الحرب في سورية: إعادة تشكيل المنطقة

عناصر من قوات سوريا الديمقراطية

 

 

 

الهجوم الذي شنّته القوى الإسلامية الأصولية المرتبطة بتركيا تحت مسميات مختلفة، مثل: الجيش الوطني أو جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام، أو غيرها من التشكيلات والمليشيات العسكرية المدعومة كذلك من الولايات المتحدة وإسرائيل، ليس صدفة بل جاء بعد تحضير طويل بمنتهى الجدية والتخطيط الدقيق. والتوقيت دون شك اختير بعناية وهو على علاقة وثيقة بثلاث جبهات أخرى: جبهة غزة وجبهة لبنان وجبهة أوكرانيا. والحرب التي بدأت في شمال سورية هي بالمناسبة تمس مصالح الدول التي على علاقة بها بشكل مباشر أو غير مباشر، وهي في هذا السياق كثيرة. بعضها عبّر عن موقف، وبعضها يلتزم الصمت.
تركيا هي التي قررت شن الحرب على سورية من خلال أدواتها، وليس صحيحاً ما تدعيه السلطات التركية بأنها لم تعلم أو تفاجأت. بل هي خططت لذلك واستغلت انشغال حلفاء سورية الرئيسيين بحروب أخرى، خاصة روسيا المنشغلة بحرب أوكرانيا، وإيران و»حزب الله» المنشغلَين بحرب لبنان. وهذا ما مكن الميليشيات الحليفة لها من تحقيق انتصار سريع واحتلال مساحات واسعة من الأراضي في منطقتَي إدلب وحلب. والمصلحة التركية تكمن في محاولة توسيع مناطق نفوذها في شمال سورية من أجل إبعاد اللاجئين السوريين إليها؛ بعد أن صاروا يشكلون عبئاً عليها، ومن ثم إجبار السلطات السورية على التوقيع على اتفاق سياسي يضمن حصة المعارضة المؤيدة لها في السلطة القادمة، وبما يمنح تركيا دوراً في تقرير مصير شمال سورية، وتحديداً منع قيام دولة كردية أو أي نوع من الكيانية السياسية المستقلة. ويبدو أن تركيا لجأت للحرب استغلالاً للظروف الراهنة بعد فشل محاولات التطبيع مع النظام السوري؛ بعد إصرار الأخير على الانسحاب التركي من الأراضي السورية.
الولايات المتحدة وإسرائيل لهما قصة مختلفة، فهما يريدان إضعاف الوجود الإيراني في سورية وبالتالي في لبنان، ومنع «حزب الله» من إعادة ترميم قوته العسكرية. ويعتبران أن نتائج الحرب في غزة ولبنان، والتي أدت إلى إضعاف «حماس» بصورة كبيرة وكذلك «حزب الله»، تشكل فرصة للقضاء على وجود إيران أو تحجيمها بشكل جوهري في الأراضي السورية. ومن ناحية الولايات المتحدة فهي أيضاً تريد تصفية الحساب مع روسيا التي لم تنجح في هزيمتها في أوكرانيا لجهة إضعافها في سورية، وربما القضاء على النظام السوري، وطرد الروس من سورية ومن قاعدتهم الأهم على البحر المتوسط. وتعمل على استغلال انغماس روسيا في الحرب، التي جرى تصعيدها بعد السماح لأوكرانيا باستخدام أسلحة أميركية بعيدة المدى في عمق الأراضي الروسية، بشكل لا يمنح الروس القدرة على مساعدة الجيش السوري كما في الفترة ما بين السنوات 2015 حتى 2020. وكذلك معاقبة إيران على دعمها لروسيا وهي المتهمة بتزويد روسيا بطائرات مسيّرة وربما بصواريخ للقتال في أوكرانيا. والإدارة الأميركية الحالية تحاول خلق وقائع قبل استلام الرئيس المنتخب دونالد ترامب للحكم، سواء بالتصعيد في أوكرانيا أو بالحرب الجديدة في سورية. وهذا ربما من باب منع ترامب من تحقيق نجاحات في إطار سياسة الصفقات التي يحبها ويجيدها أكثر من أي شيء آخر.
أما إسرائيل، فإنها ترغب بتغييب دور إيران في سورية، وكذلك منع تقديم الدعم لكل من «حزب الله» و»حماس». ولكن تتخوف إسرائيل من وضع تتحول فيه سورية إلى فوضى؛ فهذا سيهدد الأمن فيها أكثر بكثير من وجود نظام الرئيس بشار الأسد الذي هو على الأقل غير معني بالمواجهة مع إسرائيل، ويمكنه أن يؤمّن الحدود بصورة شاملة إذا أراد. وبالتالي هي في حالة ترقب لرؤية ما الذي يمكن أن يحدث في الأراضي السورية، خاصة بالقرب من الحدود معها، ولكنها مع ذلك تتدخل لمنع إيران من المشاركة بفعالية في دعم الجيش السوري، وقد قامت بمنع طائرة إيرانية من نقل السلاح للسوريين والهبوط في المطارات السورية، حسب ما نُقل في وسائل الإعلام. ولا يبدو أن إسرائيل ستكون سعيدة بوجود فصائل سلفية متطرفة على حدودها حتى لو كانت على علاقة وثيقة ببعضها مثل «جبهة النصرة». فالتجربة الإسرائيلية مع «حماس» لا تسمح لها بالمخاطرة في مغامرة أخرى قد تكلفها الكثير. والفوضى يمكنها أن تنتج الكثير من المخاطر وعدم استقرار الأمن.
وحدهم العرب لا يكترثون كثيراً لضياع سورية أو دمارها، على الرغم من الأخطار الجمّة المترتبة على سقوط النظام، وانتقال الفوضى إلى كل دول الجوار وتهديد المصالح العربية. وكل ما صدر عن الدول العربية لا يرقى إلى مستوى تقدير حجم الضرر الذي سيلحق بالأمة العربية نتيجة للاجتياح التركي بالوكالة الذي يحدث الآن لأراض عربية عزيزة وغالية بصرف النظر عن الاتفاق أو الخلاف مع رأس النظام الذي عاد مؤخراً للجامعة العربية.
كل ما يحدث في سورية، وما يرتبط بتخطيط الأتراك وحلفائهم، قد ينقلب وبالاً عليهم في حال لم تأتِ الرياح بما تشتهي السفن. فحلفاء النظام السوري لن يتنازلوا بسهولة عن مواقعهم، وبالتالي سيحاولون بكل ما أوتوا من قوة دعم النظام. كما أن حلفاء الأتراك والغرب ليسوا على وفاق بينهم، فمثلاً الأكراد لا يثقون بحلفاء تركيا عدوتهم، وسيجدون أنفسهم في صراع معهم. حتى حلفاء واشنطن تصارعوا فيما بينهم على الأراضي السورية. وما بدا من انتصار سريع للجماعات السلفية المتخلفة والإرهابية قد يتحول إلى هزيمة تامة للمشروع التركي في سورية، خاصة إذا انتقل المزيد من اللاجئين للأراضي التركية، واستمر الصراع لفترة طويلة دون حل.

 

 

 

Loading...