يصادف اليوم السبت الثاني من تشرين الثاني مرور مائة وسبعة أعوام على الوعد المشؤوم والمسمى وعد بلفور، الذي نقل مشاريع الاستعمار من النظرية إلى الواقع العملي ملبياً بذلك طموحات الكثيرين من مفكري الاستعمار في خلق واقعٍ جديد خاصة في المناطق الغنية بالثروات من خلال إقامة كيان يخلصهم من سكان دولهم من اليهود الذين ازدرتهم المجتمعات الغربية من جهة ومن جهة أخرى يصبح هذا الكيان رأس حربتهم في استغلال ثروات الشعوب العالم وتحويل دولهم إلى دول مستهلكة و غير منتجة، كما أن الكيان الجديد سيحول دون انعتاق هذه الشعوب من هيمنة الغرب.
ومن أجل إعادة الصراع إلى جذوره لا بد من إعادة دراسة النصوص سواءً كانت ربانية أو موضوعة والتي كانت أحد أسباب الصراع بين أبناء إبراهيم الخليل وذرياتهم، علينا أن نحلل لنتلمس الحقائق التالية ودليلها الوحيد نصوص وردت في ديانات التوحيد الحديثة وملحقاتها من اجتهادات العلماء ورجال الدين علماً بأن ليس هناك أساس علمي لذلك نتيجة غياب البراهين.
ولكيلا نقع في آفة التكرار والاجترار سأحاول أن أنحى منحىً مختلف عمن تناول الصراع العربي الصهيوني من وجهة نظر دينية. فالمسلمون والمسيحيون واليهود يعيدون جذور خلافهم إلى وعد إلهي قطعه الرب لسيدنا إبراهيم قبل ما يقارب 4250 سنه لم يكن حينها سوى ديانة التوحيد وبالتالي فإن الوعد إن وجد فهو موجه لنسل إبراهيم حصراً.
لقد ورد في الاصحاح العشرين من سفر التكوين (وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. 2 فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. 3 وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ) وهنا ليس فيها أي إشارة للتمليك بل النظر (الأرض التي أريك).
أما الإصحاحات 13،14و 15 من سفر التكوين فقد نصّت على (وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ، بَعْدَ اعْتِزَالِ لُوطٍ عَنْهُ: ارْفَعْ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ شِمَالاً وَجَنُوباً وَشَرْقاً وَغَرْباً، لأَنَّ جَمِيعَ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ تَرَى لَكَ أُعْطِيهَا وَلِنَسْلِكَ إِلَى الأَبَدِ). وهنا يتبادر السؤال التالي هل يعقل أن يمتلك سيدنا إبراهيم قدرة على أن يرى الأرض الواقعة بين النيل والفرات؟ حسب ما هو وارد في سفر التكوين من الآية الثامنة عشر حتى الآية الواحدة والعشرين؟ (فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقاً قَائِلاً: لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَات الْقِينِيِّينَ وَالْقَنِزِّيِّينَ وَالْقَدْمُونِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفَرِزِّيِّينَ وَالرَّفَائِيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ) أم أن قدرة سيدنا إبراهيم على الرؤية لها حدود قريبة من الحدود التي يرى بها البشر؟ ثم أن هناك تساؤل آخر أين كانت تعيش كل هذه القبائل ولماذا طالب الاصحاح العشرون من سفر التثنية بالقضاء عليهم؟
مرة أخرى سأعود إلى عنوان هذا المقال، فإن كان هناك وعد إلهي لإبراهيم ونسله بهذه الأرض ومن النيل إلى الفرات فما حاجة نسل إبراهيم عليه السلام والذين تم اختزالهم في اتباع الديانة اليهودية إلى وعود من البشر وخاصة قوى الاستعمار فمن اوليفر كرامويل مروراً بنابليون، ثيودور هيرتزل، جوزيف تشمبرلن جوزيف تشمبرلن، هنري كامبل بانرمان ثم بلفور وملكه جورج الخامس واقتصار هذه الوعود على وطن قومي في فلسطين وليس كل فلسطين؟
بالرجوع إلى تحليلٍ علمي ومنطقي يمكننا الخلوص إلى نتيجة مفادها أن اتباع الديانة اليهودية ليسوا بالضرورة هم من نسل إبراهيم وبالتالي لا يملكون حقاً في هذه الأرض ولذلك يتم استخدام وعد من مالك الكون وما فيه (وعد رباني) يمكن أن يحظى بقبول يفوق بعشرات المرات وعد يمنحه من لا يملك لمن لا يستحق.
لقد آن الأوان لرفع الظلم عن الشعب الفلسطيني وتصحيح الخطيئة الاستعمارية عبر إعادة الأرض إلى أصحابها الفلسطينيين بغض النظر عن معتقداتهم الدينية والاجتماعية والسياسية ولم لا الحزبية.