هذا هو شرق أوسطنا.. استوطتنه كرة نارٍ متنقلة لا تهدأ ولو لأيام، من حرب إبادة في غزة، إلى حرب سيطرة وإخضاع في الضفة، إلى حرب إسناد وتضامن ودفاع في جنوب لبنان، إلى حرب انتقائية الأهداف في إيران وسوريا، إلى حرب تضامنية من اليمن والعراق إلى حربٍ أهلية في السودان.
ما أن تهدأ الحرب في مكان حتى تشتعل في مكان آخر، وفي كل هذه الحروب يتحرك الإطفائي الأمريكي تارة برش الماء على النار، وهذا ما حدث في لبنان أخيراً، وتارة أخرى يصب الزيت عليها، وكأن الشرق الأوسط يجب أن يظل مشتعلاً تحت غطاء جملةٍ فارغة هي الاتفاق على أن لا تتطور الأمور إلى حرب إقليمية، مع أن ما نحن فيه أخطر بكثير لأنها حربٌ فوضوية لا تبقي ولا تذر.
الحرب الدائرة الآن في الشمال السوري، هي حرب نفوذ بين الاحتلالات المتعددة للجغرافيا السورية، وكل عرابيها يعانون من استحالة حسمها نظراً لتورطهم في حروبٍ أخرى، إيران التي ظنت أن سوريا مستعمرة تدين لها بالتبعية والولاء لم تعد قادرة حتى على حماية وجودها هناك.
وتركيا التي تعاني الأمرين من كثافة النازحين وثقلهم على الحياة التركية، تتورط من خلال أذرعها في حربٍ ربما لا تكون لها نهاية، وروسيا الحامية الفعلية للنظام السوري تقف حائرةً أمام سؤال.. هل بمقدورها حمل بطيختين في يد واحدة، حماية سوريا ثم حرب الدفاع والهجوم في أوكرانيا؟
أمّا حزب الله الذي احتفل بالنصر بعد كل ما حل به وبلبنان، فهل بوسعه إرسال فيالق إضافية لحماية الحليف السوري الذي يتربص به العدو الإسرائيلي.
هذه صورة الشرق الأوسط... إنه مجرد كثبان متحركة، كل من يقترب منها يخسر حتى لو كان دولة عظمى.