في تغطية الفضائيات العربية للحرب على غزة

 

"الروموت" هو أحد الادوات الديمقراطية، الذي يتيح للمشاهد أن يقرر، أي من الفضائيات يشاهد، وما هي المضامين الإخبارية أو الترفيهية التي يرغب بمشاهدتها، الأمر الذي يستدعي من إدارات تلك الفضائيات، وضع سياسات تحريرية وبرامجية، بجودة في المضمون والأداء المهني وفي المسائل التقنية، لرفع نسب مشاهدتها. كما أن ذلك فرض ويفرض أيضاً على تلك الفضائيات، المزج بين ما يتم تقديمه على شاشاتها مع منصاتها الرقمية، بإستخدام المقاطع المصورة والقصص الإخبارية، لتمكينها من الحصول على قدر مناسب من "كعكة" الإعلانات التجارية، أوالتأثير على الرأي العام، بالترويج لسياسات الحكومات الممولة لهذه الفضائية أو تلك.

فضائيات عربية مختلفة حظيت بإهتمام الجمهور العربي، في تغطيتها للحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة بعد 7 أكتوبر 2023، بفعل الحالة الشعبوية المتصاعدة في المنطقة العربية في دعم الشعب الفلسطيني، وكشف الجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين في القطاع، من قتل وتدمير وتهجير، إلا أنها أيضا وظفتها لخدمة الأجندات السياسية للحكومات الممولة لهذه المحطات. وفي المقابل، تراجعت نسب مشاهدة محطات تلفزيونية دولية ناطقة بالعربية كـ "بي بي سي – عربي"، و "فرانس برس" و "سي إن إن – عربية" وغيرها، بسبب تبنيها للرواية الإسرائيلية التضليلية في الأيام الأولى بعد هجوم 7 أكتوبر، مثل قطع رؤوس الأطفال وإغتصاب النساء، ما ينفي ما كانت تروج به، من أنها بعيدة عن الأجندات السياسية.

وفي العصر الرقمي الذي نعيش به حالياً، لم تعد وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة هي المصدر الوحيد للمعلومات، كما أنه لم يعد بوسع الحكومات أو أي جهات متنفذه أخرى، فرض الرقابة على النشر، إذ اصبح بإمكان من يملك هاتفا ذكياً أو جهاز كمبيوتر متصلان بالإنترنت، أن يحصل على المعلومات بغثها وسمينها، وبات قادراً على إنتاج ونشر التقارير ومقاطع الفيديو، في ما يعرف بـ "صحافة المواطن"، التي كشفت عن جرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، وأحدثت فرقاً في تحول الرأي العام الدولي لصالح الفلسطينيين، وهزيمة السردية الإسرائيلية بشأن الحرب على غزة.

وهناك من الفضائيات العربية، من غابت عنها الضوابط المهنية في تغطية الحرب على غزة، منها على سبيل المثال، عدم الإلتزام بمواثيق الشرف الإعلامية، المتعلقة ببث صور القتلى والمصابين، وكذلك خلط مذيعين لمشاعرهم مع المحتوى الإعلامي، بالإضافة الى عدم صوابية إدعاء غالبية الفضائيات العربية، وحتى بعض الأجنبية الناطقة بالعربية، بأنها تنقل المعارك والقصف ومشاهد الدمار الواسع الذي لحق بقطاع غزة، كي يعيش المشاهد حالة الحرب، إلا أن ذلك في الحقيقة طرح ينطوي على تلاعب بما يجري على الأرض، لأن ما يمكن أن تنقله الكاميرات، هو ما تسمح به الأطراف المتحكمة في الصراع وفق سياسات كل منها، بالإضافة إلى أن إغراق الشاشات بمشاهد الدماء والدمار، قد تكون لها تأثيرات عكسية تؤدي إلى أن تصبح هذه المشاهد أمراً عادياً وربما مقبولاً.    

ولدعم سياستها التحريرية المتعلقة بالحرب على غزة، عادة ما تلجأ الفضائيات المختلفة، لإستضافة خبراء عسكريين وأكاديميين وسياسيين من أطيافٍ مختلفة، يتم إختيارهم بما لا يتعارض طرحهم مع سياسيات الممول، لإجراء حوارات تعكس وجهات نظر سياسية غالبا ما تكون بإتجاه واحد. وإذا حدث أن جرى استضافة معارض لسياسة فضائية أو خروجه عن النص، فغالباً ما يستجوبه المذيع بطريقة عدوانية، وقد تنتهي المقابلة بإنهاء المذيع لها تعسفياً، أو بإنسحاب الضيف!!.

ومع أن الفضائيات الإسرائيلية لا تستضيف محللين وسياسيين فلسطينيين أو عرب، لإلقاء الضوء على الجانب الآخر من الموضوع قيد النقاش أياً كان، إلا أن قنوات عربية كثيراً ما تستضيف متحدثين إسرائيليين ونظراء لهم من الفلسطينيين أو العرب للتحاور حول أبعاد ومآلات الحرب الإسرائيلية على غزة أو أي موضوع فلسطيني أو عربي آخر. وهنا فإن المشاهدين العرب نوعان، الأول حسم خياراته في رفض سياسات إسرائيل وممارساتها الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني، أما الآخر ربما كان ضد إسرائيل نظرياً، ولكنه يشك في جدوى العمل المقاوم للجم إسرائيل عن عدوانها وتوحشها.    

وخلال الإستماع إلى النقاش، بين المذيع وكل من الضيفين الإسرائيلي والفلسطيني/العربي، فإن المشاهد العربي قد لا يقبل بما يقوله الإسرائيلي، الا أن الحوار بتفاصيله يستقر في العقل في ما يسمى بعلم النفس "الإستقبال السلبي"، كونه مستمعاً وليس طرفاً في النقاش. ومع الوقت يبدأ العقل باستعادة الحوار وتكييف الاستجابة له وإعادة التقييم، وتدوير الوعي ربما لصالح المحتل، تكون نتيجته مواطناً عربياً يقبل بإسرائيل، والتغاضي عن كافة جرائمها، ليس فقط في الحرب على غزة بل والتغاضي عن التوحش ضد الشعب الفلسطيني خلال أكثر من 75 سنة مضت، وبدخول الإسرائيليين لغرف معيشتنا فإن منطقهم يدخل لوعينا لإحتلاله.  

وفي ممارستها "للغباء الإعلامي"، فإن "بعض" الفضائيات العربية (خاصة تلك المملوكة للدولة)، تعرض مضموناً رديئاً ومجتزءاً في تغطيتها لقضايا الحرب على غزة، وتغلب تلك الفضائيات المواقف السياسية لجهة التمويل على الحدث نفسه، الأمر الذي يؤثر سلباً على الخطاب الإعلامي العربي، خاصةً عندما يتعلق الأمر بعدم تغطية حالة الغليان في الشارع العربي، تجاه التوحش الإسرائيلي في قطاع غزة، حتى أن كثيرين هجروا بعض الفضائيات، ويتابعون تطورات الحرب الدامية على غزة عبر منصات  التواصل الاجتماعي بكل ما ينشر فيها من غث وسمين.

Loading...