مقالات مختارة

نشر وثائق «حماس» في الولايات المتحدة: الهدف تعزيز قوة نتنياهو | ألوف بن

 

 

 

سلّمت إسرائيل أكبر صحيفتين في الولايات المتحدة، «نيويورك تايمز» و»واشنطن بوست»، وثائق قيادة «حماس»، حيث نشرتاها في نهاية الأسبوع. تدل هذه الوثائق على سعي زعيم «حماس» في غزة، يحيى السنوار، لانهيار إسرائيل، بمساعدة «حزب الله» وإيران، من خلال هجوم مفاجئ ومنسّق، وعلى أفكار أقل تماسكاً بشأن تدمير أبراج أفيف وعزرائيل القريبين من «الكرياه» (مقر قيادة هيئة الأركان العامة للجيش) في تل أبيب.
يُعتبر أسلوب تسريب وثائق العدو من أجل التأثير في الرأي العام الدولي، وفي مواقف الحكومات الأجنبية، تكتيكاً معروفاً منذ الحربين العالميتين الأولى والثانية. ما الذي يمكن أن تستفيد منه إسرائيل من خلال نشر هذه الوثائق، بعد أشهر من الحصول عليها، من خلال عمل صحافي مُنهك قام به صحافيون أجانب، وليس من خلال عملية من أجل التأثير في الوعي الإسرائيلي؟ وخصوصاً أن هذه الوثائق نُشرت في صحف أميركية ليبرالية مقربة من إدارة بايدن وتتخذ موقفاً نقدياً من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ولم تُنشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية، أو في قنوات يمينية في الولايات المتحدة.
وبسبب الانتقادات الحادة الموجهة إلى نتنياهو جرّاء القتل والدمار اللذين يقوم بهما الجيش الإسرائيلي في غزة ولبنان، تتمتع «نيويورك تايمز» و»واشنطن بوست» بصدقية كبيرة عندما تتبنيان السردية الإسرائيلية. إن إعطاء الوثائق لعاميت سيغيل ونير دفوري (صحافييْن إسرائيلييْن مقربيْن من السلطة والجيش) كان سيجلب لهما نسبة كبيرة من القرّاء في إسرائيل، لكن تأثير ذلك في العالم هو صفر. أيضاً سيبدو نشر هذه الوثائق في «فوكس نيوز»، أو في «وول ستريت جورنال» عملاً إسرائيلياً دعائياً، وليس تحقيقاً صحافياً مشروعاً. ومن المفهوم أن النشر في خارج إسرائيل يجري نقله فوراً عبر كل القنوات والمواقع الصحافية في إسرائيل، ويؤثر في جدول الأعمال هنا.
يمكن معرفة مصدر التقارير في الصحف الأميركية من عدد الرسائل التي يسرّ إسرائيل كيّ الوعي الدولي بوساطتها، حتى لو لم تكن القدس بالتأكيد هي مَن بادرت إلى نشر الوثائق. 
أولاً؛ إن إيران كانت على علم بخطة السنوار بشأن غزو إسرائيل، حتى لو لم تكن تعرف التوقيت (أيّد الإيرانيون هجوم «حماس» لاحقاً، لكنهم أنكروا أن يكونوا شركاء).
ثانياً، إن «حماس» هي «تنظيم القاعدة»، وأرادت تفجير أبراج تحتوي على مكاتب على رؤوس سكانها.
ثالثاً، إن هدف حرب السنوار كان احتلال وانهيار إسرائيل، وليس فقط مستوطنات «غلاف غزة»، أو قواعد الجيش الإسرائيلي هناك.
من المفترض أن ترسّخ وثائق «حماس» ادّعاء نتنياهو أن إسرائيل لا تحارب حركة تحرير للشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال، أو تحارب تنظيماً نصف عسكري محدود الميزانية والمؤهلات من دون طائرات وقبة حديدية ودبابات ومدفعية، مثلما هو سائد في الأوساط الليبرالية في الغرب. بل إن الادّعاء أن إسرائيل تحارب «محور الشر» الذي تقوده إيران، والذي يهدد بالقضاء على الثقافة الغربية كلها، وليس فقط على الدولة اليهودية الصغيرة التي لا تتمتع بشعبية. وفي الحقيقة، أرادت «حماس» استخدام العربات التي تجر الخيول، تماماً مثلما فعل قدماء الفلسطينيين الذين خرجوا من غزة لمحاربة بني إسرائيل، إلى أن اصطدموا بشمشون الجبار. إنها «حرب البرابرة» ضد «الثقافة اليهودية – المسيحية».
انطلاقاً من هذه الروحية، من المفترض أن تبرر الوثائق أيضاً الهجوم الإسرائيلي المضاد الذي يتسبب بقتل ودمار هائلَين في غزة، وبحجم أكبر في لبنان أيضاً. فمن أعطى الوثائق للنشر أراد أن يقنع صنّاع القرار والرأي العام الغربي بأن الجيش الإسرائيلي لا يعاقب الفلسطينيين واللبنانيين العزّل، بل ينقذ إسرائيل من الإبادة. لذلك، ثمة مبرر لأسلوب القتال الإسرائيلي: طرد السكان، احتلال بلدات وقرى، هدم منازل وبنى تحتية، وإعداد الميدان للضم والمستوطنات المستقبلية (في هذه المرحلة في غزة فقط)، والتخلي عن إعادة المخطوفين المرتبطة بوقف إطلاق النار والانسحاب.
وكالعادة على الدوام، تعتمد السياسة الخارجية على السياسة الداخلية وتعززها. وتدل محاضر قيادة السنوار على خطة لمهاجمة إسرائيل منذ سنة 2022، في أيام «حكومة التغيير»، وجرى تأجيل تحقيقها بسبب مساعي السنوار لتجنيد «حزب الله» وإيران للعمل معاً. سيعتبر نتنياهو والمؤيدون له أن «حماس» أرادت تدمير إسرائيل في فترة حكومة بينيت ولابيد، لذلك، هما المسؤولان عن ذلك، لكن تباطؤ إيران و»حزب الله» دفع بالكارثة إلى أيام حكومة نتنياهو.
لكن إذا واصلنا القراءة، نكتشف أن وثائق السنوار، تحديداً، ترسّخ ذنب نتنياهو ومسؤوليته عن «مذبحة» 7 تشرين الأول. وهي تُظهر أن سياسة نتنياهو، بعد عودته إلى السلطة، هي التي دفعت «حماس» إلى خوض الحرب وحدها، من دون انتظار «حزب الله» والإيرانيين. لم يكن السنوار مهتماً بالانقلاب الدستوري، ولا باحتجاجات الطيارين وأخوة في السلاح. لقد رأى من قيادته في غزة ازدياد الوجود اليهودي في الأقصى، والاتصالات بهدف تطبيع العلاقات مع السعودية، وقرر التحرك لوقف المسارَين، قبل أن تستكمل إسرائيل تطوير منظومة الليزر الاعتراضية للصواريخ.
وهكذا يتبين لنا أن سياسة نتنياهو حيال الفلسطينيين، وليس حيال المحكمة العليا، هي التي كانت الدافع المركزي للكارثة.

عن «هآرتس»

 

 

 

 

Loading...