مقالات مختارة

العمال الفلسطينيون: الخطير والأخطر

 

بقلم: يوسي بيلين
 

مرة أخرى، يعود الجدال حول تشغيل الفلسطينيين الذين يأتون من خلف الخط الأخضر. محاضر جلسات الحكومة مليئة بالحجج إلى هنا أو هناك، مرة أخرى يبحثون في مسألة ممَ نخاف اكثر – من «إرهاب الأفراد» أو من تفجر برميل البارود؟.
تخوفت إسرائيل من تحول التعلق بالفلسطينيين إلى حقيقة. لكنها لم تبذل أبدا جهدا جديا لمساعدة الجانب الفلسطيني على خلق بديل للعمل في إسرائيل.
في مؤتمر عمال البناء الذي انعقد بعد نحو سنتين من حرب الأيام الستة، والذي غطيته إعلاميا في صحيفة «دافار»، اعلن سكرتير عام الهستدروت أن رؤياه هي أن كل من يقف على سقالة يكون ذات شهادة أكاديمية في جيبه. لكن المحاولة المثيرة للشفقة لإعادة رؤيا العمل العبري والامتناع عن الحاجة لتشغيل عمال فلسطينيين كانت عديمة كل احتمال.
كان هناك اقتصاديون فلسطينيون تخوفوا من انه لن تقوم في المناطق صناعة مستقلة، بسبب إغراء العمل في إسرائيل وتلقي اجر عال نسبيا. لكن الطريق لتغيير الوضع لم يكن منع العمال من المناطق عن العمل في إسرائيل بل المساعدة في إقامة تشغيل بديل لهم في الضفة الغربية وفي غزة. من اعتقد أن مساعدة الفلسطينيين ستكون من خلال إغلاق البوابات، اخطأ خطأ جسيما.
في المناطق لم تتطور صناعة فاخرة (مدينة روابي الجديدة بين رام الله ونابلس، لا تشهد على القاعدة). تسبب بهذا خليط بين جهات إسرائيلية ذات مصلحة، منعت إقامة مصانع ذات مغزى في المناطق (مثلا في فرع مواد البناء)، وبين العجز في الجانب الفلسطيني. لما كان هكذا تبقت في المناطق صناعة تقليدية، بأجر زهيد. المستثمرون المحتملون معنيون بأن يعرفوا بأنهم يستثمرون في محيط آمن نسبيا، في منظومة يوجد فيها إطار قانوني مناسب، في الوقت الذي لا توفر السلطة الفلسطينية هذا.
المستقبل القرب للضفة الغربية سيبقى متعلقا بالتشغيل في إسرائيل، سواء كان هذا يبعث حماسة الطرفين أم لا. في هذا الوضع فإن منع العمل عن الفلسطينيين في إسرائيل هو منع الرزق عن عشرات آلاف الأشخاص، الذين معظمهم إن لم يكونوا كلهم لا يحبوننا. على تعلقنا بالأيدي العاملة من المناطق سنكون قادرين على التغلب. أما من ناحيتهم فهذا خناق.
الناس العاديون، ممن لا يمكنهم أن يعيلوا عائلاتهم من شأنهم أن يجدوا انفسهم في أوضاع لا يمكنهم تصورها (أتذكرون «البؤساء» لفيكتور هيغو، وجان فالجان الرجل الشريف الذي اضطر، لانعدام البديل إلى أن يسرق كي يعيش؟) إذا ما فتحت أمامهم بوابات التشغيل، فإن مستوى العنف الذي أمامهم سيكون أعلى بكثير.
إن يأس الشبان الفلسطينيين لا ينبع فقط من المصاعب بل وأيضا، وربما اكثر، من عدم استعداد إسرائيل لأن تعرض عليهم أفقا سياسيا. إذا بدا لهم هذا الأفق قابلا للتحقق، معقول الافتراض بأن مستوى الانتقال إلى العنف سيرتفع اكثر. الاكتفاء بواحد من هذين العنصرين – الرزق أو الحل السياسي – ليس فيه ما يكفي، وكذا الدمج بينهما ليس وصفة محكمة لعدم العنف: دوما سيكون، في الطرفين، يحيى عياش وباروخ غولدشتاين ممن سيريان في كل حل سياسي خيانة، وسيكونان مستعدين للمخاطر بحياتهما كي لا يتقاسما البلاد – غير أنه حتى لو نجحا لا سمح الله من حين إلى آخر في تنفيذ مبتغاهما، سيكونان أقلية صغيرة ستنبذهما الأغلبية وستكافحهما.
من يعلن أنه لا يوجد حل سياسي، من يربط كل الفلسطينيين في جملة واحدة ويمنع الرزق عن جاره، يشبه من يستخدم حابس شرايين في وقت الطوارئ، لكنه يخاطر، في المدى البعيد، بأن ينشر في جسده مواد سامة من شأنها أن تعرض حياته للخطر. المخاطرة التي في منع دخول عمال فلسطينيين إلى إسرائيل اقل بكثير من المخاطرة التي في رفضهم، والمخاطرة في عدم رسم افق سياسي هي الأكبر على مستقبلنا.

عن إسرائيل اليوم

 

Loading...