الانشغال بوقف النار في الشمال ليس نظريا. فعلى جدول الأعمال يوجد مقترح عملي ينهي الحرب بشروط مريحة لإسرائيل، ويسمح لها بالتركيز على إنهاء المعركة في غزة وإعادة المخطوفين.
في الأسابيع الأخيرة، أوضحت إسرائيل أنها ستوافق على وقف نار في الشمال بثلاثة شروط مركزية: الأول – التطبيق الكامل لقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن، وعلى رأسه منع تعاظم قوة «حزب الله»، وحظر عمله العسكري جنوب الليطاني. الثاني، نشر قوات معززة من الجيش اللبناني ووحدات أفضل نوعية من «اليونيفيل» في جنوب لبنان. والثالث، حرية عمل كاملة للجيش الإسرائيلي في حالة محاولة «حزب الله» خرق التفاهمات.
من بين الشروط الثلاثة هذه، الأكثر إشكالية هو الثالث. فإسرائيل معنية بأن تتلقى من القوى العظمى الوسيطة (الولايات المتحدة وفرنسا، وبقدر اقل روسيا أيضا) «شيكا مفتوحا» لأعمال مستقبلية. سيعارض لبنان ذلك حفاظا على سيادته، وسيبقى الموضوع غامضا وملحقا بقرار إسرائيلي. في الماضي، هددت حكومات إسرائيل اكثر من ذلك، ونفذت القليل، وسيكون الاختبار في الخرق الأول – وسيكون كهذا – عندما ستكون هناك حاجة لمهاجمة شاحنة سلاح تحاول العبور من سورية إلى لبنان، أو خلية لـ»حزب الله» تتسلل إلى القرى في منطقة الحدود.
وقال زعيم «حزب الله» الجديد، نعيم قاسم، علنا في خطابه الأخير، إن منظمته ستوافق على وقف النار، بمعنى قطع الارتباط بين «حزب الله» و»حماس»، وبين لبنان وغزة. هذه السياسة، التي قادها حسن نصر الله، هي التي جرت الشمال إلى حرب سنة فاكثر، وهي التي أدت في نهاية المطاف إلى تصفيته والى تدمير القيمة عظيمة الأبعاد لمنظمته. قاسم، الذي لا يتمتع بهالة أو حضور نصر الله، بحاجة للهدوء كي يبني صلاحياته ويرمم منظمته. من المعقول أن يشاركه في أقواله هذه أسياده الإيرانيون الذين يخشون الضياع التام لاستثمارهم في لبنان.
لا للغرق في الوحل اللبناني
كثيرون في إسرائيل، بمن فيهم وزراء «كابنيت» ومسؤولون كبار في جهاز الأمن، يعتقدون أن لا يوجد ما يدعو إسرائيل لتعطي «حزب الله» حبل نجاة، وان عليها أن تواصل الضغط على الغاز. هذا نهج مشروع وان كان مفعما بالمشاكل. يمكن للجيش الإسرائيلي أن يواصل القتال في لبنان إلى الأبد. وستكون الأهداف وفيرة دوما، لكن أساس قوة «حزب الله» تم تدميره منذ الآن: قضى وزير الدفاع غالانت بأن «حزب الله» تبقى مع 20% من قوته فقط، والدليل الصعوبة التي واجهتها المنظمة في تنسيق النار نحو أراضي إسرائيل.
فضلا عن ذلك سيكون لاستمرار القتال ثمن باهظ من القتلى، وسيرتفع مع الغرق في الوحل اللبناني في موسم الشتاء. كما ستكون له أثمان أيضا في مزيد من التآكل في الشرعية الدولية لإسرائيل، في الاقتصاد، في تعميق العبء على منظومة الاحتياط، وفي أبعاد موعد عودة سكان الشمال إلى بيوتهم.
بالمقابل، إذا ما تمكن الاتفاق من ربط حكومة لبنان بخطوة ذي مغزى يعود فيه للبنان أيضا التوازن الطائفي سيكون ممكنا الحديث عن إمكانية افق مختلف في حدود الشمال، كما اسلفنا تبعا لحفظ ردع إسرائيلي اكثر كثافة على طول الحدود عن ذاك الذي كان فيها في 7 تشرين الأول.
إن استكمال هذه الخطوات ممكن في مدى أيام. فالجيش الإسرائيلي أنهى على أي حال القسم الحالي من المهمة التي كلف بها في جنوب لبنان في غضون نحو أسبوعين؛ فترة زمنية سيكون ممكنا استغلالها أيضا لمواصلة صيد كبار رجالات «حزب الله»، وربما نعيم قاسم نفسه، وتعميق الضربة للمنظومات الاستراتيجية لدى المنظمة في بيروت وفي العمق اللبناني.
إنهاء المعركة في الشمال سيعيد إسرائيل أيضا إلى النقطة التي بدأ فيها كل شيء. دون صلة بهوية الإدارة التي ستنتخب، الأسبوع القادم، في واشنطن لن تتمكن إسرائيل من أن تتفادى لزمن طويل الحسم بالنسبة لمستقبل القطاع، وأساسا في مسألة المخطوفين.
بالضبط مثلما في لبنان، الإنجازات الكبرى، التي حققها الجيش الإسرائيلي في ميدان المعركة، تسمح لإسرائيل بالعمل من موقع قوة، مع العلم بأنها ستتمكن من استئناف المعركة في أي وقت تقرره.
عن «إسرائيل اليوم»