عودة آل ترامب

 

 

 

انقشع الضباب أخيرا عن نتائج الانتخابات الرئاسية الامريكية لانتخاب الرئيس السابع والأربعين، بفوز ترامب بولاية ستمد إلى أربع سنوات عجاف، ستنضم إلى سابقاتها من السنين الأربع السابقة، التي أدار آل ترامب خلالها الولايات المتحدة الأمريكية والقضايا الملتهبة في المنطقة بطريقة التاجر الذي يراهن على قوة المال، الذي بنظره يسهم في حل أقوى المشاكل، وبطبيعة الحال سيستمر هذا النهج ولن يتغير، إذا لم تتغير على الأقل المفاصل الرئيسية في إدارته الخارجية السابقة.

بناء على ذلك النهج الذي ما زال يسيطر على "آل ترامب"، يسود جو من التشاؤم، حتى بين ممن صوتوا لاختياره، الذين وجدوا أنفسهم منقادين إلى خندق الموالين للرئيس الجمهوري نكاية في الديمقراطيين، وظهر ذلك جلياً في تأييد الجالية المسلمة في ميتشيغان، كمثال جلي حول تشتت أصوات العرب والمسلمين، وفقدان بوصلة التأثير واستغلال الفرص لمحاولات خطب ود هذه الجالية، التي تمثل 1.2 من سكان الولايات المتحدة الأمريكية، شأنها شأن الأقليات الأخرى اليائسة بشكل كبير من الإدارتين، اللتين ما أن تنتهي مراسم التسليم إلى الرئيس المنتخب، حتى تعود تلك الجاليات لتواجه ذات مصير التهميش والتجاهل قبل الانتخابات.

ومما لا شك فيه أن فوز أحد المرشحين لن يجلب الخير الكثير للقضية الفلسطينية، ولنا في الفترة الرئاسية السابقة لترامب، الحظ الأوفر من الانحدار السياسي والسقطات التي صدمت أقرب المقربين من الولايات المتحدة، فهي نفسها التي رَعت فيما سبق وبشكل مباشر السلام بيننا وبين الإسرائيليين، وشهد بيتها الأبيض مراسم التوقيع على إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي، أو ما يعرف "اتفاقية أوسلو"، أمام الملأ، لتتحول الولايات المتحدة الأمريكية من موقع المتفاجئ باجتماع الخصوم بسرية تامة، إلى الداعم والضامن لها، والتي تغير دورها فيما بعد إلى التحجيم والإضعاف المباشر، والتنصل من كل واجباتها كراعية للسلام وضامن للاتفاق، وصولاً إلى إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، اكتوبر 2018، الأمر الذي كان واضحاً أنه يرسم مساراً عدائياً تصاعدياً تجاه م.ت.ف، والاعتراف بها ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني، وفتح الباب موارباً تجاه إيجاد البدائل المشبوهة لها، والتي كانت ستلقى الدعم في ظل قطار التطبيع والموافقات على إملاءات الإدارة الامريكية، وعلى صعيد اخر وبطبيعة الحال الكثير من الفيتو تجاه القرارات التي تصب في صالح فلسطين والفلسطينيين، ونتيجة لذلك العداء الذي تظهره السياسة الأمريكية تجاه قضيتنا، والادعاء بعدم نضجها السياسي، اتجهت الرئاسة الفلسطينية نحو إيجاد البديل عن الراعي الذي لا يمارس دوره باتزان وحيادية، فوجدت البديل في القرار الحكيم والشجاع بالانضمام إلى المؤسسات الدولية والإقليمية، التي من شأنها أن تؤسس لاتجاه ضاغط لفرض الانصياع على الكيان المحتل، والتلويح تجاه تنفيذ البند السابع في الأراضي الفلسطينية، وهو الحل الوحيد بعد نفاذ الحلول بيننا وبين سلطة الاحتلال، التي ترى بعين نصف مفتوحة القرارات الدولية، ومنها قرار التقسيم المجحف، والذي لا ترى منه إلا ما يبقيها "كدولة" يدعم وجودها قرار أممي.

ونتيجة لما سبق، فإن عدد المتفائلين بفوز ترامب يعدون على الأصابع، يرأسهم نتنياهو وزمرته، والذين كانوا من المستفيدين على نحو مباشر من صعود "آل ترامب" إلى سدة الحكم، حيث انطلقت جولات صهره كوشنير وإيفانكا ترامب المكوكية، لتفعيل خطط التطبيع العربي-الإسرائيلي، التي هرولت بعض الدول نحوها، لكسب ود آل ترامب والفوز برضاهم، تطبيع مجاني فرضه آل ترامب على الدول العربية، وأبقى لدى شعوبها التساؤل المطروح ماذا استفدنا من التطبيع؟ وبل ماذا جنت الدول من هذه الهرولة البائسة غير السخط الشعبي؟ وازدياد التأييد العربي تجاه القضية الفلسطينية.

وحري بنا التطرق إلى السياسة التي انتهجتها إدارة ترامب نحو المنطقة العربية ومحيطها، فهي رأت أن العلاقة بينها وبين بعض الدول العربية هي علاقة استثمارية لبيع السلاح الأمريكي الذين لا يسمن ولا يغني من جوع، دون الموافقة الأمريكية على تشغيله فضلاً عن استعماله ضد مصالحها، فهي أسلحة مخزنة دون أي فائدة، وحددت هذه الإدارة محوراً للشر، وبذلت كل استطاعتها في فرض هذا التصور على الأنظمة العربية والإسلامية، وتعاملت مع قضايا المنطقة على الهوى والمزاج، ولم يرسم مسار مفهوم لهذه السياسة، فيما عدا العداء المطلق ضد الجمهورية الإسلامية في إيران والانسحاب من الاتفاق النووي وفرض العقوبات، والدعم المطلق لإسرائيل، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذا النسق في التعامل مع النظامين سينسحب في الأغلب على الأيام القادمة حال استلام ترامب الرئاسة، واتضاح شكل إدارته والمناصب الفعالة في تلك الإدارة، وهذا سيوضح ولو بشكل جزئي نجاعة هذا النسق من عدمه فضلاً عن الاستمرار به في ظل اتجاه عدم إعادة انتخابه في السابق لدورة ثانية في الانتخابات ضد بايدن.

وخلاصة القول، كما يقول المثل الشعبي "اللي جرب المجرب بيكون عقله خرب"، فهل تجريب المجرب سيجلب لنا فائدة، الإجابة فيما تخبأه بواطن الأيام القادمة من شكل الإدارة وتوجهاتها، تجاه ما يجري في غزة من مجزرة تتواصل منذ ثلاثمائة وستة وتسعين يوماً، وهل سيفرض "آل ترامب" سلطتهم على جزاري تل أبيب، لوقف سعار هذه المجزرة ولو بالقوة، أم سنبقى نراوح في أماكننا، ونبقى نتساءل هل نبقى نجرب المجرب.

 

 

 

Loading...