ليس هناك من سبب يدعو الفلسطينيين للاعتقاد بأن سياسة دونالد ترامب في ولايته الثانية -2024-2028 تجاه القضية الفلسطينية، ستختلف عنها في ولايته الأولى في 2016-2020، التي نقل خلالها سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس، وأغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وأعطى الضوء الأخضر لنتنياهو لضم أجزاء من الضفة الغربية لإسرائيل، بالإضافة لقطع التمويل الأمريكي للأونروا، وكذلك طرحه لما سماها بـ "صفقة القرن"، التي تمنح السلطة الفلسطينية مكانة أقل بكثير من حكم ذاتي..
نتنياهو كان أول من هنأ ترامب لفوزه في الانتخابات برسالة بارك له فيها ما وصفه بأعظم عودة في التاريخ! غبطة نتنياهو هذه تؤشر على توقعه بأن لا تعيق إدارة ترامب حربه لتحقيق نصره المطلق في غزة ولبنان بإطلاقها يده، بعكس إدارة بايدن التي كانت رغم دعمها السياسي والاقتصادي والعسكري اللامحدود لإسرائيل في حربها على قطاع غزة، حاولت وضع ضوابط لإسرائيل في قضايا معينة، مثل عدم استهداف المدنيين وتوفير المساعدات الإنسانية لهم، ليس رأفة بهم وإنما حفاظاً على مصالح أمريكا في الشرق الأوسط، ما كان يثير حفيظة نتنياهو ويدفعه لمشاكسة بايدن وإدارته التي ستنصرف في مطلع 2025.
ويمكن استشراف سياسة ترامب المستقبلية تجاه القضية الفلسطينية من خلال تصريحاته أثناء حملته الانتخابية، وإن كان بعضها يتسم بالغموض ومحاولة مسك العصا من منتصفها لأسباب انتخابية، حيث كرر أكثر من مرة على مدى عدة أشهر، بأنه لو كان في البيت الأبيض بدلاً من بايدن لما وقع هجوم 7 أكتوبر، الذي وصفه بأنه كان "أحد أحلك الساعات في تاريخ البشرية كله"، كما أعلن خلال مناظرته مع كامالا هاريس بأن إسرائيل لن تكون موجودة في غضون عامين إذا هزم في الانتخابات. ترامب الذي يصف نفسه دوما بأنه "أفضل صديق لإسرائيل"، ذهب لأبعد من ذلك بقوله في خطابه أمام المجلس الإسرائيلي الأميركي في واشنطن في 19 سبتمبر/أيلول الماضي "سنجعل إسرائيل عظيمة مرة أخرى"!!
ومن المؤكد أن ترامب عندما يدخل البيت الأبيض في كانون ثاني/يناير المقبل سيشكل إدارته، التي غالباً سيكون زوج ابنته جاريد كوشنر أحد أعضائها. وكوشنر هذا كان قد أعلن في محاضرة ألقاها في جامعة هارفارد في 15 فبراير/شباط 2024، بأن الممتلكات على الواجهة البحرية في قطاع غزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة، وعلى إسرائيل أن تبذل قصارى جهدها لنقل الناس من المنطقة إلى "شيء ما في النقب" بعد "تنظيفها"!!، كما عارض كوشنر فكرة التوصل إلى اتفاق لوقف الصراع يتضمن الاعتراف بدولة فلسطينية، قائلاً إنها "فكرة سيئة للغاية" لأنها "ستكافئ في الأساس عملاً إرهابياً"..
وما بين ولاية ترامب الأولى في 2016 وفوزه بولاية ثانية في 2024، توسع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس، ووصل عدد المستوطنين في مستوطناتها لنحو 720 ألف مستوطن في عهد حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، والتي يحمل فيها "بتسلئيل سموتريتش" حقيبة الإدارة المدنية والاستيطان في وزارة الدفاع بالإضافة إلى منصبه كوزير للمالية. ومنذ نهاية العام 2022 صادقت حكومة نتنياهو على أكثر من 80 مخططاً استيطانياً في الضفة الغربية، والقدس إضافة لعشرات آلاف الوحدات الاستيطانية تقدم بها سموتريتش.
إدارة ترامب في ولايته الأولى كانت قد تجاوبت مع رغبات اليمين الإسرائيلي بضم أجزاء من الضفة الغربية ومناطق في غور الأردن، وذلك عندما اعتبرت في مطلع حزيران/يونيو 2019 على لسان سفيرها في إسرائيل آنذاك "ديفيد فريدمان" أن لإسرائيل الحق "في حالات معينة الحفاظ على أجزاء من الضفة ولكن ليس كلها"، كما اعتبرت في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، على لسان وزير خارجيتها آنذاك "جورج بومبيو"، أن المستوطنات اليهودية "لا تنتهك القانون الدولي". يضاف لذلك ما صرح به نتنياهو في مقابلة مع قناة التلفزة (13) الإسرائيلية في نيسان/أبريل 2019، بأنه أبلغ الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن إسرائيل ترفض في إطار أي اتفاق سلام مستقبلي مع الفلسطينيين، "إخلاء أي مستوطن" أو "الانسحاب من أي مستوطنة" من المستوطنات القائمة في الضفة الغربية.
ومع وصول ترامب للبيت الأبيض في مطلع 2025، وفي ظل التغيرات الجيوسياسية في الضفة الغربية بسبب التمدد الاستيطاني على نحو مكثف، لن يجد الرئيس الأمريكي في ولايته الجديدة حرجاً في الوفاء بوعده للمليارديرة اليهودية الامريكية "ميريام أديلسون"، بدعم إسرائيل لضم الضفة الغربية أو أجزاء منها، كما اشترطت عليه ذلك مقابل 100 مليون دولار تبرعت بها لحملته الانتخابية، تماماً كما التزم بوعده لزوجها شيلدون أديلسون في ولايته الأولى، بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس مقابل 82 مليون دولار تبرع بها الملياردير اليهودي الأمريكي للحزب الجمهوري ولحملة ترامب في انتخابات 2016..
ولن يتوقف الأمر على دعم إدارة ترامب الجديدة لإسرائيل في مواصلة حربها في قطاع غزة ولبنان، وضمها لأجزاء من الضفة الغربية ومنع إقامة دولة فلسطينية، بل ستواصل حربها على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي كانت قد بدأتها خلال ولايتها الأولى بوقف التمويل كلياً عنها في أغسطس/آب 2018، بهدف تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية كلياً. ولن يجد ترامب في ولايته الثانية صعوبة في مواصلة الحرب على الأونروا، وربما على الأمم المتحدة في ما يتعلق بسياساتها تجاه المسألة الفلسطينية، بعد القوانين التي سنها الكنيست الإسرائيلي بحظر الأونروا في إسرائيل وهجمات الحكومة الإسرائيلية الدبلوماسية على الأمم المتحدة.