تكثر المعارضة في إسرائيل (أو البخار الذي بقي منها) من مهاجمة حكومة بنيامين نتنياهو بسبب غياب الرؤية وغياب خطة للعمل. ولكن ما يميل كثيرون إلى تفويته هو أنه بالنسبة لنتنياهو فان غياب خطة منظمة لا يعني عدم وجود سياسة.
بالعكس، سياسته دائماً تحددها الأفعال على الأرض، وليس الخطابات أو المصادقات.
تمتع نتنياهو خلال سنوات حكمه بنشر الضبابية بشكل متعمد، بما في ذلك نشر رسائل متناقضة باللغتين العبرية والانجليزية، لكن الواقع نفسه لا يكذب.
هذه هي الطريقة التي يتم فيها ضم أجزاء واسعة في الضفة الغربية شيئاً فشيئاً، دون تشريع احتفالي، بشكل فعلي، وهذا بالضبط ما يحدث الآن في قطاع غزة.
في الوقت الذي ينتقدون فيه المعارضين نتنياهو بسبب غياب خطة منظمة لقطاع غزة (في اليوم التالي)، تتقدم فعلياً خطة كهذه بالأفعال، أولاً، عن طريق احتلال مناطق واسعة في القطاع وطرد السكان وتدمير البيوت وشق طرق جديدة وبناء مواقع وبنى تحتية أخرى للمدى البعيد.
وفي الوقت الحالي أيضاً عن طريق الدفع قدماً بخطة لنقل السيطرة المدنية في القطاع إلى جهات خاصة مأجورة.
سارت الحكومة في طريق طويلة محددة، بدءا من النية التي تم الإعلان عنها في شباط الماضي، بضغط شديد من أميركا، لنقل السيطرة المدنية في القطاع إلى جهات محلية لها "تجربة في الإدارة"، التي "لا تكون متماهية مع دول أو هيئات مؤيدة للإرهاب"، ومروراً بنية نقل المسؤولية عن المساعدات الإسانية في القطاع إلى الجيش الإسرائيلي، الذي هو كلمة مغسولة للحكم العسكري، وانتهاء بالقرار الذي يتبلور الآن بسبب معارضة الجيش للانشغال بتوزيع المساعدات وهو استئجار شركة خاصة يمتلكها إسرائيليون وأميركيون لتولي ذلك.
الشركة التي يتم طرح اسمها مؤخراً كمرشحة هي شركة "جي. دي.سي"، وهي شركة مقاولات عسكرية من النوع الذي أغرق في حينه دولاً مثل العراق وأفغانستان.
هذا أسلوب جرت عليه أبحاث كثيرة في السنوات الأخيرة، ووجدت فيه أخطار كثيرة. هذه شركات مرتزقة تحوم فوقها علامات استفهام شديدة في كل ما يتعلق بتطبيق القوانين والمعايير الدولية.
يدور الحديث عن خصخصة الحكم العسكري في غزة ونقله إلى جهات خاصة لها مصالح اقتصادية خاصة، ليس أكثر من ذلك، ما يهدف إلى إبعاد المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن إسرائيل ونقلها إلى مليشيات مسلحة.
في مقابلة مقلقة جداً في "يديعوت أحرونوت"، أول من أمس، قال صاحب الشركة، موتي كهانا، إنه "إذا حدث أي شيء فسنقوم بإرسال الرسالة التالية إلى سكان غزة: أنتم لا تريدون التعامل معنا"، هذا اقتباس حقيقي من عالم المافيا.
إلى جانب حقيقة أنه لا يوجد لإسرائيل أي تفويض لتقرير من سيسيطر على مواطني غزة في اليوم التالي لـ "حماس"، فان كل ذلك في نهاية المطاف يحدث فقط كي لا يسمح للسلطة الفلسطينية بموطئ قدم هناك. هذا استمرار مباشر لسياسة تعزيز "حماس" وإضعاف السلطة الفلسطينية، التي اتبعها نتنياهو خلال سنوات، وهي سياسة ترسخت بالافعال وبالدولارات في الوقت الذي هاجمه الآخرون بسبب عدم وجود رؤية سياسية كما يبدو.
كان يجب أن تدفع إسرائيل قدماً، مع التحالف الدولي برئاسة الولايات المتحدة، ببناء بديل سلطوي فلسطيني.
القصد هو تسليم المفاتيح الآن عن السيطرة المدنية في القطاع إلى مقاولين خاصين وخلق "عرقنة" للقطاع، التي ستكون بكاء لأجيال.
في موازاة هذه العملية، يستمتع نتنياهو أيضاً بنشر الضبابية في كل ما يتعلق بموقفه بخصوص إقامة المستوطنات في غزة.
وهو يقول إن هذا لن يحدث (لمزيد الدقة، "هذا غير واقعي")، ومن جهة أخرى يقود حزبه المهرجانات للدفع قدما بهذا الحلم المسيحاني. في نهاية المطاف البؤرة الاستيطانية الأولى ،التي "سيجدون صعوبة في إخلائها"، هي التي ستحسم وليس الأقوال. عمليا، خطة نتنياهو لليوم التالي في قطاع غزة تتكون في هذه الأثناء من الاحتلال العسكري، المرتزقة والمستوطنات. هذه وصفة مؤكدة للكارثة القادمة.
عن "هآرتس"