منذ نشأتها تدعي إسرائيل أنها تعيش في محيط معادي وأن كل ما تقوم به من ضربات استباقية عبر تاريخها الذي شارف على النهاية مرتبط بضمان أمنها منطلقة من نصوص دينية الدين منها براء، ومفادها أن استشعرت خطراً قد يصيبك مستقبلاً من جنين في رحم أمه من الأغيار اقتله دون وجل، لكن الحقيقة غير ذلك، فالنصوص ذاتها التي تتحدث عن إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات والتي لا يتوانى زعماء إسرائيل من طرحها تلميحاً حيناً وتصريحاً في أحيان كثيرة ومن على كل المنابر بما في ذلك منابر الأمم المتحدة.
من اليوم الأول عندما أعطى من لا يملك وطناً لمن لا يستحق وهذا الكيان يمارس كل أشكال العدوان على جيرانه بدأ عدوانه على قرار انشاءه فبدل من الاكتفاء بما منحته الأمم المتحدة من خلال القرار 181 فمنذ اليوم الأول استولى على نصف حصة الدولة العربية حسب القرار سالف الذكر، إضافة إلى طرد غالبية سكان فلسطين إلى دول الجوار. ولو أن امكانياته البشرية كانت تسمح بالاستيلاء على كامل حصة الدولة العربية لفعل.
عندما تمكن الكيان من الحصول على إمكانية ردع عبر بناء المفاعل النووي في ديمونا عام 1956 قام بغزو غزة وهاجم مصر فيما سمي العدوان الثلاثي ولولا أن مصالح أمريكا حينها كانت لا تلتقي مع مصالح الحلف الثلاثي ضغطت على المعتدين واجبرتهم على الانسحاب.
وبما أن أجواء العداء هي المبرر لكل الموبقات فإن بعض تصريحات أبواق عربية استخدمت لشن عدوان الأيام الستة على ثلاث من دول الجوار والتي انتهت باحتلال ما تبقى من فلسطين إضافة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية تنفيذاً وإن على مراحل لمشروع تجسيد إسرائيل الكبرى.
عندما حاول العرب استعادة جزء مما سلب منهم في حرب أكتوبر التي اعتبرها البعض حرباً تحريكية أدت بين أشياء أخرى إلى مفاوضات كامب ديفيد والتي أدت إلى الانسحاب الجسدي من شبه جزيرة سيناء مع الاحتفاظ بإمكانية معاودة احتلالها عندما تسنح الفرصة وذلك من خلال تقييد جدي لدخول الجيش المصري إلى شبه الجزيرة.
دولة الكيان ومن منطلق تهيئة الظروف لقضم أجزاء الوطن العربي التي من المفترض أن تشكل جزءاً من إسرائيل الكبرى ومستغلة محاولة اغتيال سفيرها في لندن غزت لبنان وابعدت المقاومين الفلسطينيين إلى دول لا يشملها مشروع إسرائيل الكبرى مثل اليمن والسودان والجزائر، طبعا لم يرد بحسبانهم أن لبنان ستنتج ثورة تعيدهم من حيث أتوا لكنهم لم يستسلموا وحاولوا مرة تلو المرة احتلال أجزاء من لبنان وآخرها ما يجري الآن حيث يعلنون ليل نهار أنهم سيبنون منطقة عازلة عمقها يصل إلى عشرة كيلومترات وإبعاد حزب الله إلى عمق يصل إلى أربعين كيلومتراً كمقدمة لقضم هذا العمق وربما بتواطؤ داخلي من بعض الأطراف في لبنان وبدعم أمريكي وغربي.
إن ما طرحه سموتريتش في الآونة الأخيرة من أنه يعمل على إنجاز دولة يهودية تشمل مصر وفلسطين والأردن ولبنان وسوريا والعراق وجزء من المملكة العربية السعودية لا يمكن أن يدع مجالاً لتصديق الذرائع الإسرائيلية التي تقول أن أهداف العدوان على لبنان هي لضمان عودة سكان الحدود الشمالية بين الكيان ولبنان ولا أن الهدف من العدوان على غزة هو استعادة الرهائن لأن استعادتهم كانت ممكنة بالتفاوض.
إن ذريعة إسرائيل ومن خلفها أمريكا وبعض حكومات الغرب بضرورة تطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بلبنان خاصة 1757 و1701و1595، فإسرائيل لم تلتزم بأي من قرارات الأمم المتحدة وإن كانت تبرر هذه الوحشية في العدوان على فلسطين ولبنان من أجل ضمان أمن مواطنيها فهل إبادة المدنيين سواء في فلسطين أم في لبنان تشكل ضمانة لأمن مواطني الكيان؟ أنا أعتقد جازما أن ممارسات الكيان لن توفر أمناً ولا أماناً لمواطنيه فخلق جيل مقهور ومكلوم وجائع في فلسطين ولبنان ستكون نتائجه عكسية فهذه الجرائم بالتأكيد ستدفع الأجيال القادمة في البلدين فلسطين ولبنان أي كراهية وحقد غير مسبوقين إضافة إلى الاستعداد للانتقام. ثم أن التغول الذي يسود أوساط الجيش الصهيوني والمستوطنين بالضرورة سينعكس على الداخل الصهيوني وسيعزز الحقد والكراهية بما يمنع أي حلول دبلوماسية تأخذ بعين الاعتبار مصالح كل شعوب ومكونات المنطقة.
إن من يريد عودة مواطنيه إلى بيوتهم فإن عليه أن يلتزم بعودة مواطني الدول الأخرى إلى مساكنهم خاصة الفلسطينيين عبر تطبيق القرار 194 بحذافيره والامتناع عن الاعتداء على الآخرين فربما حينها سيكون بمقدور الكيان أن يشعر بنوع من الأمان في الحدود التي منحه إياها القرار 181.ورغم أنني استبعد ممن يريد التوسع أن يقبل بعودة مواطني فلسطين الذين طردوا في حربي 48 و67 إلا أنني واثق بالتحولات وإن كانت بطيئة في العالم ستفضي إلى إيجاد علاج لهذا السرطان المستشري وترسيخ قواعد الأمن والاستقرار والازدهار في شرقنا الأوسط. وعندها سيتحقق الشرق الأوسط الجديد ليس على طريقة أمريكا وإسرائيل بل على طريقة شعوب العالم الحرة.