج بأنه سيكون من الصعب الآن إملاء خطوة مشابهة. يبدو أنهم أيضا في واشنطن يلاحظون إمكانية هز المنظومة السياسية في لبنان بشكل يقلص المكانة الثابتة لـ"حزب الله"، التي حظي بها في العقد الأخير في قوة ذراعه العسكرية.
كل ذلك يخدم بالطبع حلم الحرب الأبدية لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو. تقريباً بعد شهر على هجوم البيجرات في لبنان يبدو أن وسائل الإعلام في إسرائيل تنبأت بوضع يتم فيه استهداف ثلث أراضي الدولة كل يوم بالصواريخ والقذائف والنيران، ولا أحد ينبس ببنت شفة أو يحتج. المفتش العام للشرطة، داني ليفي، قال في الأسبوع الماضي بعد عملية دموية في الخضيرة، إن هذه الهجمات هي في الحقيقة أمر محتم. كذا فإن الحكومة تنوي أن يتعود الجمهور أيضا على إطلاق الصواريخ، الذي لم يعد أي أحد تقريبا يتساءل متى سيتم إنهاؤه.
تسليم مشابه مع ما يتم عرضه كأمر واقعي يحدث أيضا في موضوع المخطوفين. خلق نتنياهو أزمات بشكل متعمد خلال اشهر الشتاء والربيع في كل مرة ظهر فيها تقدم محتمل في الاتصالات لعقد الصفقة. بعد ذلك عادت "حماس" ووضعت صعوبات. الآن حيث لبنان يحتل معظم الاهتمام الجماهيري والسياسي- في الوقت ذاته تعد إسرائيل بالانتقام من ايران بسبب هجوم الصواريخ البالستية في 1 تشرين الأول – فإن قضية المخطوفين تم كنسها تحت الأجندة. لم يعد هناك أي تظاهر بأن العملية العنيفة في شمال القطاع، التي تركزت في جباليا، تهدف إلى تحرير المزيد من الرهائن. وبعد قتل المخطوفين الستة على يد حراسهم في رفح فإنه من الواضح أن "حماس" ستنفذ بشكل وحشي أمر إعدام المخطوفين كلما تم الكشف عن محاولة إنقاذ إسرائيلية.
في المقابل، حسب التقارير من القطاع فإنه تجري حملة تدمير للجيش الإسرائيلي في جباليا، حيث توجد في الخلفية خطط لطرد السكان الفلسطينيين من شمال القطاع إلى جنوبه. حتى الآن يرفض الغزيون العمل وفقا للضغوط الإسرائيلية، ويبدو أنه لا توجد أي حركة نحو الجنوب إلى خلف ممر نتساريم. ولكن الاحتكاك العسكري هناك يستمر ويحصل على اهتمام ضئيل على خلفية الأحداث الأخيرة في الساحة اللبنانية والإيرانية. لن يتراجع الجناح اليميني المتطرف في الحكومة عن خطة السيطرة على المساعدات الإنسانية للقطاع ونقلها من المؤسسات الدولية إلى جهات أخرى. الجيش الإسرائيلي غير معني كليا بتحمل هذه المهمة الصعبة. الآن، وبعد شهر ونصف الشهر تقريبا، وافق نتنياهو على فحص "مشروع ريادي"، يدفع به وزراء الصهيونية الدينية، لنقل إرساليات المساعدات إلى يد مقاول فرعي، شركة أميركية.
توسيع الائتلاف بعد انضمام ساعر وقائمته والتحالف الوثيق مع أحزاب اليمين المتطرف يعطي نتنياهو الاستقرار السياسي، ويدفع قدما في ظله بالمزيد من الأفكار الخطيرة، التي ستعمق غرق إسرائيل في الحرب، ويتوقع أن تورطها في مشكلات أخرى. في الساحة السياسية يحاول الائتلاف، الآن، الدفع قدما بقانون يضمن السيطرة على لجنة التحقيق التي ستفحص إخفاقات الحرب وإبعاد ممثلي المحكمة العليا عنها. وحتى بخصوص ما يحدث في الجيش الإسرائيلي فإن نتنياهو ومحيطه، واليمين المتدين، عادوا إلى التنقيب في تعيين وترقية جنرالات. يحدث هذا مع الاهتمام المتزايد بتعيين رئيس الأركان القادم في محاولة لتشديد القبضة السياسية على هيئة الأركان وضمان نمو جيل جديد من الضباط الذين سيتم عرضهم بأنهم شجعان وجريئون، وعمليا يتميزون بالأساس بالخضوع للتوجيهات الجامحة للحكومة.
عن "هآرتس"