سياسة ترامب بين القديم والجديد

 

 

 

مع بدء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بترشيح كبار المسؤولين في إدارته، بدأت معالم سياسة إدارته بالوضوح فيما يتعلق بإسرائيل وفلسطين والشرق الأوسط بشكل عام. ترامب رشح "مايك هكابي" سفيراً للولايات المتحدة لدى إسرائيل، وهو مسيحي إنجيلي معروف بأنه "أكثر صهيونية من هيرتسل"، بدعمه المطلق للاستيطان في الضفة الغربية، ومعارضته لإقامة دولة فلسطينية، كما أنه من مؤيدي ضم إسرائيل للضفة الغربية، كما رشح ترامب السيناتورعن ولاية فلوريدا "ماركو روبيو" وزيراً للخارجية، وهو من أشد المؤيدين لإسرائيل والداعين لتشديد العقوبات الأمريكية على إيران، بالإضافة لترشيحه لـ "مايكل والتز" مستشاراً للأمن القومي، ولـ "إليزستيفانيك" سفيرة لدى الأمم المتحدة.  

وبالإرتكازعلى تصريحات ترامب خلال حملته الإنتخابية (وإن كان بعضها متضارباً لدواعي إنتخابية)، وبالإرتكاز أيضاً على السياسة الأمريكية الثابته في دعم إسرائيل منذ تأسيسها في 1948، ومصالح الولايات المتحدة في المنطقة، أصبح من السهل إستشراف ماذا ستكون عليه السياسة الأمريكية تجاه فلسطين وإسرائيل والمنطقة بشكل عام في حقبة ترامب في الأربع سنوات المقبلة، والتي بالتأكيد ستكون استمراراً لسياسته في ولايته الأولى، مع بعض التحديثات التي تقتضيها المتغيرات التي حدثت خلال ولاية جو بايدن، مثل الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان. ومن المؤكد أيضاً أن ملف ضم إسرائيل لمناطق الأغوار وأجزاء من الضفة الغربية سيكون من أهم ملفات العلاقات الإسرائيلية الأمريكية في ولاية ترامب الجديدة.      

وعلى ضوء تلك التعينات التي تأتي على المقاس الإسرائيلي، أبدى نتنياهو ووزراء في حكومته تفاؤلاً يصل إلى درجة اليقين، بأن عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستفسح الطريق لإسرائيل لضم الضفة الغربية أو أجزاء منها، حيث نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن نتنياهو تأكيده، بضرورة إعادة قضية ضم الضفة الغربية لجدول أعمال حكومته عند تسلم ترامب مهام منصبه في 20 يناير/كانون الثاني 2025. كما نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن وزير المالية ووزير الإدارة المدنية في وزارة الدفاع "بتسلئيل سموتريتش" قوله، "بأن العام 2025 هوعام السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة / الضفة الغربية، وأشار بأنه أصدر تعليماته لإدارة الاستيطان في الإدارة المدنية للبدء بإعداد البنية التحتية اللازمة لتطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية.. 

ورغم ضبابية تصريحات ترامب بشأن وقف الحرب وتضاربها أحياناً، إلا أنه يمكن إستشراف معالجته لها قد يكون من خلال تدخل دبلوماسي أمريكي – أوروبي، ولكن بشروط إسرائيلية، من خلال مفاوضات يميل الميزان فيها لصالح تل أبيب. وترامب كرجل أعمال فإنه يسعى دائماً لإنجاز الصفقات السريعة والمربحه، فقد يعمل على التوصل لوقف لإطلاق الناربفرض شروط على المقاومة، مقابل وعود تخفيف الحصاروتحسين الأوضاع المعيشية في قطاع غزة وإعادة إعماره، وقد يترافق ذلك بزيادة الضغوطات على إيران لوقف دعمها لحزب الله والفصائل الأخرى، كما أنه أيضا قد يحاول التوصل لهدنة لكن دون تغييرات على الوضع القائم.

وفيما يتعلق بالحرب على غزة فإن ترامب كان قد طالب نتنياهو بإنهائها بالحصول على الإنتصار، وقال " إن الحرب يجب أن تتوقف وأن يتوقف القتل". إلا أن الوقائع على الأرض تؤكد أنه حتى لو توقفت الحرب فعلاً فإن الوجود العسكري الإسرائيلي في غزة سيستمر. وفي مسعى إسرائيلي لخلق واقع جديد في غزة، نقلت صحيفة هآرتس عن ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي قوله، إن مشاريع البنية التحتية التي أقامها الجيش في قطاع غزة من معسكرات وطرق واسعة تشير إلى أن الوجود العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة سيستمرحتى عام 2026 على أقل تقدير.

 وأضافت هآرتس أن القوات الإسرائيلية هدمت الكثير من المباني القائمة في شمال القطاع لجعل المنطقة لا تصلح للسكن، وذلك بعد أن أنخفض عدد السكان الفلسطينيين فيه على نحو كبير بعد تطبيق خطة الجنرالات بالقصف العشوائي للمدنيين وتجويعهم لدفعهم للنزوح جنوباً، كما أن قوات الإحتلال وسعت المنطقة على طول محور صلاح الدين (فيلادلفي) بمحاذاة الحدود مع مصر بمسافة تتراوح من كيلومتر واحد إلى ثلاث كيلومترات، مع إنشاء منطقة عازلة على طول حدود القطاع مع مستوطنات غلاف غزة، بعرض يصل لكيلومتر واحد.     

ومن المؤكد أن الشرق الأوسط في حقبة ترامب في الأربع سنوات المقبلة سيختلف عما قبله، والتوقعات بأنه سيشهد عدة متغيرات لها علاقة بتوازنات القوة والضعف بين القوى الإقليمية والمصالح الأمريكية في المنطقة، وفي مقدمة هذه المتغيرات تصدع "الردع الاستراتيجي" في الشرق الأوسط، حيث أن الحرب على غزة هزت مجموعة من المسلمات المستقرة في المنطقة، بعد هجوم 7 أكتوبر، ناهيك عن تهديد الحوثيين في اليمن للولايات المتحدة وإسرائيل ودول الغرب بشكل عام، بإغلاقهم الممرات البحرية في البحر الأحمر، ما الحق أضراراً بالتجارة العالمية. 

وبالتأكيد فإن ترامب سيُواجَه بالمتغيرات في السياسات الخارجية لعدد من دول الإقليم التي حدثت خلال ولاية جو بايدن، من تقارب دول مع دول أخرى كانت خصوماً لها. وهذا التقارب كان قد أخذ شكل اتصالات وزيارات متبادلة لإجراء محادثات بين وفود من دول ذات مصالح متضاربة، خلافاً لما كان قائماً منذ سنوات، بالإضافة إلى الاتجاه لبدء محادثات سياسية بين دول معادية لبعضها كتركيا وسوريا. كما أن  سعي إدارة ترامب لإبرام مزيد من اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل قد لا يتحقق، أو في أفضل الأحوال قد يتوقف لفترة من الزمن، رغم رهان حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية على أن إدارة ترمب، ستمارس الضغوط على دول عربية كالسعودية، أو مساومتها في بعض الملفات المرتبطة بمصالحها الوطنية للتطبيع مع إسرائيل.

إن ترامب إذا ذهب إلى الإستمرار من حيث توقف في ولايته الأولى، بالسماح للمستوطنين وقادتهم المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية بضم مناطق الأغوار وأجزاء من الضفة الغربية، وللسماح لنتنياهو بتحقيق "نصره المطلق" و"شرق أوسطه الجديد"، فإن هذا يعني عملياً تطهيراً عرقياً لأكثرمن ثلثي الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، وتدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى الأردن الذي قد يعتبرهذا أنه بمثابة إعلان للحرب. وهذا يعني أيضاً أن ترامب الذي تقوم سياسته على الصفقات، سيعجل بتدمير الوضع في الشرق الأوسط الذي بدأه في ولايته الأولى.

 

 

 

Loading...