من قال إنكم ساميّون أصلاً؟؟

 

 

 

مازال "العقل اليهودي" مبرمجاً على تداعيات ما جرى لليهود في بولندا وألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية  (الهولوكوست) في منتصف القرن العشرين، وعلى خلفية سلوك أوروبا مع اليهود في القرن التاسع عشر من كراهية ونبذ وتحقير، وهو سلوك كان ناتجاً عن  اتهامات لليهود في مجتمعات أوروبا سواء الكاثوليكية أو الأرثوذكسية بأنهم جشعون وكذابون وتجار جنس ومرابون وقد تسببت لهم هذه  الصورة "النمطية" بالعزلة الاجتماعية مما اضطرهم لبناء مجتمعات العزلة "الغيتو" أي مجتمعات اليهود المغلقة  في أوروبا أو حارات اليهود في بعض الأقطار العربية مثل مصر وسوريا وفلسطين وغيرها من الأقطار وعلى هذه الخلفية أي كراهية اليهود والبحث عن الخلاص منهم نشأت فكرة "المسألة اليهودية" التي بقيت شاغلة للعقل  السياسي والاجتماعي الأوروبي على مدى قرن من الزمان، ولكن وبعد أن بات اليهود قوة مالية ضاغطة جاء "الحل" بسيطاً وسهلاً من قبل "هرتزل" وذلك بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين بعد أن تحالف رأسمال الأوروبي وبخاصة البريطاني والفرنسي مع الحركة الصهيونية التي أخذت تنشط في ذلك الزمن وبدعم رأسمالي استعماري للخلاص من اليهود  وإيجاد حل للمسالة اليهودية.

للاطلاع على خلفية ذلك وبشرح أوفى أرجو الرجوع إلى مقالي المعنون (معاداة السامية من كذبة مسمومة إلى تهمة قاتلة) المنشور بالرأي وفي هذه الزاوية بتاريخ 5/ 5 / 2024.

اليوم وبعد قرابة ثمانية عقود على انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتصار المعسكر الأنجلو ساكسوني فيها على ألمانيا النازية ومضى أكثر من خمسة وسبعين عاماً على تأسيس "دولة إسرائيل"، نجد أن هذه الدولة مازالت تعيش في ظل الكذبة الكبرى المسماة "معاداة السامية" و"وتضخيم قصة الهولوكوست".

إنها حالة مخيفة من إنكار الواقع بل الغياب التام عنه وعن إمكانية تلمسه بل والانغماس الكامل في فرضية "الضحية" التي تتمسك بها إسرائيل كأحد أهم مقوماتها الوجودية، وهذا كله يتم وهي ترتكب أفظع الجرائم في غزة والضفة وعلى مرأى ومسمع من العالم وعلى الهواء مباشرة.

كل ما سبق أوردته في سياق التعليق على رد فعل دولة الاحتلال بكل مكوناتها وتلاوينها السياسية على قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو ويوآف غالانت بتهمة ارتكابهما جرائم ضد الإنسانية، كل تلك المكونات اعتمدت خطاباً واحداً أن المحكمة تعادي السامية وهو اصطلاح يعني أن "إسرائيل اليهودية" يجرى البحث عن عقابها وفق القانون الدولي فقط لأنها "يهودية سامية" وهنا تكمن الكذبة لربما الأكبر في التاريخ البشري، فالاحتلال يتجاهل ما يلي:

أولاً: إنه احتلال قائم وهو آخر احتلال في التاريخ وهو ليس احتلالاً عارضاً أو مؤقتاً بل هو احتلال إحلالي يريد الأرض ولا يريد أصحاب الأرض وهو ما يعني إما إبادتهم والخلاص منهم قتلاً أو طردهم خارج أرضهم وتحويلهم لقضية لأطراف أخرى.

ثانياً: إن هذا الاحتلال وعلى مدى عام كامل ارتكب مجازر راح ضحيتها قرابة 45 ألف إنسان بريء معظمهم من النساء والأطفال أي بمعدل أن كل شهر يقتل قرابة 4 آلاف إنسان وبمعدل يومي يقتل قرابة 125 إنساناً ومع ذلك وبحكم نظرية المظلومية "ضد السامية"، ويستمر هذا الكيان المتوحش في قتل الفلسطيني اعتمادا على ما سبق ويواصل "عقيدته الحيوانية الافتراسية" ضد الشعب الفلسطيني بغرور ووقاحة متجاهلاً "العالم برمته".

ثالثاً: لقد التصقت بهذا الاحتلال وبالوقائع والأدلة الدامغة ارتكابه جرائم حرب وهو ما يعني أن استخدامه لمعاداة السامية المفترضة بات يقابلها (جرائم ضد الإنسانية لهذه الدولة اليهودية).

رابعاً: علينا وبناء على ما سبق أن نصف اعتماد مصطلح "معاداة السامية" كأخطر تمييز عنصري في تاريخ الإنسانية ليس لأنه مصطلح كاذب بل لأنه بات معياراً يعتبر فيه "اليهود الصهاينة أنفسهم" فوق البشر وأن البشر هم مجرد "أغيار" أو "جوييم" بالعبرية أي أقل مرتبة وقيمة وتحضر.

•ملاحظة هامة: معظم الذين يعتبرون أنفسهم يهوداً ويعيشون فوق أرض فلسطين التاريخية اليوم لا علاقة لهم بالعرق السامي على الإطلاق، فهم إما من العرق السلافي أو الجرماني أو الخزر ولهذا المصطلح ونشأته قصة ومؤامرة تحتاج لعدة مقالات لتوعية العالم به وفضح أبعاده.

 

 

 

Loading...