أخيراً.. دخل وقف إطلاق النار على جبهة لبنان حيّز التنفيذ، الكلمة الأولى كانت لبنيامين نتنياهو، حيث أعلن قبوله للقرار، إلا أنه لم يدافع عنه، بالقدر الذي دافع فيه عن قبوله له.
غابت عن خطاب نتنياهو أية إشارات تدل على أنه حقق نصراً أو أنه في الطريق إلى ذلك، وباختصار كان خطاب القبول والتبرير، بمثابة هروبٍ من البوابة اللبنانية إلى البوابة الإيرانية وإلى البوابة الغزية.
البوابة الإيرانية التي منها عبر وقف إطلاق النار، هي مكان الهروب الدائم لنتنياهو من الفشل، فكل ما يفعل وما لا يفعل، ولكل فشل عنده سبب جاهز هو إيران، مع أنه يدرك أكثر من غيره أنه لولا الضوء الأخضر الإيراني لحزب الله والذي جاء بتفاهم مع الأمريكي لما تم التوصل إلى وقف إطلاق النار.
في إسرائيل وربما في المنطقة كلها والعالم، لا أحد يجرؤ على تحميل وقف إطلاق النار أكثر مما يحتمل، معظم الإسرائيليين يتشككون منه، إن لم نقل يعترضون عليه، وحتى الذين عملوا ليل نهار لإحرازه، لا ضمانات أكيدة لديهم بأن لا ينهار، إن لم يكن غداً فبعد غد أو بعد بعد غد، ذلك لسبب واحد وحيد، انطبق على كل اتفاقات وقف إطلاق النار التي سبقته على الجبهات التي حاربت إسرائيل، لم تتحول الاتفاقات إلى حقائق راسخة قادرة على الصمود طويلاً إلا حين تعززت بتسويات سياسية لا تحمي وقف إطلاق النار فقط بل تؤسس لإنهاء حالة الحرب.
تزعم إسرائيل أنها حققت إنجازاً نوعياً تتباهى به، وهو فصل جبهة الشمال عن جبهة الجنوب، ونتنياهو أشار بوضوحٍ إلى ذلك حين فسّر الاتفاق على أنه سيوفر فرصة أفضل للاستفراد بغزة، هذا صحيح إذا ما نُظر للأمر من منظور عسكري مجرد، أمّا إذا ما ذهبنا إلى ما وراء ذلك وهو الأهم والأعمق، فقد يتضاعف الوجود العسكري على أرض غزة، وقد يستريح جيش الدفاع المرهق، وقد يُعاد تنظيمه بعد ما حلّ به من فوضى وقلة انضباط وتهرّب واسع من الخدمة، إلا أن غياب تسوية سياسية جذرية يرضى عنه الفلسطينيون، سيجعل كل ما أنجزت إسرائيل عسكرياً في أي مكان عُرضة للذوبان والتلاشي، هكذا قال تاريخ الصراع الذي انطلق من فلسطين ويعود دوماً إلى فلسطين.