كُتّاب مسار

السلاح والسلام معضلة الحرف والانحراف

حرف واحد فقط يقسّم الطبقة الحاكمة الفلسطينية إلى معسكرين مختلفين تحت الاحتلال، أولهما مقاوم وثانيهما مسالم، وكلاهما بلا أجندة ولا خارطة طريق ولا خطة عمل.

أصحاب السلام يبحثون عن تسوية تبدو مستحيلة في ظل الإصرار الإسرائيلي على المضي في تهويد الأرض وضمها تحت غطاء الرضا الدولي والصمت الرسمي في المنطقة، وعجز عرب وعجم عن تجاوز حدود الخطابة إلى الفعل، وقد كشفت حرب غزة صوراً كثيرة لهذا العجز الاختياري.

وأصحاب السلاح يبحثون عن نصر يبدو صعباً جداً في ظل الفرق الكبير في القوى بين من يَحتل (بفتح الياء) ومن يُحتل (بضم الياء). وبين من تفتح لهم خزائن ومخازن الغرب، ومن يمن عليهم العرب بمنح وتسهيلات لا تكفي لإطعام حارة.

أصحاب السلام في الضفة راهنوا على رعاتهم فخاب رهانهم، وتبين لهم ولغيرهم أن راعي السلام الفلسطيني هو في الحقيقة راعي السلاح الإسرائيلي. وربما كان عليهم أن يروا ما أنتجته أوسلو بعد عشرين سنة من توقيعها. وأصحاب السلاح في غزة راهنوا على وحدة الساحات فخاب رهانهم أيضاً وتبين لهم أن الموقف العملي لمحور المقاومة أصغر كثيرا من شعار هذا المحور، وربما كان عليهم أن يقرأوا الواقع بدقةٍ أكبر وأن يستحضروا النموذج السوري الذي يكشف أن النظام مستعد لخوض الحروب مع العرب والأتراك وأي جهة في الدنيا باستثناء إسرائيل التي تعربد في سماء سوريا وفوق الشام كل يوم دون أن يسمح النظام حتى لمدفعيته بإسقاط طائرة معتدية.. أو الاقتراب من الجولان المحتل.

هذان المعسكران ما زالا يتصارعان في الساحة الفلسطينية وعلى حساب الفلسطينيين كلهم، وقد فقد رموزهما القدرة حتى على بعض الخجل. وما زالوا محكومين بالشعارات الجوفاء مثل "عملية السلام" و "حل الدولتين" أو "وعد الله" و"نهاية إسرائيل".

حرب غزة التي تقدم فيها المقاومة صوراً رائعة للصمود والبطولة، ويسميها الإسرائيليون والغرب وبعض العرب "حرب إسرائيل وحماس" هي الحرب التي قدمت حماس كدولة واختصرت إسرائيل وجعلتها بحجم تنظيم، لكنها في الوقت نفسه هي الحرب التي أسقطت شعارات معسكري السلام والسلاح، فلا عملية السلام موجودة ولا حل الدولتين ممكناً، ولا نهاية لإسرائيل بصمود المقاومة في غزة مهما بلغت تضحيات الفلسطينيين في القطاع وتشبثهم بترابهم، لأن الجبهات الأخرى صامتة كالقبور.

هل هذه رؤية سوداء تيئيسية؟ ربما تكون رؤية سوداء، ولكن من قال أن واقعنا أبيض!

أما عن اليأس فهو ليس أبدياً بل من هذه المرحلة، ولعل قادم الأيام يظهر بعضاً من إبداع الفلسطينيين في اجتراح البدائل، ولعل البديل يتجاوز أفكار حكومات التكنوقراط والدمى الجاهزة والمرشحة لقيادة المرحلة وأصحاب السلام الفياض أو الأفكار الرمادية الداعية إلى مقاومة سكر قليل أو نصف مقاومة تبرر الشعار الحربجي وخطابات من قدس الله سرهم.

هناك أفكار تتخلق الآن في العقل الفلسطيني وقد تكون مفاجئة للجميع لأنها من خارج صندوق المعادلة الباهتة، وبعيدة عن معسكري السلام والممانعة.

ما سيأتي، بالمعنى السياسي لن يكون فقط خارجا عن المألوف الممل، بل صادماً للنخب المتورطة في البحث عن بقاء المحورين المسالم والممانع.

ولكل حديث بقية تأتي في وقتها.

 

Loading...