نشرت الأسبوع الماضي مقالا في مجلة «فورين أفيرز» أدعو فيه لتحرك عربي مكثف لإنهاء الاحتلال. لقد اعتمدت معظم مبادرات السلام الماضية على الأمل العربي بأن تنتهي بما يدعى حل الدولتين، من دون أن تعرف الهدف النهائي للمفاوضات، وهو إنهاء الاحتلال أو تقرنه بخطة جادة لتنفيذه.
من الواضح تماما أن أية مبادرات مستقبلية تمثل تكرارا للمبادرات السابقة، لن يكتب لها النجاح ولن يعيرها أحد اهتمامه. حان الوقت لوضع أفكار جديدة على بساط البحث تحاول إيجاد اختراقات في أنماط التفكير السابقة، وتقدم حلولا تضمن للجانب الفلسطيني، ليس إنهاء الاحتلال فقط، بل التمتع بكامل حقوقه الوطنية والسياسية والإنسانية.
تقترح المبادرة اعتماد مقاربة جديدة أساسها اعتراف الجانبين بان لهما حقوقا متساوية وطنية وسياسية وإنسانية، بغض النظر عن شكل الحل الذي لم يعد أكثر من شعار يردد من المجتمع الدولي، بينما تقضم إسرائيل المزيد من الأرض كل يوم. وتقترح أن يقوم الجانب العربي بتقديم هذه المبادرة للأمم المتحدة، وان تتضمن العناصر التالية:
تقر المبادرة بوجود أكثر من سبعة ملايين ونصف المليون فلسطيني في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، يقابلهم عدد أقل بقليل من الإسرائيليين اليهود، وأنه من دون الاعتراف بالحقوق المتساوية للفلسطينيين، فإن العنف والقتل سيستمران، وبالتالي ليس هناك من حل عسكري للصراع.
إن الحل الوحيد المستدام يجب أن يعتمد على مبدأ الحقوق المتساوية، وعلى الجانبين الالتزام بخطة من خمس سنوات وعلى مرحلتين، وبإشراف الأمم المتحدة لإنهاء الاحتلال. تعتمد الخطة مرجعية واضحة تتضمن المبادئ العالمية الموجودة في القانون الإنساني العالمي، وميثاق الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية. يتفق الجانبان على أن أي حل نهائي عليه الالتزام بهذه المبادئ، وأن للجانبين الحق في تقرير المصير والعيش بسلام وحرية ومساواة.
تجري المفاوضات لخمس سنوات، تخصص المرحلة الاولى منها، ومدتها ثلاث سنوات للاتفاق على إزالة كل القوانين والسياسات والممارسات التي تميز ضد أحد الجانبين، أو تتعارض مع القانون الدولي. كما تتضمن أيضا إيقاف بناء المستوطنات بالكامل وضم أية أراضي فلسطينية لإسرائيل.
يتم اعتماد جهة رقابية بقيادة الأمم المتحدة لضمان تنفيذ الجانبين لالتزاماتهما، تكون لها قدرة التنفيذ. أنشئت في الماضي مثل هذه الجهة ضمن «خريطة الطريق» من لجنة سميت بالرباعية، وتضمنت الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لكنها افتقرت إلى سلطة التنفيذ، ما أفقدها أي دور فاعل.
تخصص فترة سنتين بعد ذلك للاتفاق على شكل الحل. وإن لم يتفق الجانبان، يحول الموضوع لمجلس الأمن، حتى إذا أخفق المجلس في التوصل لحل، تنقل القضية لمحكمة العدل الدولية، وتكون قراراتها ملزمة، وفقا لميثاق الأمم المتحدة.
وفقا لما سبق، فإن شكل الحل، من دولتين أو دولة واحدة، أو أي حل آخر، يتبع الاتفاق على موضوع الحقوق المتساوية بدلا من مجرد الإصرار اللفظي عليه. من جهة أخرى، فإن أي حل يعتمد الحقوق المتساوية أساسا يمكن له التماهي مع حل الدولتين أو الدولة الواحدة.
لا شك في أن هناك صعوبات بالغة في الاتفاق على مثل هذا المسار، الذي يجب أن يخرج باتفاق يضمن للجانب الفلسطيني عدم الذوبان في الهوية الإسرائيلية، بل الإصرار على نموذج يشبه ما حصل في جنوب افريقيا، حيث لم تذب الهوية السوداء في نظيرتها البيضاء، بل أعيد بناء دولة جديدة ثنائية القومية تحفظ للطرف الفلسطيني حقوقه وثقافته وهويته الوطنية. هناك نماذج عدة في العالم مثل الاتحاد السويسري والبلجيكي يمكن الاستفادة منها في هذا المجال. أدرك أيضا صعوبة قبول إسرائيل، أو حتى المجتمع الدولي اليوم بهذه المبادئ. وفي هذه الحالة على المجتمع الدولي تفسير رفضه لحل يعتمد المبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة. كما عليه في المستقبل القريب تفسير قبوله ليس فقط للاحتلال، ولكن لنظام الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل. أدرك جيدا أن فرص تحقيق ذلك تبدو ضعيفة اليوم، كما أدرك أيضا أن العالم العربي اليوم في أضعف أحواله، ولا يبدو قادرا، أو راغبا في القيام بمثل هذا التحرك. أدرك أيضا أن الحديث عن أية مبادرات سلام يقابل بالرفض من قبل شارع عربي، لم يعد يؤمن بالمبادرات السلمية التي فشلت فشلا ذريعا في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من عقود من المحاولات. في الوقت نفسه، أدرك أن الساحة لا يجوز إخلاؤها لمشروع إسرائيلي استيطاني توسعي يستخدم الآلة العسكرية لمحاولة الاستيلاء على كامل الأرض الفلسطينية بالقوة، يقابله غياب أي مشروع عربي مضاد يقدم بدائل مقنعة لهذه الغطرسة الإسرائيلية.
من واجب العالم العربي تقديم مشروع مضاد للمشروع الإسرائيلي، على الرغم من ضعفه، إذ ليست هناك أي جهة أخرى تقوم بهذا الدور. هذه دعوة للجانب العربي أن يتقدم بأفكار يضعها على بساط البحث، وليس بالضرورة التشبث بكل عناصر هذه المبادرة. هناك مسؤولية للتقدم بأفكار جديدة للخروج من النفق المظلم الذي نعيشه اليوم، علّ النقاش حول مختلف الأفكار الجديدة يؤدي إلى بناء توافق دولي ينهي الاحتلال الإسرائيلي، بدلا من رفض أية أفكار خلاقة والاكتفاء بدعم الأطر القديمة التي اثبتت فشلها في الوصول لحل.
وزير الخارجية الأردني الأسبق