ثمة خلط بين غالبية التحليلات والمقالات الصحفية لكتاب فلسطينيين وعرب عن ماهية المستوطنة والمستعمرة، وأعترف أنني أحد هؤلاء الكتاب على مدار أكثر من ثلاثة عقود خلت. فالمستوطنة هي اسم مكان، للدلالة على الاستقرار والإقامة الطبيعية والقانونية، في حين يطلق اسم مستعمرة على مكان تمّ احتلاله لتغيير طابعه الجغرافي والديموغرافي، وهذا ما يطلق بطبيعة الحال على المكان التي يحتله الجيش الصهيوني في فلسطين، ليقيم عليه تجمعاً استعمارياً صهيونياً تهويدياً، كنموذج خاص في التاريخ البشري.
الركيزة الأهم
ترتكز دولة الاحتلال على عدة ركائز لتهويد الأرض الفلسطينية، في مقدمتها مصادرة مزيد من أراضي الفلسطينيين واحتلالها، ومن ثم إقامة المستعمرات الصهيونية عليها بعد طرد أصحاب الأرض الفلسطينيين، والقيام بعملية إحلال مهاجرين يهود فيها بغرض رسم جغرافيا وديموغرافيا تهويدية قسرية، وبذلك تعتبر المستعمرات الصهيونية أحد أهم رموز الاحتلال الصهيوني لفلسطين.
مخططات ضم الضفة الغربية
تؤكد خطابات حكومة نتنياهو يومياً على ضم الضفة الغربية.. واللافت أن المشاريع الإسرائيلية لضم الضفة الغربية لم تتوقف منذ احتلالها في حزيران / يونيو 1967، حيث اعتبرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بغض النظر عن نعتها، فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق غور الأردن وشمال البحر الميت، ترسيخاً عملياً للمشاريع الاستعمارية التهويدية للضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس. وقد أكدت الحملات الانتخابية الإسرائيلية قبل أية انتخابات للكنيست، أنه لن يسمح بإخلاء أي من المستعمرات، بل عملت كافة الحكومات الإسرائيلية على تنشيط الاستعمار وبناء مزيد من المعالم الاحتلالية الصهيونية. ولمواجهة مخاطر فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية عبر تنشيط معالم الاحتلال، يتحتم العمل على تدويل قضية المستعمرات وتقنينها، وهي التي تعتبر من أهم معالم الاحتلال، حيث يعزز قرار مجلس الأمن رقم 2334 هذا التوجه، ويؤكد عدم شرعية إنشاء الكيان الإسرائيلي المستعمرات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967 بما فيها الجزء الشرقي من القدس الذي يضم المقدسات الإسلامية والمسيحية، كما يعتبر النشاط الاستعماري الصهيوني، بما فيه الجدار العازل، خرقاً للقانون الدولي. لهذا بات ضرورياً العمل على تهيئة آليات مدروسة من الفلسطينيين لخوض معركة قانونية ضد إنشاء المستعمرات أساساً. واللافت أن احتلال الأرض الفلسطينية وإنشاء المستعمرات عليها كان نهجاً إسرائيلياً لفرض الأمر الواقع التهويدي. ونجحت الحركة الصهيونية بدايةً في إقامة دولة الكيان الإسرائيلي على 78% من مساحة فلسطين التاريخية، وتمكّنت العصابات الصهيونية من طرد 850 ألف فلسطيني، بعد أن ارتكبت مذابح ومجازر عديدة. وإثر ذلك، تمت عملية تدمير ممنهجة لنحو 418 قرية ومدينة فلسطينية، وأنشأت المؤسسات الصهيونية على أنقاضها مستعمرات تخدم أهدافاً أمنية واقتصادية للتجمع الاستعماري الصهيوني، وأصدر الكيان الإسرائيلي قوانين جائرة لمصادرة أراضي الفلسطينيين، ولم يتبق سوى 3% من المساحة التي أنشئت عليها إسرائيل لاستخدامات فلسطينيي الداخل.
شرعة القانون الدولي
ثمة إجماع بين الأحزاب الإسرائيلية على ضرورة إنشاء المستعمرات وتسريع وتيرة الاستعمار، وبشكل خاص في القدس، وعلى الرغم من تفكيك المستعمرات من قطاع غزة عام 2005، فإن النشاط الاستعماري لم يتوقف في الضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس التي تواجه أكبر موجة نشاط استيطاني منذ 1967. واللافت أن حجم التوسع الاستعماري الإسرائيلي تضاعف أربع مرات، منذ التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الإسرائيلي في 1993، وثمّة مخططات لفرض وقائع استيطانية إسرائيلية في الضفة الغربية وفي داخل الأحياء العربية القديمة من مدينتي القدس والخليل. وقد صادرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أكثر من 40% من مساحة الضفة الغربية لإنشاء المستعمرات والطرق الالتفافية التي تربط بينها، ناهيك عن سيطرة الكيان الإسرائيلي على أكثر من 80 % من مساحة مدينة القدس، أما الجدار العازل، فهو من أكبر النشاطات الاستعمارية في عمق الضفة الغربية، حيث تعتبره محكمة العدل الدولية غير شرعي، ومنافياً للقوانين الدولية.
وبناءً على قرار مجلس الأمن 2334 الذي يعتبر المستعمرات الإسرائيلية غير شرعية، بات الأمر يتطلب تبنّي خطاب سياسي فلسطيني جديد، يسعى إلى تطبيق القانون الدولي الداعي إلى تفكيكها كمعالم ورموز احتلالية وليس تجميدها فحسب، وفي هذا السياق، أكدت عشرات القرارات الدولية أن المستعمرات الصهيونية والتحولات الديموغرافية المفروضة قسراً لصالح التهويد باطلة وملغاة تبعاً لشرعة القانون الدولي.