مقالات مختارة

الضربة الإيرانية أنعشت الشعور القوميّ العراقي..

 

بقلم: فلاح الحسن
أعاد الهجوم الايراني على الأراضي العراقية إحياء شعور قومي لدى العراقيين كان بدأ يتنامى في السنوات الأخيرة ضدّ نفوذ طهران في بلاد الرافدين.
الاعتراض على الهجوم الذي وصفته الأوساط السياسية الرسمية والاجتماعية بأنّه اعتداء واضح على السيادة العراقية، ينبع من، ويتأثر، بأجواء شعبية، بدأت تعارض تدخلات إيران وسيطرتها على المشهد العراقي. وقد بدأ يترك أثره على المواقف الرسمية للحكومة والدولة، ما قد يضع طهران في مواجهة حقيقية لا ترغب في دخولها، قد تؤدي إلى تصاعد التوتر بينها وبين بغداد. وهو توتر يجد موقعاً له في مواقف بعض القوى التي بدأت تتحدث عن ضرورة بقاء القوات الأميركية، حتى وإن كانت ذات طبيعة قتالية، لتكون عاملاً مساعداً لمواجهة النفوذ الإيراني وحلفائه العراقيين. الأمر الذي يرفع المخاوف الإيرانية من إمكانية الدخول بشكل واسع في نزاع مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية حول مستقبل وجودها ونفوذها في المنطقة.
فالإجراءات الدبلوماسية والقانونية التي قامت بها الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني ردّاً على الهجوم الذي قامت به القوة الصاروخية في حرس الثورة الإسلامية الإيراني باثني عشر صاروخاً على أحد المنازل المدنية في مدينة إربيل بذريعة استخدامه كمقرّ لعمل جهاز الاستخبارات الإسرائيلية "الموساد" ضدّ إيران، أحدثت صدمة لدى الأوساط السياسية والرسمية وحتى العسكرية في النظام الإيراني.
طهران التي كانت تتوقّع أن يلتزم الجانب العراقي الرسمي الحدّ المتعارف عليه في ردّ فعله على أيّ عملية أمنيّة تقوم بها داخل الأراضي العراقية بناء على تجربة سابقة تحت الذريعة نفسها قامت بها في 13 آذار 2022، فوجئت من الخطوات التصعيدية التي شملت الذهاب إلى مجلس الأمن وتقديم شكوى ضدّها واتّهامها بخرق السيادة العراقية، فضلاً عن استدعاء سفيره في إيران للتشاور، في حين ذهب وزير الدفاع واثق العباسي للحديث عن إمكانية اللجوء إلى إعادة النظر في الاتفاقية الأمنيّة الموقّعة بين البلدين التي يمكن اعتبارها آخر إنجاز قام به الأمين العام لمجلس الأمن القومي الأعلى الإيراني علي شمخاني قبيل إقالته من منصبه.

عمليّة استهدفت "نساءً وأطفالاً"
الإجراء أو التصعيد العراقي اعتبرته طهران الأول من نوعه خلال العقدين الماضيين بعد انهيار نظام الرئيس الأسبق صدام حسين. إذ جاء الكلام الصادر عن مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي الذي زار موقع الاستهداف بأنّ الضحايا هم من المدنيين "نساء وأطفالاً" ولا وجود لأيّ إشارة عن استخدام المكان لأعمال استخبارية. وهو تصريح استهدف وصوّب على أساس الرواية الإيرانية عن وجود مقرّات سرّية للموساد الإسرائيلي تُستخدم لإعداد وتنسيق عمليات أمنيّة واغتيالات داخل إيران وتدريب عناصر من المعارضة لضرب الاستقرار والأمن. إيران التي ادّعت أنّ ذلك بات يشكّل تهديداً للأمن القومي للنظام، خاصة أنّ الحكومة لم تتردّد بوصف العملية الإيرانية بأنّها "اعتداء على الأراضي والسيادة العراقية بشكل واضح ومن دون مواربة".
يبدو أنّ الحكومة العراقية حاولت على لسان رئيسها السوداني الإمساك بالعصا من الوسط والبحث عن تسوية تمكّنها من التمسّك بالموقف القانوني والدبلوماسي من الاعتداء الإيراني على إربيل، وهو ما ينسجم مع تنامي الشعور الداخلي المطالِب برفض السماح لأيّ طرف بالنيل من السيادة العراقية، ويساعد رئيس الحكومة من ناحية أخرى على التهدئة مع الجانب الإيراني وعدم الذهاب إلى مزيد من التصعيد، خاصة بعد تزايد وارتفاع وتيرة العمليات التي تقوم بها الفصائل والميليشيات العراقية الموالية لإيران ضدّ القواعد والوجود الأميركي في العراق وسوريا.

السوداني يعلن من دافوس: طفح الكيل
وجّه السوداني من "منتدى دافوس" في سويسرا، على هامش التجمّع الاقتصادي العالمي، رسائل واضحة للطرفين الإيراني والأميركي المتصارعين على الأراضي العراقية، بأنّ الأمور أمام حكومته وصلت إلى مرحلة حرجة ودقيقة قد تدفع إلى الانفجار على خلفيّة الانقسام المسيطر على الشارع العراقي بين من يعتبر الوجود الأميركي حاجة كورقة لمواجهة توغّل إيران وحلفائها وجماعاتها وميليشياتها وسيطرتها على المشهد، وبين جماعات لا تجد حرجاً من الإعلان عن موقفها وعملها في إطار الاستراتيجية الإيرانية الساعية إلى إنهاء الوجود الأميركي في العراق وسوريا وغرب آسيا. لذا أعاد السوداني التأكيد على ما سبق أن أعلنه من جدّية حكومته في إطلاق حوار حقيقي مع قوى التحالف الدولي يتعلّق بمستقبل وجود قوات التحالف العسكرية في العراق، لافتاً إلى انتفاء الحاجة العراقية إلى دورها بعد انتهاء خطر داعش وقدرة القوات العراقية العسكرية على التعامل مع الخلايا الباقية لهذا التنظيم.

ترك السوداني كلامه وموقفه مفتوحاً على الكثير من التأويلات، خاصة عندما حصر حديثه عن قوات التحالف الدولي. فعلى الرغم من أنّ الجنرال الأميركي جول فاول يتولّى قيادة هذه القوات في العراق وسوريا، وأنّ الحوار لا شكّ سيكون مع الجانب الأميركي في إطار اتفاقية الشراكة العراقية الأميركية، إلا أنّه لم يناقض كلام مستشاره السياسي فرهاد علاء الدين الذي أكّد سابقاً أنّ موقف الحكومة يقوم على استمرار التعاون مع الجانب الأميركي والإبقاء على وجود غير قتالي للقوات الأميركية بواقع 2,500 عنصر تحت عنوان تدريبي واستشاري.

أخطاء في الحسابات الإيرانيّة
قد تكون قيادة النظام السياسية والعسكرية في إيران قد وقعت في خطأ في حساباتها، وذهبت إلى تنفيذ هذا الاعتداء على اعتبار أنّ العراق وحكومته لن يذهبا إلى ردّ فعل على أيّ إجراء قد يقوم به النظام ضدّ إربيل، نتيجة الأجواء السلبية التي رافقت زيارة رئيس الإقليم نيجرفان بارزاني قبل يومين من الهجوم الإيراني للعاصمة بغداد والمباحثات التي أجراها مع القيادات السياسية وتمحورت حول الضغط من أجل وقف العمليات التي تقوم بها الفصائل الموالية لإيران ضدّ القوات الأميركية في الإقليم، خاصة أنّ إربيل وقيادتها على اختلاف تامّ مع بغداد في ما يتعلّق بموضوع الوجود الأميركي، وهو ما عبّر عنه رئيس الإقليم خلال استقباله قائد قوات التحالف الجنرال فاول في إربيل في التاسع من الشهر الجاري، أي قبل خمسة أيام من العملية الإيرانية، التي جاءت ردّاً على الضغوط الإيرانية على الإقليم للسير مع بغداد في موقفها من هذا الوجود.من الأخطاء التي وقعت بها القيادة الإيرانية، بعيداً عن طبيعة التسويغ الذي قدّمته لهذا الاستهداف بالقول إنّه طال مقرّاً سرّياً لعمل الموساد الإسرائيلي في الإقليم، أنّ ممارسة أعلى مستويات الضغط على قيادة الإقليم للتخلّي عن موقفها من وجود القوات الأميركية، أسقطت من اعتباراتها العلاقة العضوية والوجودية التي تربط بين الطرفين الأميركي والكردي، وأنّ القيادة الكردية ترى في هذا الوجود على أراضي الإقليم ورقة توازن بينها وبين العاصمة بغداد والحكومة الاتحادية فيها، خاصة أنّ الأكراد يعتقدون أنّ الوضع الذي يتمتّعون به على صعيد السلطة والحكم يعود الفضل فيه للدور والحماية الأميركيَّين، بالإضافة إلى ما يلعبه هذا الوجود من دور في فرض التوازن بين الإقليم وكلّ من الطموحات الإيرانية والتركية.

 

عن موقع أساس

Loading...