لم يُمحى من الذاكرة مشهد قاسم سليماني، وهو يتجول على أنقاض حلب المدمرة، متأبطاً صولجانه، معلناً إسقاط المدينة السورية التاريخية، من جملة ما أَسقط من مدن وعواصم عربية.
الزمن الذي يحسب بالسنوات، يتغير فيه الواقع في ساعات، سقطت حلب بيد المعارضة متعددة الجنسيات، وسقطت حماة كذلك، وبقيت العقدة الأخيرة حمص التي لن يبقى بعدها سوى سقوط دمشق، حيث المعقل الرئيسي لإيران مثلما هي كذلك للنظام.
الوضع في سوريا غير مقروءة نتائجه النهائية، ذلك أن القوى الرئيسية المؤثرة على الساحة السورية تخفي أجنداتها الحقيقية، إلى حين اتضاح نتائج التقدم السريع والواسع لقوى المعارضة. وما يقابله من انهيارات على جبهة داعمي النظام، وقوامها إيران وروسيا، حيث الرهان على عمل عسكري يوقف الزحف المعارض، يؤديه ما تبقى من جيش النظام والمليشيات الإيرانية والقوات الروسية.
الملفت منذ السقوط السريع لحلب وحماة، والاقتراب من بوابة دمشق الاستراتيجية حمص، أن القوة المشتركة التي أنقذت نظام الأسد ووفرت له سيطرة واسعة ومستقرة على معظم الأراضي السورية، لم تعد كما كانت في السابق متماسكة قوية متناغمة، وهي الجيش السوري الذي كان يتمتع بكفاءة معقولة، والجيش الروسي الذي امتلك الأجواء السورية، مع وجود فعّال على الأرض، ثم المليشيات الإيرانية بما في ذلك حزب الله، بينما كانت المعارضة أقل قوةً وتماسكاً وخبرةً قتالية مما هي عليه الآن.
تبريرات جيش النظام لسقوط حلب وحماة، بدت غير مقنعة، ذلك أن التفريط بمدنٍ كبرى تحت حجة حماية المدنيين، سمح لأعداد كبيرة من المسلحين للتغلغل فيها وهذا ما سيعرض المدنيين لخسائر أفدح إذا ما قرر النظام وداعموه استرجاع السيطرة عليها بالقوة.
حين عاد النظام للسيطرة على المدن الرئيسية بدعم من حلفاءه الإيرانيين والروس، أغفل أمراً حيوياً بدا أنه مصيري، وهو عدم حماية الإنجازات الميدانية بسياسة داخلية يتصالح بها مع الشعب السوري المثخن بالجراح، واللاجئ بمعظمه داخل بلاده وخارجها، كان واضحاً أن السيطرة بفعل عمل عسكري تحالفي قوامه قوات مستوردة، لن تدوم وأن النوم على حرير الطيران الروسي والمليشيات الإيرانية هو نوع من خداع الذات وتأجيل الانهيارات الحتمية، وإذا ما نظرنا إلى إسرائيل المراقبة والمتربصة، فهي أيضاً في انتظار النتائج، مع انها بدأت تفكر جدياً في إقامة منطقة عازلة تقتطع بها أراضٍ سورية تخوفا من وصول المعارضة متعددة الجنسيات إلى مقربة من الحدود لتبادل المواقع مع الإيرانية.
هل هذا الوضع سيكون المصير النهائي لسوريا البلد الأهم في جدار الوجود العربي تاريخياً، أم أن إنقاذ سوريا من هذا الوضع المأساوي يترتب عليها أولاً وعلى أمتها العربية قبل أن يُستورد من آخرين؟
هذا هو سؤال الأسئلة ليس فقط بشأن سوريا وإنما بشأن الأمة كلها.