هل تُمهّد الولايات المتحدة لتسوية تُقايض بها وقف التصعيد بضم أجزاء من الضفة الغربية؟

 

 

 

في ظل تسارع التطورات الأخيرة في المنطقة من خلال تصاعد وتوسع الجرائم الإسرائيلية غير المسبوقة، تُثار التساؤلات حول الدور الأمريكي في إدارة الأزمات المتصاعدة على جبهتي غزة وجنوب لبنان رغم شراكته بالعدوان الجاري، خاصة في ظل عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بعد شهرين. فهل تسعى واشنطن لإبرام صفقة تتضمن وقف إطلاق النار بشروط إسرائيلية مخففة تتنازل فيها عن ما أعلنت عنه مقابل دعم أمريكي واسع لها لخطط ضم أجزاء من الضفة الغربية؟

الدور الأمريكي بين الإدارتين الحالية والقادمة

إدارة بايدن وقبل ان تغادر تُسابق الزمن لتحقيق هدنة مستدامة أو على الأقل مؤقته تضمن إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في غزة وجنوب لبنان، وذلك لمصالح مستقبل الحزب الديمقراطي السياسي في وجه تصاعد المعارضة داخله بعد فشل كامالا هاريس، لكن هذه الإدارة تواجه ضغوطا داخلية ودولية تُعيق فرض شروطها وتحديداً من ترمب الذي يريد أن يضمن الحصاد السياسي لنفسه ويُثبت فشل الحزب الديمقراطي. في المقابل يُلوح ترمب الذي يعود إلى السلطة قريبا، بوعوده لنتنياهو ولليمين الإسرائيلي بدعم خطط الضم وتوسيع المستوطنات، مما يُظهر انقساماً واضحاً في تنفيذ السياسات الأمريكية ومصالحها دون الخلاف على جوهرها بالعلاقة الإستراتيجية مع إسرائيل بمختلف محدداتها.

المبعوث الأمريكي الأخير لإدارة بايدن إلى لبنان هوكشتين يعكس محاولة إدارة بايدن تهدئة الأوضاع قبل التغيير القادم في الإدارة الأمريكية

فالسيناريو المطروح يشير إلى احتمال تقديم الولايات المتحدة عرضاً لإسرائيل، يتضمن وقف التصعيد العسكري في غزة ولبنان مقابل إطلاق يدها في الضفة الغربية، بل وربما الاعتراف الرسمي بضم مناطق جديدة حيث أن إدارة ترمب لا تعتبر الاستيطان غير شرعي، وهو أمرٌ يبدو مُغرياً جداً لحكومة نتنياهو، خاصة وأن ترمب سيسعى بتقديري للعودة إلى مسألة صفقة القرن التي كان نتنياهو على وشك الاتفاق عليها معه في نهاية رئاسته السابقة، حيث ما سيساهم بذلك هو عودة إدارة ترمب بجوهر وشكلٍ أكثر صهيونية من السابق.

الأولويات الإسرائيلية: الضم أم التصعيد على الجبهتين؟

أمّا نتنياهو فيواجه خيارات صعبة تُحددها حساباته الداخلية والخارجية أمام اختيار أي من الاحتمالين. حيث يمثل السيناريو الأول المتمثل بالضم إنجازاً أيديولوجياً ودينياً يُلبي تطلعات اليمين الصهيوني والصهيوني الديني في إسرائيل، كما ويُعزز سيطرة إسرائيل على أراضٍ استراتيجية لها معنى توراتي لهم من خلال إقامة دولة يهودا. كما يُمكن أن يكون ورقة مساومة تُحقق مكاسب سياسية داخلية لنتنياهو في مواجهة أزماته القضائية والمجتمعية والحزبية. هذا إضافة لأن تعود غزة مشروعاً استيطانياً يضمن تهجير شمال غزة ليُبقى عليها محاصرة بمساحة قد لا تتجاوز 200 كم مربع مُدمر.

إلا أنه وعلى الجانب الآخر، فهنالك إمكانية ظهور عقبات تواجه خطط الضم، تتمثل بمعارضة قوية من المجتمع الدولي الذي يعلن لفظياً دعمه لحل الدولتين رغم أن جزءً كبيراً منه يقف عاجزاً أو متآمراً سياسياً لأغراض تاريخ وثقافة الاستعمار وأسبابه. كما يُمكن أن تؤدي هذه الخطوة إلى إشعال انتفاضة شعبية واسعة فلسطينية جديدة قد يصعب احتوائها لأسباب متعددة، وقد تزيد من كلفة الاحتلال وعدم استقرار المجتمع الإسرائيلي خاصة في ظل ما تتعرض له حتى السلطة الوطنية من محاولات حصارها من جانب الاحتلال لإفقادها مزيداً من سلطاتها على الأرض ومزيداً من توسيع هوة العلاقة مع فئات واسعة من شعبنا خاصة إذا أصبح التعثر المالي أمراً جدياً ومستمراً، وفق ما أعلنه أقطاب حكومة الاحتلال من خطط تؤدي إلى ذلك.

أمّا الاحتمال الثاني، والمتمثل في استمرار تصعيد العدوان العسكري في غزة ولبنان، فهو يُمكّن نتنياهو من التركيز على التهديدات الأمنية لتشتيت الانتباه عن قضاياه الداخلية، ويُبرز قوته أمام الناخب الإسرائيلي.

لكن هنالك قد يبدو عقبات أمام التصعيد المستمر والطويل بما يؤدي من استمرار خسائر كبيرة قد لا تتحملها الجبهة الداخلية الإسرائيلية ويزيد من الضغوط الدولية أيضاً.

وبالنظر إلى الاحتمالين وما أشرت له من عوامل، فمن المرجح أن يُفضل نتنياهو تحقيق مكاسب تدريجية تضمن له البقاء السياسي دون الدخول في مواجهات واسعة مع القوى الدولية أو القضاء الإسرائيلي، بمعنى دون أي التزامٍ واضحٍ بأي احتمال، لكن بما يفضي إلى الاستمرار بتنفيذ الاحتمالين معاً بشكل لا يشكل عليه ضغوطات عالية.

وكما أشرت فإن الاتحاد الأوروبي قد يشكل العقبة الأكبر أمام محاولات الضم، إذ يُعارض بشدة أي خطوات تُهدد حل الدولتين رغم عدم وجود سياسة خارجية موحدة لدول الاتحاد سوى بإجماع الدول الاعضاء، وذلك في حال اتخاذ إجراءات عملية وفورية تتعلق بأوجه الشراكة الأوروبية الإسرائيلية بحق دولة الاحتلال تتضمن تنفيذ التصريحات الصادرة عنهم بتعليق الحوار والمشاورات السياسية.

كما وقد يلجأ الاتحاد إلى استخدام أدوات دبلوماسية واقتصادية مثل تقليص التعاون وتعزيز الدعم المالي للسلطة الوطنية الفلسطينية التي تواجه تحديات وعقبات من جانب الاحتلال الإسرائيلي يهدد استمرارها رغم جعلها كسلطة دون سلطة فعلية أمام محاولات إعادة الإدارة المدنية الإسرائيلية.

ومن جانب آخر، فإن روسيا والصين ومعهم العديد من الدول التي تدور في فلك مجموعة البريكس وشنغهاي والدول اللاتينية والإفريقية والآسيوية،

يرفضوا أي خطوات أحادية الجانب قد تُزعزع الاستقرار الإقليمي، وقد يُنسقان مع دول أخرى لإحباط مخططات الضم، إلا أن مواقفهم هذه يجب أن يقترن بإجراءات أكثر جدية وفعالية لتكون مؤثرة.

أمّا الدول العربية، فإنها تُواجه ضغوطاً متزايدة من شعوبها ومن ما تبقى فيها من حركات سياسية فاعلة للتعبير عن موقف واضح ضد الضم، لكن بعضها قد يتجنب التصعيد العلني، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية الحالية.

في خضم هذه التحديات، تبرز الحاجة لدور عربي قوي وموحد وجريء في مواجهة أي إدارة أمريكية، خاصة بعد القرارات التي صدرت في القمة العربية الإسلامية الأخيرة، فمن الضروري أن تعمل الدول العربية، وتحديداً المملكة العربية السعودية بالتعاون مع تركيا ومصر وإيران والأردن وبالطبع مع منظمة التحرير صاحبة الولاية السياسية على:

أولاً: التأكيد على أن أي حلول سياسية يجب أن يقوم على رؤية إنهاء الاحتلال الاستيطاني كاملاً بما يضمن لاحقاً إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على حدود ما قبل 4 حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

ثانياً: استخدام كل أشكال الضغط السياسي والديبلوماسي في المحافل الدولية لضمان بقاء مبدأ حل الدولتين والمبادرة العربية والقرارات الأممية المرجعية الأساسية لأي تسوية سياسية بالمنطقة دون الدخول في صفقات مجزئة كما سيرغب ترامب، والإصرار السياسي الفعلي على عدم القبول بأقل من ذلك بعد وقف عدوان الإبادة وترك غزة للسيادة الفلسطينية.

ثالثاً: تعزيز الدعم الدولي للقضية الفلسطينية، من خلال التنسيق مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين لضمان تشكيل جبهة دولية تُعارض خطوات الضم وتدعم حقوق شعبنا الفلسطيني غير القابلة للتصرف.

رابعاً: التعامل مع الإدارة الأمريكية من خلال التواصل المباشر الجريء والضاغط باستخدام سلاح الطاقة والمال مع إدارة بايدن قبل تسليم السلطة لتثبيت مواقف داعمة للفلسطينيين.

كما واستغلال العلاقات الجيدة من جانب بعض الأطراف العربية مع الأطراف الأمريكية للضغط على ترمب وإدارته القادمة للامتناع عن دعم خطوات الضم ووقف فوري العدوان دون ما يرغب به ترمب بعقلية الصفقات التجارية.

خامساً: وهو الأهم باعتقادي، بتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية والعمل بشتى الوسائل الشعبية والديمقراطية على استنهاضها وتعزيز مكانتها باستيعاب كافة الفئات الشعبية فيها من جهة، وتنفيذ ما تم الاتفاق والتوقيع عليه في لقاء بكين الأخير لتحقيق إنهاء تداعيات الانقسام التي ما زالت قائمة رغم عدوان الإبادة والاقتلاع العرقي، وذلك بما يُقوي الموقف والخطاب الفلسطيني الموحد في مواجهة التحديات وضرورة مراجعة السياسات وتبني ما يستند إلى قرارات المجالس المركزية الأخيرة من حيث العلاقة مع الاحتلال والاستناد إلى ديبلوماسية وسياسة مقاومة وخطط اقتصاد مقاوم، بما يتطلب بشكل عاجل الدعوة لاجتماع المجلس الوطني الفلسطيني أو على الأقل المركزي بمن يتمكن من الأعضاء وعلى قاعدة توسيع عضويته من القاعدة الجماهيرية والكوادر الوطنية الفاعلة.

بالمقابل فإن نتنياهو يدرك أن دعم الولايات المتحدة هو المفتاح لتحقيق طموحاته، لكنه يعلم أيضاً أن الضم الكامل أو التصعيد الكبير والمستمر من أشكال العدوان وتوسعة رقعة الحرب وهو الأمر البديل في حال عدم الوصول إلى اتفاق مع لبنان قد يُعرّض إسرائيل لمخاطر ولعزلة دولية حقيقيةً خاصةً مع وقوفها في قفص القضاء الدولي وتصاعد الاحتجاجات التضامنية مع شعبنا في عواصم الدول والضرر في مستوى حضورها الدولي كما جرى مؤخراً ببعض العواصم الأوروبية.

لذلك، من المحتمل أن يُفضّل نتنياهو نهجاً مرحلياً، بحيث يُحقق مكاسب محدودة على الأرض تُحافظ على دعم واشنطن وتُقلل من التوتر مع المجتمع الدولي يسعى من خلالها إلى محاولات تنفيذ رؤيته الصهيونية المسيانية التي بالتأكيد لن تمر ولن تتحقق وفق تجارب التاريخ واصرار شعبنا على مقاومة ذلك، فمحاولات فرض الوقائع ليست قدراً على الشعوب.

 

 

 

Loading...